25/8/2008
لطالما تساءلت في أعماق نفسي من أين جاء التجار الشوام الشطار بمثلهم القائل الذي يجرِّب المجرَّب يكون عقله مخرَّب، لكن تجارب الحياة علمتني أن يكون هذا المثل عنواناً عريضاً في حياتي، لأن من يغلق النوافذ التي قد تأتيه برياح السموم، ينام مطمئناً، ويعيش هانئاً، وليس للإنسان إلا أن يغني هذه الأرض ويعمِّرها، وفي أضعف الإيمان ، ليس عليه إلا أن يحافظ على قطعة الأرض التي ولد وترعرع عليها، واعتاش وأهله من خيراتها.
والحال هذه كيف بمن أهلك الحرث والزرع، ونشَّف الضرع، ولوَّث أرض، وسماء، وبحر بلاده، وهل يستأهل شرف الانتماء، أو المواطنة من يمتلك هذا المقدار من الأنانية والخسة والغباء.
أراد هذا المأفون اختزال الوطن بالكرسي، فخسر الوطن قبل الكرسي، ناهيك عن خسرانه لنفسه، لكنه لم يشعر بكل ذلك بعد!!.. لماذا؟؟.. بكل بساطة لأنه ما لجرحٍ بميتٍ إيلامُ.
مناسبة هذا الحديث مانقلته أسبوعية المدار العراقية بتاريخ 23/8/2008 أن اجتماعاً على درجة عالية من السرية ضمّ شخصية قيادية سعودية، وضابطاً كبيراً من وكالة الاستخبارات الأمريكية، وعبد الحليم خدام، عُقد مؤخراً وناقش سبل عرقلة القطار السوري الذي يسير على سكة النجاحات السياسية والدبلوماسية. و ضرورة توظيف ما يسمى برموز المعارضة السورية لإثارة الفوضى في سورية عبر سلسلة من الاغتيالات والتفجيرات التي ستوفر لها هذه (الرموز) دعماً مالياً ولوجستياً، ونقطةَ انطلاق في مدينة طرابلس اللبنانية التي حُرثت أرضها السياسية منذ أشهر، وزُرعت بأسباب الفتنة تمهيداً لحصاد نتائجها في كلّ من بيروت ودمشق، لكن الضابط الأمريكي الكبير أبدى تحفظاً على هذا المخطط الذي يحتاج إلى متسع من الوقت، مذكراً بأن واشنطن ليست بحاجة إلى أحمد جلبي جديد في إشارة إلى عدم ثقة واشنطن بقدرة رموز المعارضة السورية، وعدم استعدادها لخوض تجربة العراق من جديد.
فلم يجد المسؤول السعودي الرفيع جداً، لم يجد غضاضة في إنقاذ الموقف، وطرح ما تفتق عنه عقله الذي لايعلم ولم يتعلم إلا الشر والشر وحده، وطرح فكرته الجهنمية على الخادم خدام سائلاً إياه: (ألم تكن قريباً من ملفات العراق ولبنان والتسليح أثناء تولّيك منصبك كنائب للرئيس يا أبا جمال؟). (نعم) أجاب خدام، (إذاً بإمكانك أن توقِّع أوراقاً بتواريخ سابقة تثبت امتلاك سورية لبرنامج نووي سريّ متكامل بتعاون من كوريا الشمالية وإيران وخبرات عراقية، خاصة وأن الخبرات العراقية مشهود لها في هذا الجانب، كما يمكن أن توقِّع أوراقاً مماثلة تثبت استلام سورية لكميات من الأسلحة الكيمياوية والجرثومية من العراق قبل إسقاط نظام صدام حسين).
تضيف المدار إن حماسة عبد الحليم خدام جعلت ضابط الاستخبارات الأمريكي الكبير ينهي الاجتماع بالقول (سلّمونا هذه الأوراق وسنتكفل بالباقي).
بالتأكيد مثل هذا الموضوع لا يحتاج الى تعليق، لكنه يحتاج الى توثيق وتأكيد، استناداً الى التالي:
1- خدَّام وفي عزِّه وحين كان على رأس منصبه، ورغم كل الإمكانات التي كانت متاحة له، لم يستطع تربية أبنائه كباقي الناس، وحتى أشدهم فقراً، فقد تاجروا في كل شيء الدخان المهرب ، اللحوم الفاسدة بجنون البقر الذي قد يكون تناول منها فتسببت بفساد عقله، الرقيق الأبيض، النفايات الكيماوية، ضاربين بسيفه، ومستظلين بفيئه، وقد توجّ ذلك كله بخيانة وطنه، وأرضه وشعبه، وحقرّ
كل السوريين متهماً إيانا بالأكل من النفايات، وهو المعروف للقاصي والداني بعنجهيته وصلَفِهْ، من يمتلك هذا الكم الهائل من الوضاعة ليس بمستغرب عنه أي تصرف مهما أثار التَعجُّب.
2- المسؤول السعودي الرفيع جداً ومملكته وفي حمأة لظى حرب تموز2006، وحين كانت تشوى أجساد أطفالنا الغضة بنيران آلة الحرب الهمجية الصهيونية، تنصّل ومملكته من دماء العرب والمسلمين، وجنَّد كل آلاته الإعلامية، ووعاظ السلاطين العاملين في كنفه، ليحفظ شيئاً من ماء الوجه التي أراقها مع سبق الإصرار والتصميم، وعاد مؤخراً ليعرض على خليله أولمرت تمويل حربٍ ضروس لا تبقي ولاتذر، للقضاء على حزب الله، وكسر شوكة سورية، ومثل هذا ليس من المستغرب منه إطلاقاً أي تصرف كان.
3- أما ضابط الاستخبارات الأميركي فالأمس القريب يدلل على مدى جدِّيته، في نسج أفلام الكاوبوي والسطو المسلَّح، وأعتقد أن أنبوبة باول الشهيرة لا تزال صورتها عالقة في أذهان الجميع، إضافة لرسالة الماجستير سيئة الذكرالتي أعدها طالب عراقي في لندن، فقامت الإستخبارات البريطانية بسرقتها وتسويقها على أنها معلومات أمنية موثقة وعلى درجة عالية من الدقة، واعتبرت وثيقة أساسية شن على أساسها العدوان الإرهابي القذر على العراق، كما لا يمكن تجاوز ما أورده الصحفي البريطاني رون سوزكايند في كتابه الجديد ( طريق العالم ) : أن مدير المخابرات العراقية طاهر جليل الحبوش التكريتي مرر معلومات استخبارية حساسة الى دائرة ام 16 للخدمات الاستخبارية البريطانية لمدة أكثر من سنة قبل الغزو الاميركي .
وفي وقت مبكر من سنة 2003 ، كتب سوزكايند ، بان حبوش أبلغ المسؤول في ام 16 مايكل شبستر في الاردن بان صدام قد انهى برنامجه النووي في سنة 1991 وبرنامجه البيولوجي في سنة 1996، وشرح حبوش للمسؤول البريطاني، بان صدام حاول الاحتفاظ بالانطباع بأنه يملك مثل هذه الأسلحة من اجل التأثير على إيران .
ففي كتابه اوضح سوزكايند بان مدير الـ ام 16 ريشارد ديرلوف، طار الى واشنطن ليعرض تفاصيل تقرير حبوش الى تينت، الذي أوجزه في حينه لمستشارة الأمن القومي كونداليزا رايس والنتيجة أن الأميركيين ضربوا هذه المعلومات المستقاة من أرفع جواسيسهم عرض الحائط، وشنوا سطوهم المسلح على العراق كما وصفة السيد فاروق الشرع.
نحن لا ننس دماء خيرة علماء العراق الذين اغتالهم عملاء الموساد، بتواطؤ أميركي كامل لم تجف بعد، و مدن العراق وحضارته التي أعادوها سبعمائة ألف سنة ضوئية للوراء ما تزال شاهدة وشهيدة، وصندوق العجائب والألعاب النارية الأميركي لا يزال مليئاً بالمفاجآت.
أعتقد جازماً أن السوريين ليسوا في وارد تجريب المجرب إطلاقاً.
و لسورية رب ٌيحميها... فالله حماها، ويحميها من كل خرِّيجي المواخير في العالم أجمع.
*كاتب سوري
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية