أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

مكتومون حتى يثبتوا العكس.. المواليد السوريون في لبنان بين الوزير "باسيل" والقابلة "أم محمد"

أم محمد قرقوز، مدير المشفى،مختار عرسال - زمان الوصل

لا تلديني هنا أمي، مخاض الغريبات، جدا مخيف، لا نخلة هنا لتهزيها، ولا رطب تتساقط عليكِ في هذه المنافي الموحشة، فلا نبوّة لأطفال بلا وطن.

كأن هذه الكلمات صادرة عن الناطق الرسمي وغير الرسمي للقادمين إلى الحياة من أطفال سوريا اللاجئين.

فهذا أبو يوسف الذي صلى (صلاة الغائب) على وطنه سوريا منذ سنتين، وهو يعبر من فتحة الموت، (فتحة القصير) خائفا هاربا مهجرا، اليوم يبكى مرتين، حينا على "قصيره المحتلة السليبة" التي صارت وطنا مشتهى، وحلما عصي المنال، فيعتصر قلبه ألما وحسرة.

وحينا على "شامه" التي ستولد بعد أيام، لتملأ أجواء خيمته حياة وصخبا وحياة.

طفلة أو طفل لطالما انتظره، ناذرا لله أن يكون اسمه أو اسمها (شام)، وما بين وطن قد مات في وجدان أبي يوسف وطفل سيولد له قريبا ثمة مساحة لإحساس يُبكيه مرة، ويضحكه مرة، تاركا إياه أمام مشهد صوفي عنوانه "ثنائية الموت والولادة".

*كل الطرق تؤدي إلى "أبو طاقية"
في لبنان هنا، لا حيلة للسوريين إلا طريق واحدة، فعند (المخاض) كل الدروب تؤدي إلى عرسال، وتحديدا إلى مشفاها الميداني المعروف رسميا بـ"الهيئة الطبية في عرسال" وشعبيآ مشفى (أبو طاقية)، الذي تقصده كل النسوة السوريات حتى من طرابلس، ممن كابدهن المخاض، وأزفت لحظة ولادتهن، وذلك لكونه شبه مجاني وغير مكلف من جهة، ولدوامه المستمر على مدار 24 ساعة. فضلا عن توفر طاقم طبي نسائي متخصص قوامه الدكتورة هدى سليمان أخصائية نسائية وعدد من القابلات القانونيات المساعدات.


وفي غرفة المخاض والولادة، وعلى نفس ذلك السرير ولدت "شام" دون زغاريد أو هرج أومرج من خالاتها أوعماتها، ولادة قد يتبعها دقيقة صمت، وربما سنوات وسنوات من التشرد والنزوح.


ولادة تشبه جميع ولادات الأطفال السوريين هنا، أطفال لا يجمع بينهم أي حسب أو نسب إلا "أخوة اللجوء" الممزوجة بغياب الهوية والمستقبل والمصير.

* لا سوري ولا لبناني
ونظرا لغياب دوائر السجل المدني أو "دائرة النفوس" أو دائرة (الأحوال الشخصية) التي اعتادت العائلة تسجيل أطفالها رسميا بها، التقت "زمان الوصل" الطبيب "قاسم الزين" المدير العام للهيئة الطبية في عرسال، وهو من مدينة "القصير" السورية وسألته عن مصير هؤلاء الأطفال المولدين حديثا، وكيف يتم تسجيلهم فأجاب: "لدينا في هذه المشفى ما يقارب 150 عملية توليد شهريا منها 100 ولادة طبيعية، وما يقارب 50 ولادة قيصيرية، ونحن في إدارة المشفى نقوم بإجراء واحد فقط فيما يخص تسجيل الطفل السوري المولود هنا في لبنان، وهو أن نقوم بإعطائه (شهادة ولادة) مصدقة رسميا من مشفانا، وهنا تنتهي مهمتنا وتبدأ مهمة المختار في عرسال".

ولدى سؤاله عن جنسيه الطفل المولود حسب هذه الشهادة أكد الزين
"لا هو سوري، ولا لبناني، لأن هناك إجراءات ومراحل قانونية كثيرة ومعقدة على أهل المولود أن يقوموا بها للوصول إلى إعطائه الجنسية، لكن أحدا لا يقدر على ذلك".

*ختم المختار إعلان ميلاد جديد
يقول أبو يوسف كرزون والد الطفلة "شام" وهو من قرية "الضبعة" التابعة لريف القصير متابعا لـ"زمان الوصل" إنه بعد حصوله على شهادة ولادة "شام" من المشفى، قصد المختار "محمد علي الحجيري"، وهناك ملأ استمارة ثانية هي (وثيقة ولادة) وختمها بخاتم المخترة، وهنا تكون مرحلة تسجيل "شام" قد انتهت.

"زمان الوصل" زارت المختار "محمد علي الحجيري" في عرسال وسألته عن جنسية الطفل المولود وفقآ لهذه الوثيقة وهل هو سوري أم لبناني؟

فأجاب: ليس سوريا حتى اللحظة، وإنما على الأهل استكمال الإجراءات وهي أن يذهبوا إلى (دائرة نفوس اللبوة) ويسجلوا الطفل، وهناك يحصل على رقم، ويتم من بعدها تحويله إلى "دائرة نفوس زحلة"، حيث تقوم بتسجيله أيضا، ومن ثم يتم تحويله إلى وزارة الخارجية للتصديق عليه، ومن ثم إلى سفارة النظام في لبنان، وهناك يستكمل التسجيل النهائي للطفل ويصبح مسجلا رسميا على سجلات الحكومة السورية.

غير أن أحدآ من الأهالي لايقوم بإكمال هذه الإجراءات مكتفيا بهذه المرحلة وهي وثيقة الولادة، ربما لاعتبارات عدة أهمها وأخطرها أمنية.

*استكمال تسجيل الأطفال
"عبد الباسط بكار" من قرية "كفرعايا" في ريف حمص، تحدث لـ"زمان الوصل" عن سبب عدم استكماله تسجيل طفليه، فقال: "هناك مخاطر على الطرقات بسبب الحواجز الأمنية التي ربما تشكل خطورة علينا كوننا دخلنا بطريقة غير شرعية، ناهيك عن أجور النقل الباهظة فيما لو أردنا التنقل بين البلدات اللبنانية في هذه الجولة المكوكية بين دوائر الأحوال الشخصية في لبنان".
كما عزا ذلك إلى السبب "الأهم" كما قال، وهو "عدم اعترافنا بالسفارة السورية في لبنان ممثلا لنا أصلا، لكي نراجعها أو نسجل أولادنا فيها".

وأضاف:"هذه سفارة تمثل نظاما دمر بيوتنا وقتل أطفالنا، فكيف لنا أن نذهب إليها لتسجيل من تبقى حيا منا؟".

*بين "باسيل" و"أم محمد قرقوز"
عندما فتحت "أم محمد قرقوز" سجلاتها، لتطلع "زمان الوصل" على أعداد حالات المواليد والتي تمت في المشفى خلال العامين ونصف الماضين تبين أن المسجلين رسميآ 4500 حالة ولادة، ماعدا تلك الولادات التي تتم في مشافٍ خاصة أو ولادات منزلية.

واذا ما عرفنا أن وزير الخارجية والمغتربين اللبناني جبران باسيل وفي مؤتمره الصحفي الذي عقده في 27 تموز 2015، وجه من خلاله رسالة للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين أنه حدد أعداد الأطفال المولودين في لبنان حتى تاريخ انعقاد المؤتمر 51 ألف حالة ولادة، وقد أطلق عليهم صفة "عديمي الجنسية".
بينما يطرح ناجي ملحم برو من بلدة "فليطة" بالقلمون، مؤكدا "أن المشكلة والخلاف ليس على أرقام وأعداد، فهي ليست مشكلة إحصاء بقدر ما هي أزمة انتماء".

ويردف برو "أطفالنا بلا هوية ولا جنسية ولا انتماء، ويبدو أن مشكلتنا تفوقت على مشكلة إخوتنا الفلسطينيين في مطالبهم بالعودة، لأننا بتنا نطالب بحقي الانتماء والعودة!".

عبدالحفيظ الحولاني - زمان الوصل - خاص
(121)    هل أعجبتك المقالة (123)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي