أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

ذنبها أنها زوجة طبيب داوى مصابين في درعا.. أم فراس من معلمة إلى "إرهابية"

كادت الفتاة الممرضة السابقة في إحدى مستشفيات درعا، أن تفقد عقلها بعد أن بقيت شهراً كاملاً معتقلة بمفردها - صورة تعبيرية

"كنا نبتعد عنها خشية العدوى، فقد دخلت غرفتنا في قبو فرع الأمن العسكري بدرعا مصابة بالجرب، سيّما أن لا ماء هنا ولا دواء، كانوا يفتحون باب السجن علينا ليعطونا لترا واحدا من الماء، و رغيف خبز، وأربع حبات بطاطا لكل معتقلة منّا حبة واحدة، يرميهم السجان على الأرض كأننا دواب في حظيرة".

أبو فراس طبيب ماهرٌ، ذو سمعة اجتماعية حسنة، طلب من زوجته مرافقته إلى الأردن، وألحّ عليها كثيراً اللحاق به بعد أن استقر هناك، إلا أنها رفضت، ونقلت عملها إلى درعا المدينة لتكمل رسالتها التربوية في مدارسها.

آثرت أم فراس المعلمة الستينية الاحتفاظ بهوية زوجها، وحرصت على حملها معها دائماً، بعد أن أُضطرّ الرجل للخروج من البلد إثر إصابته بشلل نصفي حدّ كثيراً من قدرته على الحركة.

بين منزلها ومدرستها القريبة منه، اعتادت أم فراس قطع حاجز للنظام توسّط المسافة بينهما، سيراً على الأقدام فارضة احترامها على عناصر الحاجز الآخذين بعين الاعتبار حسن سيرتها ومكانتها الاجتماعية بين أهل بلدها.

إلا أن ذلك الصباح حمل مفاجأة غير سارة، كالعادة قطعت أم فراس الحاجز بثقتها المعتادة متجهة لمدرستها، لم تكن قد ابتعدت كثيرا، عندما أتاها صوت غريب غير مألوف من ورائها.. ناداها .. "هيه أنت يا حرمة" ... استدارت لترى يَده تؤشّر لها كي ترجع باتجاه الحاجز، قام الضابط الجديد بتفتيش حقيبتها، وكان أن وجد فيها بطاقة زوجها الشخصيّة، فقام بـ"تفييش الهويّة"، ليتضح أن زوجها الطبيب مطلوب للجهات الأمنية بسبب علاجه للمصابين والجرحى من أبناء بلده.

بدأت مأساتها بتهمة حولتها من مربية ومعلمة فاضلة إلى إرهابية وزوجة مسلح إرهابي عميل.
اقتيدت أم فراس إلى فرع الأمن العسكري في محافظة درعا، احتجزت فيه أكثر من ثلاثة أشهر ..

تصف معتقل الفرع بأنه "قبو مظلم بارد رطب لا نعرف فيه الليل من النهار ... شاركنني المكوث فيه ثلاث نساء من درعا المدينة، في داخل القبو غرفة مقفلة اتضح لنا لاحقاً أنها مستودع لمسروقات عناصر الأمن من بضائع المحال التجارية في درعا كان المستودع مليئاً بالمواد الغذائية والاستهلاكية وغيرها من الصناديق التي لم نعرف محتوياتها، كنا نشتهي ولشدة جوعنا أن نأكل منها ولو قطعة بسكويت صغيرة، إلا أن عناصر الأمن وفي كل مرة يدخلون البضائع فيها أو يخرجونها من المستودع، كانوا يقومون بضربنا بالسياط ومن ثم يقفلون بابه ويذهبون...ضاحكين.

استيقظنا ذات صباح على أصوات خربشات حادة لنجد من حولنا كومة من كسرات البسكويت وقطع الشوكولا وحبات الأرز والعدس، كانت الجرذان قد غزت المستودع وعاثت في بضائعه ومحتوياته حتى مزّقتها.

بذلنا جهدا كبيرا لمنع "نسرين" من التقاط وأكل بقايا الطعام التي نثرته الفئران من حولنا، كادت الفتاة الممرضة السابقة في إحدى مستشفيات درعا، أن تفقد عقلها بعد أن بقيت شهراً كاملاً معتقلة بمفردها في إحدى مراحيض مدينة الملاهي في درعا قبل أن يدخلوها علينا، همّت لتأكل كسرات البسكويت المنثورة على أرضية القبو.. وبعد أن كنّا نبتعد عنها خشية العدوى، إذ دخلت غرفتنا في قبو فرع الأمن العسكري بدرعا مصابة بالجرب، آثرنا منعها وإصابتنا بالجرب على إصابتها ثم عدوانا بالطاعون.
وهذا ما كان.. غادرت أم فراس فرع الأمن العسكري بدرعا مصابة بالجرب... "لم أرتدِ من ملابسي سوى القمطة، وقميص يستر جسدي، وخفّ من الكاوتشو الممزق، حيث تركت حجابي والمانطو والحذاء للنساء هناك لعل هذه القطع تعينهم على تحمل البرد".

* اتهامات جديدة في "فلسطين"
ابتهلت المرأة إلى الله كثيرا ألا تحوّل إليه، لكن قدرها أوصلها إلى فرع فلسطين في دمشق، حيث ظروف المعتقل أسوأ وأصعب.

"كانت البطون خاوية، النساء يتضورن جوعاً، في كل يوم يغمى على أكثر من خمس فتيات بسبب هبوط السكر في الدم كما شرحت لنا مخبرية معتقلة معنا، هنا تحدٍ أكبر للبقاء على قيد الحياة، طبيب السجن يطل علينا مرة كل أسبوع ليرمي لنا بحبات قليلة من "سيتامول" أياً كان مرضنا، كنا نستجديه كي يُعطنا مرهما ما أومعقما خشية أن ينتقل مرض الجرب لكل المعتقلات، سيما أن عددنا تجاوز 45 معتقلة في قبو مساحته لا تتجاوز الـ (3×4م)".

رغم آلام وأوجاع الظهر، على أم فراس أن تتعلم النوم بوضع "الجنين" تطوي رجليها إلى بطنها أثناء النوم على أحد جانبيها، فتسخر .."ع الأقل بفرع درعا كنا ننام ونتمدد".

تستغرب أم فراس أن تنتقل من فرع أمن إلى اّخر دون أن يحقق معها في تهمتها التي وجّهت إليها عند اعتقالها، كانت تتمنى أن تستدعى للتحقيق كي تعرف السبب الوجيه لاعتقالها حتى تدافع عن نفسها.

حدث أخيرا وتحققت أمنيتها واستدعيت للتحقيق، فأُهينت وجُلدت بالسياط وأُمرت أن تنكر علاقتها بزوجها، وأن تُطلّق منه: "أنت هل تطلق زوجتك وتتنكر لأم أولادك من أجل تهمة هي بريئة منها؟"..هكذا كان دفاع المرأة الستينية المعلمة والمربية والأم لثلاثة أولاد. وكان يُرد عليها بأقذع العبارات "لو كانت زوجتي مثلك لقطعت رأسها".

إصرار أم فراس على تبرئة زوجها بأنه ليس مسلحا ولا إرهابياً ولا عميلا، جعل المحقق يوجّه لها تهمة أخرى: "أنت تتقاضين راتباً شهرياً لقاء دعمك للمسلحين في درعا، والدلالة على ذلك حُلية الذهب التي تلبسينها".

حاولت المرأة الشرح، إنها موظفة في مديرية التربية منذ أكثر من 35 عاماً، وأن زوجها طبيب مشهور وأوضاعهم المادية ميسورة، ومن الطبيعي أن تمتلك حُلية ذهبية. لكنها لم تجد آذانا صاغية بل كانت أذناها تصغيان لصراخ المحقق عليها وشتمه لها.

أمنية أم فراس التحقيق معها لتبرئ نفسها من التهمة الموجّهة إليها، وضعتها أمام اتهامات أخرى، لم تكن قد سمعت بها أو علمت بوجود مثيلاتها من قبل.

سارة عبدالحي - زمان الوصل - خاص
(110)    هل أعجبتك المقالة (119)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي