مات أخوه بنفس المرض، وهو ينتظر اليوم أن يصل للنتيجة نفسها، "عهد خالد الحسيكي" ابن الأربع عشرة ربيعا لاجئ من القصير في لبنان، لا يخاف من شيء في حياته الصامتة أكثر من الرقم "15"، ذلك الرقم الذي لا يعني له إلا عدد سنوات عمر أخيه الراحل "أحمد"، والرقم نفسه لن يعني له لاحقا إلا عدد سنوات عمره التي لم يبقَ له منها إلا عام أويزيد.
أما "مرح عبد الباسط عيوش"، فتعلم أن أخاها "مؤيد" لم يتجاوز الثالثة عشر عاما عندما سلم روحه إلى بارئها بعد معاناته مع هذا المرض الخفي، وأنها أيضا على موعد معه بعد عام وغربتين، لكن في مقبرة غير المقبرة، وبلاد غير البلاد.
"مرح" التي احتفلت بعيد ميلادها الثاني عشر كطفلة لاجئة منذ أيام في خيمة لا يزورها من يكرهون النهايات، ولا يدوس عتبتها من يخافون الأطفال الذين هم برسم الرحيل.

*الطاعون النبيل
"المرض النبيل"، هكذا اسم الطاعون القاتل، ويطلقون عليه تسمية "المرض النبيل" لأنه يطال عضواً نبيلا في جسم الإنسان وهو الدماغ.
هو بحسب تعريف الدكتور "عدنان زقريط" أخصائي الجراحة العامة بأنه "تقلص في حجم خلايا الدماغ بشكل كامل أوجزئي، ما يسبب ضعف عمل الجزء المعرض للضمور، كضمور العضلات، وغياب النطق كليا، وتشنجات الفكين، وعدم القدرة على المضغ، أو المشي".
لا أمل في شفاء معظم من يصاب بهذا المرض بحسب "زقريط"، إلا أنه يمكن تأمين مركز يخفف عنهم آلامهم وأوجاعهم، وبالأخص جلسات العلاج الفيزيائي وتوفير الحمامات والمياه الساخنة المفيدة في التنظيف وجعل الجسم أكثر ليونة، بالإضافة للأجهزة الرياضية الخاصة لتدريب المصابين.
وهذا ما لا يتوفر في لبنان بحسب رئيسة قسم التمريض في المشفى الميداني بعرسال "سامية معرواي" التي أكدت كذلك أنها وجهت نداءات استغاثة لتأمين مثل هذا المركز إلا أن أحدا لم يستجب بعد.
*صورة وداع وأمل
تحتار "أم عهد" وهي من أهالي القصير اللاجئين إلى "عرسال" بأي الولدين تشبع ناظريها، هل من صورة فلذة كبدها الراحل أحمد، أم من نور بصرها وبصيرتها الذي جهز حقيبة رحيله ليلحق بأخيه، لا تتردد وهي تختار المعشوق الثاني، تقترب منه، تبدل له "الحفوضة"، ومن شق في خيمتها تطل إلى السماء الواسعة، ناثرة دعوة أم مليئة بالرضى والأمل أن يسخر لهؤلاء الأطفال من يخفف عنهم آلامهم غير قانطة من استجابة الدعاء.
عبد الحفيظ الحولاني - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية