وأنت تشق طريقك بين المخيمات، في لبنان وعندما تصل إلى مخيم "أبناء الشهداء" تحديدا، لا تكلف نفسك عناء دفع كرسيها المتحرك لتنقلها إلى الجهة المشمسة من الحياة.
ولا تحاول تسجيل دمعتين وغصة في سجل زياراتها الأبيض الخالي من أي "مخلّص" لها من وجعها حتى الآن.
عندما ترى رجليها المشلولتين الضامرتين، وظهرها المتشقق بسب عدم توفير الفراش الخاص بوضعها الصحي "الفراش الهوائي"، وأنت تخترق تلك الهالة من النور المطلة من شرفات عينيها، لك حرية قول أي شيء، ومحادثتها بما تريد، إلا شيئا واحدا وهو أن تناديها باسمها "بشرى".
وقتها ستجد نفسك مطرودآ من براءة عرشها الطفولي المتربع على كرسي الإعاقة، تاركة إياك تكلم نفسك، بينما تغيب هي في فصول صمتها الإرادي الطويل.
*لهذا السبب كرهت اسمها
رغم عمرها الذي لم يتجاوز 9 سنوات، إلا أنه قُدّر لـ"بشرى بسام عامر" من مدينة القصير أن تشهد أقسى معاني الفقد والوداع. بل وكانت شاهدا حيا عليه يوم استشهد عمها وابن عمها ببراميل الأسد وحاوياته المتفجرة، عندما كانت بمدينتها التي تحبها كثيرا "القصير".
يقول جدها أبو مالك الزهوري إنه من يومها أصبح اسمها يسبب لها التذمر والتأفف، وقد يصل لدرجة البكاء، وذلك بعدما علمت من الجيران أن اسمها هو نفس اسم أخت الطاغية بشار الأسد وزوجة أحد مجرمي النظام "بشرى الأسد".
والدة "بشورة" أكدت لـ"زمان الوصل" أن "بشرى" وجدت حلا مؤقتا اقتضى باستبدال اسمها باسم "بشورة الصغيرة"، وهي تحبه كثيرا وتصر علينا لمناداتها به.
وقالت جدة "بشورة" أم مالك الزهوري لـ"زمان الوصل" إنه في حالات النسيان ونتيجة لزحمة الهموم والمشاكل قد يخطئ أحد أفراد العائلة ويناديها ببشرى، فتغضب وتثور، وقد تصل ردة فعلها إلى مخاصمة الفاعل، ومقاطعته لفترات قد تطول.
*هوايات بسيطة وأحلام لا تتحقق
لبشورة صديقان غاليان، كما قالت لـ"زمان الوصل" هما أبناء خالتها عدنان وزهور، أكدت أن سبب حبها لهما أنهما يشاركانها اللعب، ويحضران لها ألعابها من الحقيبة القماشية المعلقة على الحائط.
كما وتمارس معهما أجمل هواياتها وهي متابعة برامج الأطفال، وخصوصا "توم وجيري".
أما عن إعاقتها فقال أبو مالك لـ"زمان الوصل" إن بشورة مصابة منذ الولادة بمرض يدعى "قيلة سحاقية نخاعية"، إضافة إلى شلل كامل، وتعرضها للكسور بشكل دائم بسبب نقص الكلس الشديد لديها.
وتابع الجد أبو مالك إن "بشورة" تضع جهازا داخل جمجمتها مهمته سحب المياه من رأسها وإيصاله للكليتين لطرحه خارج جسمها، مشيرا إلى أنها تمر في حالة مؤلمة بسبب تشقق كبير في ظهرها لعدم توفر "الفراش الهوائي"، لتساعدها على النوم، رغم مناشدته لكل الجهات المختصة صاحبة الشأن.
ونوه أن "بشورة" تعيش على الحليب فقط، ملمحا إلى صعوبات تتعلق بتداعيات عجزها.
*تحفظ القرآن وتبكي على ساق دميتها المكسورة
رغم وضعها الصحي المؤلم ومشكلتها المزمنة مع اسم يذكرها بالقتلة والطغاة، فإن لـ"بشورة" نافذة صغيرة تفتحها على إيمان صادق وعاطفة نبيلة تحفظ ما تيسر لها من القرآن عن طريق التلقين من أفراد العائلة، فحلمها أن تدخل المدرسة، كما قالت والدتها.
ولا تنسى "بشورة" الاهتمام بصحة دميتها، تركب لها أطرافها وتبكي قائلة لها "لا أحبك أن تكوني مثلي بلا رجلين".
ومابين شمس تشرق على جسد معاق ورجلين مشلولتين، وتغرب على اسم تكرهه وتحاول أن تنساه وينساه الناس، تقضي "بشورة" نهارها وهي تدندن بأغنيتها المفضلة "زوري..زوري بيوتنا..يا شمس الأطفال".
عبد الحفيظ الحولاني - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية