أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

"أم محمد".. لاجئة تطرق باب العلم وهي على أبواب الثمانين

تعلن إصرارها أنها لن تستلم وتضعف وستتعلم القراءة والكتابة مهما كلفها ذلك من صبر وتعب

قد لا يُعتبر جرس المدرسة منبها مغريا بالنسبة لها، وكذلك لا يُشكل لها التفتيش على الوظائف والواجبات المدرسية هاجسا تخشاه، فما يغريها أو يخيفها أصبح كله سرابا وراء ظهرها، كعمرها الموشك على نهايته، وكصباها الذي هجرها مخلفا وراءه ظهرا مقوسا، وجسدا ملقى على عكازة من خشب الحور، وألبوم صور من زمن الأبيض والأسود لزوج نعته منذ ما يزيد عن 20 عاما، تاركآ إياها دون أن يفرحا معا بنعمة البنين أو البنات، أوحتى أن يتقاسما هذه اللحظات القاسية من وحدة أم محمد ولجوئها بعيدا عن نهر العاصي ومدينتها البعيدة "القصير".

*طموح ورغبة بتعلم الحاسوب
في خيمتها التي تقع مباشرة أما مدخل معهد "الرعاية" في مدينة "عرسال" اللبنانية، تجلس نزهة إبراهيم عيوش (أم محمد) مواليد 18/6/1938 منتظرة أن تحين الساعة الرابعة عصرا لكي تدخل وتسبق الجميع في الدخول للمدرسة.

حملت حقيبتها المدرسية التي تحتوي على قلم ودفتر وبعض من شتلات الريحان التي إعتادت توزيعها على زميلاتها في غرفة الصف لتعطير جو الغرفة وإبقائه منعشا لطيفا.

وعن مدى تفاعل عميدة الطالبات "نزهة" في الدرس والتزامها بما يعطى لها من معلومات ووظائف، قالت (أم عماد اليبرودية) مدرّسة أم محمد في معهد الرعاية لـ"زمان الوصل" إن نزهة طالبة ذكية، وتمتلك ذاكرة متقدة وحماسا واضحا في تلقي المعلومات، ومراجعتها وحفظها للدروس، وهي لم تدخل مدرسة من قبل ولم تتلمذ على يد شيخ أو معلم.

وأضافت المعلمة أن أم محمد جاءت طوعا ولا تتغيب أبدا، وتنجز ما يعطى لها من واجبات، مؤكدة أنها محبوبة من جميع "زميلاتها" في الصف، اللواتي يعملن على منافستها حينا، والتعلم منها أحيانا أخرى، رغم أنها لا تعرف إلا القليل عن القراءة والكتابة التي تجهد نفسها لتعلمهما بأسرع وقت.

وأردفت المعلمة اليبرودية "إن نزهة تفكر في تعلم الحاسوب، والتعرف على وسائل التواصل الاجتماعي مثل "فيسبوك" و"واتس أب" لتتحادث مع صديقاتها، مستفيدة من وجود قاعة لتعليم الحاسوب في نفس المكان الذي تدرس به هنا وهو معهد الرعاية.

وتابعت المدرسة أم عماد إن زميلات نزهة في الصف جميعهن بأعمار الست والسبع سنوات، ومع ذلك لا تجد نزهة حرجا من من الجلوس بينهن والتعلم معهن، واستعارة المبراة والممحاة منهن، ومشاركتهن الوظائف والتسميع والحضور.

*التلقين والمنهاج الصعب
ولا تخفي عميدة التلميذات السوريات نزهة عيوش حنقها من المنهاج، مشيرة إلى أنها تفضل دروس الوعظ والإرشاد التي تدرّسها لهم أم عماد، لأنها تحفظها عن ظهر قلب، ولاتحتاج لقلم ودفتر وكتابة.

تقول لـ"زمان الوصل" إنها تحب التعلم بالتلقين، تماما كما كان يفعل معها المرحوم زوجها عندما كان يحفظها "سورة الفاتحة" و"سورة يس" عن طريق التلقين، دونما كتابة ولا قراءة.

بدورها عبرت فاطمة زهير من يبرود مديرة معهد الرعاية عن فخر معهدها بوجود التلميذة نزهة ابراهيم عيوش على مقاعده.

وأكدت لـ"زمان الوصل" أن نزهة هي "بركة هذا المعهد وشمعته المضيئة"، معلنة أنها تضع معهدها، رغم إمكاناته المتواضعة، في خدمة نزهة وكل طالبة سورية ترغب بإكمال علمها مقتدية بعميدة التلامذة أم محمد.
*إصابة وصلابة

رغم تعرض نزهة لإصابة برجلها بعد سقوط صاروخ على منزلها في بلدة القصير، إلا أنها لا تجد ذلك مبررا لكي تبقى جليسة خيمتها فهي، كما أكدت، مصرة أن تتعلم وتواظب على حضور الدروس وتصوم كل إثنين وخميس وتؤدي كل صلواتها.

وتعلن إصرارها أنها لن تستلم وتضعف وستتعلم القراءة والكتابة مهما كلفها ذلك من صبر وتعب.

وعن صديقاتها في المدرسة قالت نزهة إن "شلتها" تضم "سيدرا الراشد" (7) سنوات من القصير، و"فريال عبد العزيز" من فليطة، و"إناس عوض" من ريف القصير، لافتة إلى أنهن يدرسن سوية وينجزن الوظائف معا.

*بعد الدوام
لم يكتب لنزهة أن رزقت بطفل يؤنس وحدتها، ويقف إلى جانبها في شيخوختها، فما إن يغلق المعهد أبوابه، حتى تعود نزهة لسابق وحشتها ومرضها، تغلق على نفسها الباب، وقد تجد متبرعة بوقت تقضي معها ليلتها معها كما تفعل، غالبا، صديقتها أمينة عبد الله الزهوري (مسنة من القصير).

وربما تمضي ليلتها وحيدة، تعدم من يقدم لها (حبة الكلس) وكأس الماء عند كل نوبة ألم وغصة قلب، كما تقول.

عبد الحفيظ الحولاني - زمان الوصل
(114)    هل أعجبتك المقالة (112)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي