قالت جريدة "الأخبار" الموالية لنظام بشار الأسد إنها "تعتذر الى قرائها"، وإلى الذين "مسّهم" مقال للكاتب الأردني ناهض حتر" و"أهانهم"، واصفة نشر المقال بأنه "خطأ تحريري فادح"، وموضحة أنها "أزالت من على موقعها المقال الذي يتعارض مع مبادئها وروحها".
مقال "حتر" لم يأت بجديد ولا طرح فكرة خارج ما يعتقده ويمارسه بشار الأسد الذي تدافع عنه "الأخبار" في كل مناسبة، وهذا ما يثير الشك حول الدافع الحقيقي لحذف المقال، وإلحاقه باعتذار، رغم أن "الأخبار" نشرت وما زالت تنشر ما هو أكثر تعديا على الشعب السوري من مقال "حتر".
فتحت عنوان "بدء المرحلة الأولى للحل السياسي في سوريا"، كتب "حتر" معتبرا أن موجات اللجوء السوري إلى لبنان والأردن بالذات، ليست "لجوءا معارضا أو هاربا من بطش النظام"، بل "لجوء للبحث عن الأمان، هربا من مناطق سيطرة الإرهابيين، أو للبحث عن فرص استثمار وعمل ودراسة.. إلخ".
"حتر" المعروف بدفاعه المستميت عن بشار الأسد ونظامه، رأى أن هناك 3 عوامل رئيسة تتحكم بتدفق باللاجئين السوريين لاسيما نحو أوروبا، "العامل الأول يتعلق بالفرص التي تمنحها الدول الصناعية في مجالات التعليم والعمل والترقي ومستوى الحياة الخ. وهذه عناصر جذب بحدّ ذاتها؛ فلو كان الباب مفتوحا للمواطنين العرب، كما هو مفتوح، الآن، للسوريين، لتدفق عشرات الملايين منهم، هربا من فقر أو تعلقا بأهداب أمل يكشف الهيمنة الثقافية الغربية على شعوبنا، بما فيها الفئات الأشدّ تدينا".
وتابع: "العامل الثاني يتعلق باليأس الناجم عن استمرار الحرب للسنة الخامسة، من دون نتيجة حاسمة.هذا اليأس، يدفع بجمهوريّ الصراع في سوريا، إلى طلب الهجرة، لكن جمهور ما كان يسمى بالثورة هو الأكبر بين اللاجئين إلى الدول الغربية، ومن بينهم هاربون من المسلحين والإرهابيين، كانوا، حتى الأمس القريب، على الجبهات. ويأتي هؤلاء، خصوصا، من تركيا. ونُشرَتْ، في هذا الصدد، تقارير تتحدث عن تسرّب ما يزيد على أربعة آلاف داعشي بين اللاجئين إلى أوروبا".
واعتبر "حتر أن "الانفجار السكاني" في سوريا، كان "أحد أهم عوامل الانفجار السياسي والأمني فيها"،مضيفا: "وقد كانت الهجرة منها (من سوريا) تحدث، وستحدث ـ بغض النظر عن الحرب، بصورة تلقائية، وأقل مأساوية وكثافة".
وختم مصنفا السوريين وفق قاموسه وقاموس النظام: "فإذا استثنينا المضامين فعلا من الاضطهاد الإرهابي لأبناء المكونات السورية غير الوهابية (لم يحدد معنى المكونات غير الوهابية)، فيمكننا القول إن معظم اللاجئين السوريين خارج وطنهم هم من الفئات غير القادرة على التعايش مع التعددية والنمط الحضاري الخاص بسوريا. وهكذا، فإن خساراتهم لا تعد نزيفا ديموغرافيا، في حي ينبغي إيقاف نزيف الكتلة الوطنية المدنية، التي تئن من الهاونات وانقطاع الكهرباء والماء والغلاء وانخفاض المستوى المعيشي حتى اليأس".
وتتطابق المقولة الأخيرة لـ"حتر" مع ممارسات بشار الأسد ونظامه على الأرض (تطهير طائفي) بشكل لايقبل التشكيك؛ وهذا ما يدفع للاستغراب من خطوة "الأخبار" التي ثارت وعمدت إلى حذف المقال، وإعلان براءتها منه، وتنصلها ممن نشره، واعتذارها لمن "مسه وأهانه"، في حين أن الصحيفة نفسها تنشر من التقارير والأخبار والروايات التي تزور الوقائع أضعاف أضعاف ما حملته كل مقالات "ناهض حتر"، على ما فيها من تملق مكشوف لبشار الأسد ونظامه.
ويكفي "الأخبار" أنها ما تزال تسوغ لبشار الأسد جرائمه، تحت غطاء الممانعة والمقاومة، وما تزال تسعى بكل ما أوتيت لتشويه صورة الثائرين ضده، مستعينة بمختلف مفردات النظام لوصفهم (تكفيريين، إرهابيين، سلفيين...).
أما دفاع "الأخبار" عن مليشيا "حزب الله" وانتهاكاتها في سوريا، فهو شأن آخر لا يقل فداحة في عرف الصحافة المهنية، ولا في عرف الشرف الإعلامي، ولا "المبادئ الأخلاقية" عن جريمة تلميع ديكتاتور قاتل، دمر سوريا وشرد أهلها وأغرقهم في بحر من الفقر والثارات التي لاتنتهي، ودفع الملايين منهم للنزوح في أصقاع الأرض.
*نص الاعتذار الذي نشرته "الأخبار" على الصفحة الرئيسة لموقعها:
جريدة "الأخبار"، منذ نشأتها، لم تكن صحيفة صوت واحد، واحتضنت دوماً تنوّعاً في الأفكار والآراء يصل الى حدّ التّعارض، وهو ما ليس مألوفاً في الصحافة العربية ولكنّه جزءٌ أساسي من هويتها. الّا أنّ هناك مبادئ، أخلاقية وسياسية، هي في صلب رسالة "الأخبار" ولا يجري النقاش الا تحت سقفها.
مقال الزميل ناهض حتر في عدد الأربعاء 9 أيلول 2015 تعدّى على هذه المبادىء ولم يكن ليُنشر في "الأخبار" لولا خطأ تحريري فادح. "الأخبار" تعتذر الى قرائها، والى الذين مسّهم محتوى المادة وأهانهم، لنشرها كلاماً ليس مكانه صفحاتها. وقد أزالت من على موقعها المقال الذي يتعارض مع مبادئها وروحها.
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية