وقع تنظيم "الدولة" مع المسيحيين المقيمين في مدينة القريتين بريف حمص ما سماه "عقد الذمة"، تضمن صلبه ديباجة شبيهة بديباجة "العهد العمرية" التي كتبها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب لنصارى القدس عندما دخلها فاتحا عام 15 هجرية.
وجاء في نص "عقد الذمة": "هذا ما أعطاه عبدالله أبو بكر البغدادي أمير المؤمنين لنصارى ولاية دمشق- قاطع القريتين من الأمان، أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم، ولايكرهون على دينهم، ولايضار أحد منهم".
واشترط "البغدادي" في العقد على مسيحيي القريتين 12 شرطا، منها حسب نص العقد: أن لايحدثوا في القريتين أو ما حولها كنيسىة أو ديرا أو صومعة راهب، وأن لايستعملوا مكبرات الصوت عند أداء صلواتهم، وأن لايقوموا بأي أعمال عدوانية تجاه الدولة الإسلامية.
ومن الشروط أيضا: التزام النصارى بدفع الجزية عن كل ذكر بالغ منهم، بمقدار 4 دنانير من الذهب كل سنة، هذا بالنسبة للميسورين أما متوسطي الحال فيؤخذ منهم ديناران، والفقراء دينار واحد، مع إمكانية تجزئة المبلغ على دفعتين.
وأبان العقد أنه اختار اللجوء إلى الدينار الذهبي؛ لأنه ثابت المقدار، مذكرا أن وزن الدينار الواحد يبلغ 4 غرامات وربع من الذهب الصافي، أي إن الجزية المفروضة تعادل 17 غراما من الذهب على الأغنياء و8.5 غرام على متوسطي الحال، و4.25 غرام على الفقراء.
وبهذا يكون مقدار الجزية السنوية وفق السعر الرائج للذهب حاليا، قرابة 650 دولارا على الغني، و325 دولارا على المتوسط، وحوالي 160 دولارا على الفقير.
ومنع "عقد الذمة" على مسيحيي القريتين امتلاك السلاح، أو المتاجرة بالخنزير والخمور مع المسلمين أو في أسواقهم، مشددا على ضرورة التزامهم بالضوابط التي يسنها تنظيم الدولة، فيما يخص "الحشمة" في الملبس، أو أحكام البيع والشراء.
وختم "العقد" بالإشارة إلى أن مسيحيي القريتين لهم "جوار الله، وذمة محمد صلى الله عليه وسلم على أنفسهم وأراضيهم وأموالهم"، إن هم التزموا شروط العقد، منوها بأن جباية العُشر (10%) من أموالهم غير واردة إلا في حال جلب هؤلاء أموالا للتجارة "من خارج حدود الدولة الإسلامية".
ونبه العقد إلى أن مخالفة مسيحيي القريتين لأي بند من هذا العقد، يجعل تنظيم "الدولة" في حل منه، ويسقط عن المسيحيين الذمة، ويبيح للتنظيم أن يتخذ بحقهم ما يتخذه بحق "أهل الحرب والمعاندة".
ورغم أن التنظيم غطى على اسم من وقع العقد باسم مسيحيي القريتين، فإن الاسم الأول بقي ظاهرا بعض الشي وهو "عيسى إبراهيم"، فيما وضع التنظيم ختما أحمر على العقد، يتضمن عبارات "الدولة الإسلامية، دولة الخلاقة، ديوان القضاء والمظالم، الأمير".
وسيطر التنظيم على مدينة القريتين بريف حمص قبل مطلع آب/أغسطس الماضي، ضمن إطار توسعه في ريف حمص، الذي بدأه بطرد النظام من مدينتي السخنة وتدمر.
العهدة العمرية
في 15 هجرية الموافق سنة 638 م، كتب الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رقعة عرفت فيما بعد باسم "العهدة العمرية"، أعطى الأمان فيها لنصارى بيت المقدس في أنفسهم وأموالهم وطقوس عبادتهم، وتعد هذه العهدة من أهم الوثائق التاريخية التي تلقي الضوء على كيفية تنظيم العلاقة بين المسيحيين والمسلمين في إطارها "الرسمي".
وجاء في العهدة: هذا ما أعطى عبد الله، عمر، أمير المؤمنين، أهل إيلياء (بيت المقدس) من الأمان، أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها.. أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينقص منها ولا من حيِّزها ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرهون على دينهم، ولا يضارّ أحد منهم.
وشهد على "العهدة العمرية" 4 من الصحابة، هم: خالد بن الوليد، عبد الرحمن بن عوف، عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان.



زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية