أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

فرج بيرقدار.. "أبو علي صالح و"أبو علي المير" لم يضيِّعا بوصلتهما لا قبل الثورة ولا بعدها

صالح والمير - ارشيف

لعل أخطر الأسلحة التي واجه بها نظام الأسد الثورة السورية اللعب على الوتر الطائفي والعرقي المتنوع للسوريين.

ورغم أن أهم شعارات ثوار سوريا منذ انطلاق مظاهراتهم السلمية كانت تحض على وحدة الشعب السوري "الشعب السوري واحد"، ونبذ الطائفية "الحرية طائفتي"، إلا أن النظام حقق نجاحا جزئيا في توجهه نحو صبغ الثورة بطابع يستغله محليا أمام أنصاره الطائفيين، وحلفائه الخارجيين وحتى من يدعون عداءه؛ ليقدم نفسه على أنه يحارب الإرهاب والتطرف، ويشكل ضمانة وحماية للأقليات.

لكن النظام الذي يتخذ من الاستبداد والقمع ركيزتين أساسيتين لاستمراره، قبل وأثناء الثورة السورية، لا يوفر أياً من الطوائف في ظلمه، عندما يجاهر أحدهم بمعارضته ولو بالحد الأدنى.

فالمعارضون من الأقليات لا يقلون معاناة عن زملائهم من الأكثرية، وهي حالة "العدل" الوحيدة التي يمارسها نظام الأسد على السوريين جميعا.. عدالة القمع لجميع المعارضين أياً كان انتماؤه المذهبي أو العرقي.

وقد نرى في عبارة الشاعر السوري فرج بيرقدار تجسيدا لواقع خيالي يعيشه السوريون، حين قال: "لا أرى فرقا جوهريا بين كلمتي سوريا وسوريالية، وحتى الأجيال التي ستولد في سوريا مستقبلا ستطرق الرأس خجلا، كلما توقفت أمام هذه الصفحات السوداء من تاريخ سوريا".

ورغم أن حديثه جاء في سياق استعراضه لسنوات التعذيب والاضطهاد أثناء فترة امتدت 14 عاما في سجون الأسد، إلا أنها تنطبق على الحالة السورية عموما.

بيرقدار الذي قال يوما "إن سلطة جاءت بالعنف يصعب عليها أن تتصور إمكانية إسقاطها بغير العنف"، يؤكد من خلال حديثه عن زميليّ اعتقال "عدالة" النظام في القمع بحق السوريين.

الشاعر والسجين السياسي، الذي يتحدر من ريف حمص الشمالي حيث يشن النظام أشرس حملاته مؤخرا، يروي جزءا يسيرا من سيرة زمالته مع محمد علي صالح (أبو علي) حفيد الشيخ صالح العلي، وفائق المير (أبو علي)، وهما من طائفتين مختلفتين.

يقول "بيرقدار" لـ"زمان الوصل": "في أواسط الثمانينيات اعتقلت المخابرات العسكرية محمد علي صالح (أبو علي) 12 سنة متواصلة، وكنا معاً في كثير من تلك السنوات، وفي بدايات الثورة كان اعتقاله الثاني، والآن هو معتقل للمرة الثالثة من قِبل المخابرات الجوية".

واعتقلت المخابرات الجوية "أبو علي صالح" منذ أيام بعد مداهمتها منزله في مدينة حمص، حيث يسكن في حي يوحي بابتعاد الرجل عن الطائفية، بعيدا عن الأحياء المعروفة بولائها للنظام.

وعن "فائق المير" (أبو علي) يقول "بيرقدار": "كان معنا في سجن صيدنايا لعشر سنوات، وبعدها اعتُقِل ثانية، ثم اختُطِف منذ سنتين، وحتى الآن لا أحد يعرف عنه شيئاً"، واصفا البلاد بأنها "داشرة حقاً رغم ادعاءات بشار الأسد أنه رئيسها الحامي".

الأديب الذي وصف معاناته في سجون النظام في كتاب "خيانات اللغة والصمت: تغريبتي في سجون المخابرات السورية"، استفاض في حديثه عن "المير" قائلا: "أُفرِج عن أبو علي المير قبلي بسنوات.. كنت نائماً ولم يشأ أن يوقظني، ولكنه قال للشباب: هذا المقصّ الصغير كان خاصاً بتظبيط بشاربيّ..خبّروا فرج أني تركته له كي يظبِّط به شاربيه.. دفعت ضريبة ذلك كثيراً، إذ أصررت على إخراجه معي، وما زلت أحتفظ به حتى الآن".

ويجمع فرج الصديقين في حديثه مردفا: "أبو علي المير وأبو علي صالح صغيرا الجسد وكبيرا الفعل والأخلاق، وكلاهما يمتلك عينين زرقاوين كالبحر الأبيض المتورِّط الآن، وطاقةً لا تنضب في خدمة الآخرين داخل السجن وخارجه. ما من سجين استجار بهما إلا لبَّياه في شؤونه أو في شؤون زيارته وهداياها".
ويطنب في وصفهما: "رجلان لا يهادنان ولا يساومان ولا يعرفان في الحق ونصرة المظلومين لومة لائم، لا يسكتان عن الأخطاء والمثالب والمظالم أياً كان صاحبها أو مصدرها. لم يضيِّعا بوصلتهما لا قبل الثورة ولا بعدها".

ويرى "بيرقدار" في صديقيه "رمزين وطنيين يحظيان بشبه إجماع في صفوف السوريين الشرفاء على تنوّع مشاربهم، وصوتين للحكمة في أوقات لا حكمة فيها".

ويعتبر أن "حياتهما ومواقفهما وسلوكهما فضيحة مستمرة لكل من وما هو غير وطني. عيونهم.. أو عيناهما تشعان محبةً وذكاءً، وجسداهما يتوقّدان دينامية، ولا يكِلّان في خدمة الجميع... رجلان حرٌّان كما يليق بهما. كلاهما ينتسب إلى أشرف ما يمكن الانتساب إليه، ولكنهما ينتسبان إلى نفسيهما أولاً".
ولا يستبعد الشاعر أن تكون تلك الأسباب، إلى جانب "أسباب إضافية لا أعرفها" وراء اعتقال النظام السوري أو حلفائه لهما مجدّداً.

ويختم بيرقدار: "كم أنتظر أن يعودا إلينا، وكل من هم من أمثالهما، سالمين وأكثر حرية.. ما أقوله ليس بياناً ولا رسالة ولا مقالة، ولكني أتمنى له أن يصل إليهما، على أني لن أتوقَّف عند هذا الحد..سأرجئ الضعف أو البكاء إلى حينه، فلكلّ حِين حَيْنْ".

زمان الوصل
(100)    هل أعجبتك المقالة (110)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي