بعد أكثر من ربع قرن على هروب الطيار "بسام العدل" بطائرته "ميغ 23" من سلاح الجو السوري إلى "إسرائيل" في ظروف لا زالت غامضة إلى الآن، كشف ضابط سابق في الجيش كان جاراً له في مدينة حلب تفاصيل لم تنشر من قبل عن خفايا انشقاقه وتستّر اللواء "ابراهيم حويجة" الذي كان مقرباً من حافظ الأسد على محاولة انشقاق سابقة له، ومصير عائلته قبل أن ينتهي به الأمر نابشاً للقمامة لتأمين طعامه في شوارع تل أبيب.
وروى الضابط "طلال علي سلو" لـ"زمان الوصل" إن الطيار الفار كان جاراً له في منطقة محطة بغداد بحلب، إذ كان بيته -كما يقول–"لا يبعد عن بيتنا أكثر من مئة متر".
وأضاف أن العدل "ينحدر من عائلة من ريف إدلب وخلافاً لما يُذكر على صفحات "غوغل" كان والده مديراً لمدرسة "عدنان المدني" في محطة بغداد وليس تاجراً".
وتابع سلو الذي كان طالباً ضابطاً في الكلية الجوية-المعهد الفني وتخرج منها عام 1987برتبة ملازم: "كنا 5 ضباط في حي محطة بغداد، بينهم العدل، إلا أننا جميعاً لم نكن نتعامل معه أو نكلمه نظراً لسوء أخلاقه فقد كان سكيراً بشكل شبه دائم، وكان آنذاك ضابطاً طياراً في المنطقة الجنوبية".
وكان "بسام العدل" -كما يؤكد سلو- "الفتى المدلل للمخابرات الجوية، وكان مخبراً من الطراز الأول على من حوله بشهادة أصدقائه في نفس المطار"
ويضيف: "في نهاية الثمانينات التي شهدت أحداث مجزرة حماه، كانت الأجهزة الأمنية تغض النظر عن السكر والعربدة الخاصة بالضباط، فالمهم لديها أن يبتعد عن الدين والصلاة والعبادة وهذا ما كان متوفراً لدى العدل".
وخلافاً للمعلومات المتداولة حول رغبة "إسرائيل" وأمريكا في الحصول على الطائرة التي فرّ بها "بسام العدل" لكونها حديثة ومتفوقة، روى سلو إن مشروعاً للتعديل على الطائرة أُنشئ في سوريا آنذاك بسرية تامة، وحتى الروس كانوا لا يعلمون عن التعديل شيئاً، وأشرفت على المشروع الذي دُعي– كما يوضح– مشروع الباسل مركز البحوث العلمية ومجموعة من العلماء السوريين، وكانت الطائرة المخطوفة من أوائل الطائرات المعدلة، رغم أن المشروع "كلّف مئات الملايين في ذلك الوقت تم إيقافه بعد خيانة العدل".
وكشف محدثنا أن لـ"بسام العدل" محاولة سابقة في الفرار بطائرته ولكن بعد إقلاعه تم إنذاره بالإسقاط فاضطر للنزول بالطائرة بعد أن أنكشف أمره وتم تقديمه بعد هذا الحادث إلى التحقيق لدى المخابرات الجوية.
وادعى -حسب محدثنا- أنه كان مناوباً بطائرته "مناوب درجة" التي تتطلب من الطيار أن يناوب ضمن الطائرة ويكون مستعداً للإقلاع بأي لحظة، وادعى أن عينه غفت ونام للحظة ضمن الطائرة وخُيّل إليه أن صفارة الإقلاع قد انطلقت وهذا كان كذباً -حسب ما يؤكد سلو– الذي أشار إلى أن خلافاً ظهر أثناء التحقيق بين قائد القاعدة الجوية التي يخدم بها بسام العدل اللواء "رضا أحمد شريقي" وهو لواء طيار من منطقة "دمسرخو" الساحلية واللواء "ابراهيم حويجة "حيث أصر اللواء رضا–كما يوضح سلو- على معاقبة "بسام العدل" وتوقيفه عن الطيران، إلا أن اللواء "إبراهيم حويجة" ولأسباب مجهولة أصرّ أيضاً على مسامحته وإعادته إلى الطيران وبنفس المكان".
ويستطرد سلو :"نتيجة ذلك الصدام تم نقل اللواء رضا شريقي إلى مركز شنشار للرادار بحمص".
ويردف جار العدل: "بعد هذا الموقف عاد بسام العدل إلى المطار لمتابعة مهمته ألا وهي خطف الطائرة ونجح بمهمته وخطف تلك الطائرة المعدّلة" والغريب في الأمر -كما يؤكد سلو- أن اللواء "إبراهيم حويجة" لم تتم حتى مساءلته ومحاسبته بل ظل على رأس عمله حتى تقاعد وبشكل روتيني بل كان من أشد المقربين من حافظ الأسد.
تحوّل ما قام به "بسام العدل" إلى كارثة على عائلته التي تفرقت ما بين معتقل وهارب ومشرد، فأبوه وأمه أودعا السجن بقرار أمني حتى ماتا وراء القضبان أما شقيقه عبد الحميد أحد أقران محدثنا فسافر إلى اليونان قبل شهر من عملية الفرار ولم يعد إلى سوريا من حينه.
وتم توقيف أخ ثالث له كان يعيش في دمشق بسجن عدرا لمدة مفتوحة وغير قابلة للإفراج لأنها بقرار أمني وليس قضائياً.
ويؤكد محدثنا أن "لدى بسام العدل أخت وحيدة بقيت في السجن لفترة قبل أن يُفرج عنها وتزوجت فيما بعد من الإعلامي والمذيع الرياضي "كامل نجمة" لتسكن في بيت أهلها بمحطة بغداد" .
وذكر "طلال سلو" أن العدل "نسّق مع بعض الجهات في "إسرائيل" التي اشترت ذمته واتفقت معه على تجنيده قبل العملية"، مشيراً إلى أن "قرار الفرار بالطائرة لم يكن مفاجئاً لـ"إسرائيل".
وأردف أن "العدل عمل بمفرده ولم يكن أحد من زملائه متورطاً معه علماً"، لافتا إلى أن "جميع أصدقائه المقربين أُودعوا السجن وتم توقيف العسكريين المقربين من ضباط وصف ضباط لدى المخابرات الجوية، وأغلبهم تم طردهم من الجيش ولم يحصلوا على أي حقوق".
هذه قصة الجاسوس العدل، التي بدأت فصولها عام 1989 بهروبه بطائرة "ميغ 23" من سلاح الجو السوري إلى "إسرائيل" وانتهت بصورة درامية بعد أن تحول إلى "بلطجي" يعيش في الشوارع على القمامة والجرائم، لينال أخيراً حكماً بالسجن من محكمة إسرائيلية في حيفا لمدة 16 شهراً على خلفية ضلوعه في محاولة إضرام النيران بسيارة إسرائيلي مقابل حصوله على نحو 100 دولار فقط.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية