في مقهى الروضة الدمشقي كانت تتصاعد الرقة والمحبة والإلفة كدخان السجائر والنراجيل
وتحتسى المشروبات الساخنة على أنغام من الأدب والأخلاق لا نظير لها ويتصبب العرق
من أجسادنا خجلاً عندما نلمح أحد معلمينا , نلملم دفاترنا ونترك الروضة بهدوء ونخرج
متجهين إلى مقهى الهافانا لعله يكون الملاذ .
بين الروضة والهافانا أجيالاً متباعدة ومتقاربة وكلها كانت تقلب التاريخ وتصنع البرامج
وإحداثيات السياسة والفن وحتى أسابيع الأفلام السينمائية لا تسلم من النقد , .
كنا نسمع عن الفساد والفاسدين والإختلاس والمختلسين والتزوير والمزورين والتبييض
والمبيضين والإجرام والمجرمين ........إلخ ,ونسمع ذالك بعجب الشباب من الدول التي
لا تستطيع القضاء على تلك الظواهر وكنا نعتبرها عيباً في حقها , ولا مساومة على القضايا
الوطنية والقومية لا تحريف ولا تنازل فهي خطوطنا الحمراء , .
بين الروضة والهافانا ترعرعت ونمت كل صداقات العمر , وكنا لا نعرف المواربة والكذب
نظهر كل مشاعرنا على حقيقتها بدون استخدام لمصطلحات الأيام الحالية من شفافبة وغيرها ,
وأهم ما فينا اننا نتعرف ونعرف بعضنا وتكبر علاقاتنا من خلال أسمى الأفكار المطرحة ,
لا علاقة لنا بالعائلية والعشائرية والطائفية والمذهبية ......ولا نلهث وراء فلان طمعاً لوظيفة
ولامصلحةً للهرب من التزام ما أو تأدية لخدمة ما ,
بين الروضة والهافانا كان المستقبل يرسم على جباهنا نسير نحوه ولانلتفت للخلف وكلنا إصرار
على تحقيق ذاتنا من خلال ذات الناس الأكثر فقراً وظلما ليس في وطننا بل في العالم كله ,
نحاول ولانمل وكانت كل خطواتنا فيها معنى للحق والخير ونكران الذات , منذ بدأ الوعي
عندي في ستينيات القرن الماضي .
بين الروضة والهافانا عمراً من الذكريات لدى الاّلاف من كل الأجيال في بلدنا الحبيب
هؤلاء لم ولن ولايتأثرون ببراكين الفساد ولا يملكون سوى أقلامهم وأفكارهم وهم الصخرة
التي يمكن الإستعانة بها من أجل حل الكثير من مشاكلنا وأمراضنا التي استشرست في
مجتمعنا , وفي بنيتنا الأخلاقية بالدرجة الأولى فالمال ثم المال , والنبل والعفة والكرامة
والمحبة والشهامة لايعرفها اقتصاد السوق ولا البنك الدولي , ولا سياسات الدول الطامعة
إن من يعرفها ويألفها هم هؤلاء الذين يعلمون ويعرفون معنى الدرب :
بين الروضـــــــــــــــــة والهافـــــــــــــــانا
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية