ما بين دموع أمها "سعاد" التي لم يعد لها من اسمها نصيب، ودموع صديقتها الوحيدة "زينة" التي ذهبت لتحقق لها حلمها الطفولي بشراء كيس "البطاطا بالكتشب"، ثمة "خاتم عرس" غابت صاحبته وراء الغيوم.
ولم يعد له بعد الآن أن يرقد حول خنصرها الذي سحبت منه الحياة رشقات رصاص ألقاها جندي عابث ولم يكلف نفسه عناء النظر خلفه!
إنها "إيمان مسعف رعد"..يا ذا الخوذة الفولاية الباردة، إنها إيمان ياصاحب الملالة العتيدة، إنها إيمان ياقائد الجيوش المجوقلة..
إيمان لا أكثر ولا أقل... ألاتستحق منك أن تنظر خلفك؟!
أم أن غزل الحياة محرم بين القاتل والقتيل؟
إنها إيمان ياصاحب بزة "المارينز"، التفت قليلا لتشاهد علب مكياجها التي لم تتزين منها بعد...التفت وانظر لجوالها الذي ضمخته رصاصتك الغادرة بدم ليصبح خارج نطاق الحياة والفرح، ليعانق الصمت الأبدي.
لم يعد بمقدورها الآن أن تتصل بأخيها الأكبر أيمن لتعزمه ليشرب معها (المتة)، ولن تستطيع إرسال رسالة لأخيها الأصغر محمد كي يحضر لها (خسة) من الدكان لتعمل أكلتها المفضلة (التبولة).
إيمان و(جوالها) المتواضع الصغير دخلا في غياهب الصمت منذ الآن، التفت أيها القاتل فثمة صمت ينوح خلفك، فرسائل الخطبة مع خطيبها (محمد الميش) لازالت في ذاكرة الجوال البعيدة، رسائل صبية تحلم أن تكون أما وتحضن طفلا يشبه في لون عينيه والدها الشهيد.
التفت واخلع عن عينيك قليلا نظارة الجندي المتوحش، وعاين مكان طلقاتك الثلاث، التى وجدت في رأس العروس مستقرا لآخرها، رأسها الذي لم يكن يحلم بأكثر من حلم بسيط.. حلم بباب خيمة هادئة يوصد عليها وعلى عائلتها الصغيرة..باب لا تخترقه رصاصات الجيوش العابرة للموت والإجرام.
التفت أو لا تلتفت، لم يعد مهماً، أكمل طريقك ياقائد الجيوش المجوقلة، أكمل طريقك بصمت، فرصاصتك اخترقت الباب، والعروس الشهيدة إيمان تتقبل التهاني الآن من داخل قبرها البارد الغريب.
عبد الحفيظ الحولاني - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية