-حواجز النظام تصادر أملاك الناس الخاصة.. وحتى الأموات لا تسلم منهم.
-المياه تأتي مرة واحدة بالأسبوع، ودمشق مدينة أشباح ليلا.
صنّفت دمشق، قبل أيام قليلة، من قبل شركات عالمية متخصصة بالأمن، ومنها شركة "ذي إيكونوميست انتليد جنس يونيت" البريطانية، صنّفت بأنّها أسوأ مكان للعيش في العالم، ولا تتقدم عليها سوى بغداد، التي تعيش وضعا أمنيا مترديا، شبيه بالعاصمة دمشق.
واحتلت العاصمة دمشق، المركز الأخير في لائحة "المدن الأكثر ملاءمة للعيش في العالم"، التي أعدتها وحدة البحوث الاقتصادية (EIU)، ضمن مجموعة "إيكونوميست"، المعروفة بتخصصها في مجالات الاقتصاد، والعمل.
وتشهد سوريا حربا يشنها النظام على شعبه منذ أكثر من 4 سنوات، دمر خلالها نحو 9 مدن بنسب متفاوتة، ولم تنجُ مناطق في العاصمة من الدمار أيضا.
وشملت اللائحة (140) مدينة، حيث سبقت دمشق مدينة "دكا" عاصمة بنغلادش بالمرتبة (139).
ويعتمد تقييم المدن على 30 معياراً يأتي على رأسها الصحة، والتعليم، والاستقرار، والثقافة، والبنية التحتية، والبيئة.
حول هذا الموضوع حاولت "زمان الوصل" استقصاء بعض التفاصيل في العاصمة، والإجابة على بعض الأسئلة، من قبيل كيف يعيش سكان دمشق حاليا، ولماذا تغادرها يوميا عشرات العائلات إلى تركيا وأوروبا ولبنان، وهل حقا بأن حواجز النظام تصادر ممتلكات الناس الخاصة بحجة مكافحة الإرهاب؟
*طابور الحاجز 1كم
تنتشر في مدينة دمشق، عشرات الحواجز التابعة للنظام والميليشيات الطائفية التابعة له، ويعاني المواطنون منها، معاناة شديدة، حيث يمتد طابور السيارات أمام الحاجز، أحيانا، لمسافة 1كيلو متر.
من هذه الحواجز، التي تشهد ازدحاما شديدا، تلك الواقعة جنوب كراج العباسيين، وحاجز الزبلطاني، القريب من مجمع 8 آذار، وآخر على دوّار البيطرة، وحاجز كراج الست زينب، وحاجز "البرامكة".
يقول سكان يعيشون بدمشق لـ"زمان الوصل": "بسبب حواجز النظام، نقضي عدة ساعات يوميا داخل السرافيس والباصات، لكي نصل إلى أعمالنا ووظائفنا.
وأضافوا بأن عملية الوصول من المزّه إلى باب شرقي، تستغرق ساعة ونصف، تتخللها عمليات ابتزاز تقوم بها حواجز النظام للمواطنين، فالحاجز الموجود في مدخل سوق الهال بالزبلطاني، حسب السكان، يأخذ من كل سيارة داخلة من 1000 إلى 3000 ليرة،حسب حجم السيارة،فضلا عما يسطو عليه من البضاعة المحمولة (بطيخ،عنب،فواكه..).
وروى أحد أصحاب البقاليات في حي "بستان الدور" الشعبي، والقريب من كلية الهندسة الميكانيكية والكهربائية، إنه كل يومين، يشتري من حاجز الحي، سيارة "سوزكي" مليئة بالبطيخ والخضار والفواكه، حمولتها 1 طن بأسعار مخفّضة عن أسعار سوق الهال.
*خاروف إرهابي!
كما كشف صاحب بقالية في حي الطبّالة لـ"زمان الوصل"، أنه كل يومين يشتري من حاجز الحي، حاجته من الخضار والفواكة والزيوت والسمون، وبأسعار مخفضة.
أحد السائقين، الذين ينقلون الأغنام والخرفان من الريف إلى دمشق، ذكر حادثة طريفة كان شاهدا عليها، قائلا: "سيارتي الشاحنة، مخصصة لنقل الخراف والأغنام لمسالخ دمشق، ومرة صادر الحاجز خاروفا كبيرا من حمولة السيارة، سعره قرابة 50 ألف ليرة، فسكت صاحب الخرفان على مضض".
وأضاف السائق في حديث لـ"زمان الوصل"، أن السيناريو تكرر، غير أن حاجز النظام صادر خاروفين بدلا من خاروف واحد، ثمنهما قرابة 100 ألف ليرة، وقال لتاجر الأغنام حرفيا: "الخاروف السابق، طلع إرهابي، وقد اعترف على خاروفين إرهابيين".. فما كان من التاجر إلا أن ترك المهنة نهائيا، والكلام للسائق.
*حتى الأموات لا تسلم منهم
أحد العاملين في مكتب دفن الموتى، بمقبرة نجها بريف دمشق قال لـ"زمان الوصل"، إن حاجز النظام الموجود بمدخل المقبرة، لا يسمح لأهل المتوفى، أن يدفنوا ميّتهم إلا بعد أن يدفعوا رشوة للحاجز، مضيفا بأن المبلغ كان ألف ليرة في البداية، ثم رفعوا المبلغ إلى ألفي ليرة.. لافتا إلى أن الذين يدفنون بنجها، هم من فقراء الشام.
*التنقّل بسيارات خاصة
وروى المهندس الزراعي أبو لقمان، والذي يملك سيارة تكسي سياحية، بأن حواجز النظام، صادرت سيارته الخاصة خلال الثورة السورية، أكثر من 10مرات، داخل مدينة دمشق وخارجها، وكانت آخر مرة بالزبداني قبل شهر ونصف، ورجعت معطّلة.
وأكد أبو لقمان في حديثه لـ"زمان الوصل"، بأنه دفع أكثر من مليون ليرة لإصلاح سيارته بعد أن استخدمها عناصر الحواجز عدة مرات بتنفيذ "مهماتهم العسكرية".
وقال صاحب تكسي أجرة إن كافة السيارات الخاصة بدمشق سرفيس، تكسي، شاحنة،براد، بولمان)، معرضة للمصادرة في أي وقت من قبل جيش النظام، مشيرا إلى أن الجيش داخل دمشق، لا يتنقّل إلا متخفيا بسيارات مدنية، ملمحا إلى إمكانية فقدان السيارة وعدم إرجاعها لصاحبها، وفي أحسن الأحوال، لا تعاد إلا لقاء دفعه مبلغا ماليا، قد يصل لعشرات الآلاف.
*ابتزاز التجار
وأكثر ما تتجسد به معاناة التجار وأصحاب الأموال، من خلال ابتزازهم عن طريق اعتقال أحد أبنائهم، أو ذويهم، بحسب ناشطين.
وتضج صفحات التواصل الاجتماعي بين الفترة والأخرى بأخبار الخطف والاحتجاز خاصة على حواجز النظام.
وروى مصدر لـ"زمان الوصل"، بأنّ تاجرا كبيرا في الحريقة اعتقل ابنه، ودفع 50 مليون ليرة سورية لإخراجه من السجن،مشيرا إلى أن هناك تاجرا آخر بمنطقة الصالحية دفع لقاء إخراج ابنه من السجن 10 ملايين ليرة (الدولار 312 ليرة).
وهناك معاناة من نوع آخر لكل أبناء دمشق، حيث إن الشباب الذين هم تحت سن الاحتياط (42سنة)، يدفعون عشرات الآلاف من أجل تهريب أبنائهم خارج دمشق.
*شيعة العالم تجتمع بدمشق
وعن معاناة أصحاب البيوت، الواقعة حول المراقد الشيعية المزعومة بدمشق، يقول المحامي أبو جهاد لـ"زمان الوصل": "منذ فترة زمنية، انتشرت بالعاصمة دمشق، وخاصة دمشق القديمة، عمليات شراء المنازل والعقارات بأسعار خيالية".
وأكد أن المنزل الذي يساوي ثمنه 5 ملايين ليرة، يدفعون له سماسرة "الشيعة"، 5 أضعاف، وإن رفض، يتعرض للمداهمة من قبل الأمن تخويفا ليترك البيت.
وذكر أبو جهاد أنّه تم شراء مئات المنازل بدمشق القديمة لصالح الشيعة القادمين من كافة أنحاء العالم.
*مياه الآبار تغذي 20%
أما معاناة سكان دمشق من مياه الشرب فهي الأصعب، خاصة إذا علمنا بأن المياه تأتي مرة واحدة ولمدة ساعة أو ساعتين بمعظم الأحياء الشعبية.
يقول أحد العاملين في مؤسسة مياه "عين الفيجة" لـ"زمان الوصل": "بعد أن قطع ثوار وادي بردى مياه نبع الفيجة عن دمشق نصرة للزبداني، بدأ سكان العاصمة، يعتمدون على مياه الآبار.. لافتا إلى أن الأخيرة، لا تؤمّن سوى 20% من حاجة أهل دمسق للمياه، وهذا يعني بأن الحي لا تأتيه مياه الشرب إلا مرة واحدة، ما أدى إلى انتشار ظاهرة بيع مياه الشرب غير النظيفة في أحياء دمشق الراقية، وبأسعار تصل إلى 3000 ليرة للمتر المكعب من المياه.
كل هذه الأمور مجتمعة، إضافة إلى تحوّل معظم أحياء دمشق لمدينة أشباح ليلا، دفعت العديد من سكان العاصمة، لمغادرة مدينتهم الغالية.
وقدّر ناشطون عدد العائلات الدمشقية، التي تغادر يوميا إلى تركيا وأوروبا عن طريق بيروت، ما بين 250 -400 عائلة.
دمشق - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية