هَمَسَتْ (إِمِيْسَّا) للصَّبَابَةِ: أَقْبِلِي
وَتَقَدَّمَي نَحْوِي وَمِنْ خَمْرِي اثْمَلِي
قَالَتْ: تَعَالي يَا صَبَابَةُ إِنَّني
أَرْجُو ارْتِعَاشَةَ عَاشِقٍ في أَنْمُلِي
لَكِنَّني أَخْشَى عِقَابَ رِجَالِنَا
أَخْشَى وَأَخْجَلُ مِنْ عِتَابٍ مُقْبِلِ
هَمَسَتْ وَحُزْنُ البُعْدِ يَغْلِي في الرُّبَا:
إِنَّ العَذَابَ مُحَتَّمٌ لا يَنْجَلِي
إِنَّ اللِّقَاءَ مُؤَجَّلٌ في مَوْطِني
وَالعِشْقُ يَرْجُو غُرْفَةً في مَنْزِلي
إِنِّي أُرِيْدُكِ جَارَتِي سِرَّاً فَكَمْ
عِشْقٍ قَضَى بِصَرَاحَةٍ كَالمِرْجَلِ!
غَضِبَتْ صَبَابَةُ قَلْبِنَا مِنْ أَرْضِنَا
قَالَتْ لَهَا: يَا أَرْضُ لا، لا تَخْجَلِي
يَا أَرْضُ إِنَّ الحُبَّ لَيْسَ مَذَمَّةً
بَلْ مَالِكٌ للسَّعْدِ عَرْشَهُ يَعْتَلِي
يَا أَرْضُ كُوْني للسَّمَاءِ حِكَايَةً
بَلْ سُوْرَةً للكَوْنِ، قُوْمِي بَسْمِلِي
يَا أَرْضُ زَكِّي بِالمَشَاعِرِ عُمْرَنَا
أَنْتِ الَّتي مَلَكَتْ فَلا تَتَسَوَّلِي
يَا أَرْضُ زِيْدِي بِالمَحَبَّةِ نَصْرَنَا
أَنْتِ الَّتي حَكَمَتْ فَلا تَتَوَسَّلِي
يَا أَرْضُ تِيْهِي إِنَّ حُسْنَكِ غَالِبٌ
زِيْدِي جَمَالَ الكَوْنِ لا تَتَمَهَّلِي
يَا أَرْضُ ضِيْعِي في الغَرَامِ وَشَيِّدِي
قَصْرَاً لِعِشْقِكِ لا يُقَاسُ بِمَنْزِلِ
وَهِبِي شَبَابَكِ حُبَّكِ الأَبْهَى فَكَمْ
زَادَ الغَرَامُ بَهَاءَنَا دُوْنَ الحِلِيّ
* * *
أَخَذَتْ صَبَابَتُنَا تُنَادِي مُنْقِذَاً
نَادَتْ بِصَوْتٍ فَاقَ أَلْفَ مُهَلِّلِ
فَارْتَدَّتِ الأَصْوَاتُ للدُّنْيَا عَلَى
سَجَّادَةٍ سِحْرِيَّةٍ مِنْ مُخْمَلِ
جَابَتْ بِهَا أَكْوَانَنَا كَي تَسْتَقِي
كَلَفَاً وَأَشْعَارَاً بَدَتْ كَالمَنْهَلِ
زَارَتْ بِهَا (هِيْرُوْدُسَ) المَجْنُونَ في
تَارِيْخِهِ الظُلُمَاتُ أَمْسَتْ مِشْعَلِي
وَقَفَتْ عَلَى صَرْحٍ عَظِيْمٍ شَامِخٍ
بَيْنَ الشَآمِ وَنِيْلِنَا وَالكَرْمِلِ
فِيْهِ الحِكَايَةُ تَبْتَدِي، وَمِنَ البِدَا
ـيَةِ قَدْ غَدَا كَذِبُ الحِكَايَةِ مَوْئِلِي
زَارَتْ أُمَيَّةَ في (دِمَشْقَ) فَغَرَّدَتْ
رَايَاتُ عَبَّاسِيَّةٍ في (المُوْصِلِ)
ثُمَّ انْتَهَتْ أَيَّامُهَا ضِمْنَ السَّمَا
حِيْنَ اخْتَفَتْ شَمْسٌ لَنَا لَمْ تُكْمِلِ
* * *
سَجَّادَةُ الأَحْلامِ حَطَّتْ عِنْدَنَا
قُرْبَ الصَّبَابَةِ تَشْتَكِي للمُرْسِلِ
قَالَتْ: إِلَهِي جُبْتُ كُلَّ بِلادِهِمْ
مَا شَاهَدَتْ عَيْنِي هَوَىً لَمْ يُقْتَلِ
أَيْنَ اللِّقَاءُ بِعَاشِقٍ مُتَلَهِّفٍ
لِلِقَاءِ بِنْتٍ دُوْنَ مَوْتٍ مُقْبِلِ؟
رَدَّتْ صَبَابَتُنَا: (إميسَّا) عَالَمٌ
زُوْرِيْهِ كَيْلا تَشْتَكِي أَوْ تَسْأَلِي
فِيْهَا الأَزِقَّةُ تَنْحَنِي لِجَلالِنَا
فِيْهَا الشَّوَارِعُ يَخْتَفِي فِيْهَا الجَلِيّ
فِيْهَا مَآذِنُ أَنْشَدَتْ لَحْنَ الجَوَى
وَكَنَائِسٌ بُنِيَتْ لِعِشْقِ المُرْسَلِ
فِيْهَا الضِّيَاعُ كَجَنَّةٍ تَرْعَى الوَرَى
إِنَّ الجَمَالَ عَرِيْنُهَا، هَيَّا ارْحَلِي!
رَحَلَتْ أَخِيْرَاً نَحْوَهَا سَجَّادَتي
مَا عُدْتُ أَذْكُرُ، قِزْحِلٍ أَمْ زَيْدَلِ!
زَارَتْ مَضَافَةَ ضَيْعَةٍ قَدْ أَصْبَحَتْ
للعَالَمِيْنَ مَنَارَةً بِالمُجْمَلِ
فِيْهَا حُقُوْلٌ أَنْبَتَتْ أَعْنَابَنَا
لِذَّاتِ جَنَّاتٍ يُزَيِّنُهَا العَلِيّ
وَالحَافِيَاتُ رَقَصْنَ فَوْقَ تُرَابِهَا
كَي تَعْصُرَ الأَعْنَابَ أَقْدَامُ الطَّلِي
القَاصِرَاتُ الطَّرْفِ مِنْهُنَّ الهَوَى
النَّاعِمَاتُ الجِسْمِ فَوْقَهُ مَقْتَلِي
فِيْهَا شَمُوْلٌ عَتَّقَتْهُ صَبِيَّةٌ
سَكْرَى تَمِيْلُ عَلَى الضُّيُوْفِ بِمَحْفَلِي
رَدَّتْ أَيَادِيَهُمْ بِكَأْسٍ عَاشِرٍ
غَنَّتْ لَهُمْ بَعْضَ الغِنَاءِ المُثْمِلِ
جُنَّ الضُّيُوْفُ بِهَا فَوَدَّتْ جَمْعَهُمْ
رَقَصَتْ لَهُمْ فَانْصَاعَ كُلُّ مُهَلْهِلِ
خُلْخَالُهَا الذَهَبِيُّ أَمْسَى قَائِدَاً
حَكَمَ الرِّجَالَ بِهَزَّةٍ في الأَرْجُلِ
فَتَمُوْجُ ضَيْعَتُنَا وَتُمْسِي مَسْرَحَاً
(جُولييتُ) قَامَتْ وَ(رُوْمِيُوْ) أَمْسَى الوَلِيّ
رَقْصٌ وَسَعْدٌ للنُّجُوْمِ فَيَنْبَرِي
قَمَرٌ يَجُوْدُ بِدَبْكَةٍ في المَشْتَلِ
طَبْلٌ وَنَايٌ تِلْكَ سِيمْفُوْنِيَّةٌ
تُهْنَا بِهَا واللَّيْلُ لَمَّا يَنْجَلِ
* * *
زُرْتُ الصَّبَابَةَ عِنْدَمَا الحَفْلُ انْتَهَى
أَخْبَرْتُهَا عَنْ رِحْلَةٍ لَمْ تُكْمَلِ
أَخْبَرْتُهَا عَنْ ضَيْعَتي الأَسْمَى وَعَنْ
سَهَرَاتِنَا عَنْ مَسْرَحٍ عَنْ مِنْجَلِ
أَخْبَرْتُهَا أَنِّي سَأَبْقَى دَائِمَاً
أَشْدُو (إِمِيْسَّا) عَاشِقَاً للأَجْمَلِ
أَخْبَرْتُهَا أَنِّي أُقَدِّسُ رِحْلَةً
فِيْهَا الْتَقِيْتُ بِمَدْفَنِي وَبِمَنْزِلي
جَمَّلْتُهَا بِالعِشْقِ فَارْتَاحَتْ لَنَا
أَوْصَيْتُهَا بِالشِّعْرِ أَمْسَتْ مَنْهَلِي
رَجِعَتْ صَبَابَتُنَا وَقَالَتْ للهَوَى
بَشِّرْ (إِمِيْسَّا) بِالحَبِيْبِ المُقْبِلِ
بَشِّرْ حَبِيْبَتَنَا بِعِشْقٍ خَالِدٍ
حَتْمَاً سَيُهْدِيْهَا حِلِيَّ الأَنْمُلِ
فَرِحَتْ (إِمِيْسَّا) وَاسْتَحَتْ مِنْ فَرْحِهَا
تُخْفِي ابْتِسَامَتَهَا أَمَامَ المُرْسَلِ
اسْتَلْقَتْ عَلَى كَتِفِ السَّمَاءِ وَوَسَّدَتْ
غَيْمَاتِهَا حَتَّى تَنَامَ وَتَخْتَلِي
نَامَتْ (إِمِيْسَّا)، وَالصَّبَابَةُ بَارَكَتْ
أَحْلامَ مَيْسَاءٍ تَبَاهَتْ بِالحِلِيّ
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية