قدّم المسرح الوطني الفلسطيني بالتعاون مع مديرية المسارح والموسيقى وعلى خشبة مسرح القباني في دمشق العرض المسرحي" تغريدة أبو السلام" ، المسرحية المونودراما من تأليف وإخراج (داود أبو شقرا) وتمثيل أحد أهم الممثلين المسرحيين المخضرمين، الفلسطيني السوري (عبد الرحمن أبو القاسم).
أبو السلام الرجل الفلسطيني السبعيني المقعد تنهشه الوحدة، بعد هجرة زوجته وأبنائه وبناته من سوريا إلى دول أوروبية مختلفة في شتات جديد، رافضاً الالتحاق بهم بعد نزوحه من مخيم اليرموك، متمسكاً بحق العودة إلى أرضه فلسطين، عبر تمسكه بـ"الكرت الأبيض" ـ الضامن له هذا الحق ـ
جاءت قراءة "أبو شقرا" للحدث بمجمله وعلى لسان شخصية "أبو السلام" باختصار وبساطة، أن ما حدث ويحدث في سوريا الآن هو مخطط إسرائيلي أميركي مرسوم لضرب البلد العربي الوحيد الذي عامل الفلسطيني كما يعامل السوري، فحافظ على كرامته وحقوقه وإنسانيته، سوريا البلد المقاوم للمشروع الصهيوني احتضنت الفلسطينيين كما لو كانوا سوريين لذلك كان لا بد من استهدافها، حسب قراءة "أبو شقرا".
حمّل أبو السلام مسؤولية العودة إلى فلسطين لشبابها، وأطلق النار على الإمبريالية العالمية وعلى أميركا وأوروبا في خطاب قومجي عقائدي لم يخرج من منطق وعقلية ستينيات القرن الماضي.
حاول العرض وعلى لسان ممثله الوحيد عبد الرحمن أبو القاسم أن يطلق صرخة حسية في فضاء موجع، وأن يقدم قراءة واقعية لما يحدث الآن، فأتت الصرخة باهتة باستحضار مسببات عامة لها، لا تحمل خصوصية أو تفرّدا، جاءت أخفض وأقل بكثير من حقائق وتفاصيل أوجاع مخيم اليرموك وأهله، إذ اقتصرت على خروج "أبو السلام" من المخيم، ونهب شقق أبنائه الثمانية، وسرقة ملابسه وبعض حاجياته الخاصة، واحتلال المخيم من قبل عصابات أجنبية متعددة الجنسيات، في تكرار لرواية النظام.
أتى العرض في ستين دقيقة، يحمل أفكاراً فقيرة، ومنطوقا مكررا وحركة يتيمة وحلولا إخراجية محدودة الإبداع، وموسيقا إيقاعية بلا روح، أتت في مواقيت غير مفهومة، لعل الناجي الوحيد في هذه التجربة كانت سينوغرافيا محمود خليلي التي تميزت بجمالها وسط تلك السطحية.
فشل أبو شقرا كمخرج للعمل في إدارة ممثله الوحيد، فأتت أفعاله منقوصة غير مكتملة، مثال ذلك ما حدث في أول خطوة في العرض، حيث ينهي أبو السلام الحديث الهاتفي مع ابنه بقطع الاتصال كي يستكمل وضوءه، ليخرج بعدها مباشرة فلا يصلّي ولا يقدم مبررا كافيا لعدم استكمال الفعل.
ويتكرر الفعل المنقوص عندما يقف أبو السلام على قدميه فجأة بعد أن كان مقعداً... صارخاً "معجزة معجزة"، ثم يستكمل حواره وأفعاله مباشرة بعيداً كل البعد عن حالة تقييم أو لحظة توقف عند هذه "المعجزة" وكأن شيئا لم يكن أو كأن المعجزة حدث عابر كرنين هاتفه الجوال.
اتكأ العمل بمجمله في تقديم أفكاره عبر الحوار مع المتصل هاتفيا بشكل مباشر ولم يستطع الخروج نحو حلول أخرى.
كما اعتمد العمل أسلوبين متناقضين معا بلا مبرر عبر إلغاء الجدار الرابع والتفاعل مع الحضور حينا والعمل به حينا آخر. واقتصرت حركة الممثل في فضاء العرض على الدوران سواء كان جالسا على كرسي متحرك أو واقفا على قدميه.
سيبقى السؤال الذي طرحه معظم من حضر "تغريدة أبو السلام" يتردد في ممرات مسرح القباني لزمن ليس بقليل: بعيداً عن حق عبد الرحمن أبو القاسم المشروع برؤيته لما جرى ويجري في سوريا ككل أو في مخيم اليرموك بشكل خاص، لكن وانطلاقاً من كونه ممثلا مسرحيا مشهودا له بالخبرة والتجربة والموهبة والابداع، كيف سلّم أبو القاسم نفسه لهذه التجربة؟
سارة عبد الحي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية