الكتابة عن قامة فنية بثقل ناجي العلي شائكة جدا لمن يقترب من تجربتها ذلك الاقتراب الحقيقي العميق الصاعق لكن الكتابة عن هذه التجربة تضع صاحبها أمام الواقع تماما بصدقه وحقيقته الساطعة,
ويفتح مخيلته على القضية التي لا تنام أبدا قضية فلسطين التي تمسنا جميعا ضاربة في الجذور الإسلامية والعربية معاً.
فقد كان كاريكاتير ناجي العلي يعري هذا الواقع الذي نحياه كما الشمس تخترق الظلمة والجهل والمرض ومازال كذلك عندما يرسم هذا الفنان فإنه يضرب بقلمه في العمق تماما, يقتلع الجذر الخرب وينمو جذر جديد مكانه يدخل بقوة إلى الآخر ولا يبقى على السطح, يتكأ على الوضوح وهو يخط رسوماته ويعرف إلى أين يمضي فنه, وكيف يهز العالم بأسره ليوقظه من سباته ?! كيف يهابه عدوه ويخاف من سهام ريشته الصغيرة, استطاع كاريكاتير ناجي أن يصل إلى كل الناس بغض النظر عن مستوياتهم الاجتماعية والعلمية ويحرك مشاعرهم بفعالية وجذب نحوها حبسه الإنساني .
ناجي هذه العلامة الفارقة في جبين الفن العربي عامة والكاريكاتير خاصة لما حملته من سمات تندر أن تتوافر في شخص وفنان واحد وهو واحد من القلة الذين رسخوا بصمة مميزة في فن الكاريكاتير فلا زالت تجربته محط أنظار كثير من الفنانين العرب والأجانب فمن هو ناجي العلي?!
فمن هو ناجي العلي?
ولد ناجي سليم حسين العلي في قرية الشجرة وهي تقع بين الناصرة وطبريا في الجليل الشمالي في فلسطين عام 1936 وهو من أسرة فقيرة تعمل في الزراعة والأرض, وقد شرد هذا الفنان الصغير وعائلته من فلسطين إلى لبنان عام 1948 فلجأ إلى مخيم عين الحلوة شرق مدينة صيدا.
فماذا فعل هذا الصغير في مخيم عين الحلوة ?تأمله وهو يصور بقلمه هذا الفعل الحيوي: التقطت الحزن بعيون أهلي وشعرت برغبة في أن أرسمه خطوطا عميقة على جدران المخيم حيثما وجدت مساحة شاغرة: حفرا أو بالطباشير وظللت أرسم على جدران المخيم ما بقي عالقا بذاكرتي عن الوطن وما كنت أراه محبوسا في العيوان..
فقد عانق ناجي الرسم وصار همه وهو صغير وكان القاص والروائي الفلسطيني غسان كنفاني أول من اكتشف موهبته الفنية ونشر رسوماته في مجلة (الحرية).
عمل في مجلة (الطليعة) رساما ومخرجا ومحررا صحفيا في دولة الكويت بعدما سافر إليها عام 1963 وظل يترك الكويت ويعود إليها مرات متعددة.
في بداية عام 1974 عمل في جريدة (السفير) بعدما ترك الكويت بطلب من طلال سلمان وتوجه إلى لبنان عام 1983 وعندما ضاقت به هذه الدار عاد إلى الكويت وعمل في صحيفة (القبس) الكويتية عام, 1985 ثم كانت وجهته الثالثة بعد بيروت والكويت إلى لندن والعمل في (القيس) الدولية, اغتيل الفنان ناجي العلي في لندن بتاريخ الثاني والعشرين من تموز عام 1987 وتوفي في التاسع والعشرين من آب من نفس العام .
لم يكن ناجي خصما سًياسياً
21 عاما على رحيل ناجي العلي بكاتم صوت في لندن لم يكن ناجي خصما سياسيا ولا ابن سياسة على الاطلاق, لكن لا نشك في أنه اغتيال سياسي له ولكاريكارتوره واليد التي ترسم والمخيلة التي تصور إنه إعدام لرسام!
الحقيقة أن ميزة ناجي الأولى أنه ما كان يخفض صوته لأحد ولايدور كلامه أو يراعي, الأرجح أنه بالكلمات نفسها اعتاد أن يكلم الزعيم والخادم, بالكلمات نفسها والصيغ نفسها ربما لأن هذا هو قاموسه ربما لأن البراءة تعبر عن نفسها بهذه الأحادية وذلك الفقر اللغوي, ربما لأن الحقيقة لا تحتاج إلى فن أو تفنن لقد ولد بكلمة واحدة وفكرة واحدة وما كان بوسعه أن يرى سواهما الحقيقة دائما في المتناول بالنسبة لناجي دائما مرئية وواضحة وشائعة ربما لهذا لم يكن ناجي في يوم صاحب سياسة كانت السياسة عالمه بالتأكيد لكنه يتيم في هذا العالم, يتيم وبريء ويدير دائما ظهره ويخفي دائما وجهه كصبيه »حنظلة«.
حنظلة العلي
من أين أتت هذه الفكرة ناجي العلي? وكيف أبدعها بهذه الصورة الممتزجة بالبساطة والعمق كما الظل والنور معا?!
إنها شخصية رمزية تحتل مساحة واضحة في كاريكاتير العلي جاءت من الطفولة وبراءتها في أعوام عشرة فقط وستظل كذلك, ولد حنظلة في زمن النكبة لم ترتد قدماه أي حذاء أو نعال هو طفل فقير وكادح ويمتلك القدرة على التحدي والاصرار والمقاومة, ولد ليكون فلسطينيا وعندما نما وعيه صار قوميا ثم كونيا انسانيا.
يرافق ناجي العلي في رسوماته وشاهد على عصره رأي الحقيقة والشمس والحرب والموت وهو ابن العاشرة.
لن تستطيع أيدي العدو أن تمتد إلى حنظلة العلي وتطلق الرصاص عليه كما فعلت مع ناجي لأن حنظلة رمز للضوء والأمل, هل تقتل الشمس ويموت الأمل? وماذا عن رسومات ناجي العلي التي ستظل عبر الانسانية تنقل همه وهموم الناس ?!
لنتذكر جميعا, رؤيا ناجي العلي عن حنظلة في المقولة التالية:
هذا المخلوق الذي ابتدعته (حنظلة) لن ينتهي من بعدي بالتأكيد وربما لا أبالغ إذا قلت إنني قد أستمر به بعد موتي.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية