تراجعت إلى حد كبير خلال الأيام الماضية وتيرة تساقط القذائف على أحياء دمشق، والتي كانت تنطلق بشكل أساسي من بلدات الغوطة الشرقية، وذلك مقارنة بما درجت عليه العادة من استهداف يومي لأحياء متفرقة في العاصمة بعشرات قذائف الهاون.
وعزا مراقبون هذا التطور إلى سلسلة المجازر التي ارتكبها النظام مؤخرا بحق المدنيين في الغوطة وليس آخرها مجزرة أمس السبت في دوما، التي راح ضحيتها 50 شهيدا، وتخوف المعارضة من مزيد من ردة فعل النظام.
*كلفة باهظة
ففظاعة المجزرة التي استهدفت سوقي الخضار والغنم في دوما في 16 من الشهر الجاري وهي أكثر الأماكن ازدحاما بالمدنيين، وقلما كان النظام يستهدفها بهذا الشكل؛ دفعت الثوار إلى إعادة التفكير في جدوى الاستمرار في استهداف دمشق _ولو بشكل متقطع_ مقابل الكلفة الباهظة التي يدفعها محاصرو الغوطة.
ولعل حديث قائد جيش الإسلام "زهران علوش" قبل نحو أسبوعين في الغوطة، ردا على سؤال طرحه أحد الإعلاميين الحضور حول سبب توقف الحملات الصاروخية على دمشق، يأتي في ذات هذا السياق، قائلا إن لا طاقة لأهالي الغوطة بتحمل تكاليف انتقام النظام، موضحا بما معناه "إذا أطلقنا صاروخا سيرد النظام بمئات الصواريخ على الغوطة".
وأضاف أنه تلقى مناشدة من المكتب الطبي والأمانة العامة للغوطة بوقف هذه الحملة عندما كانت في أوجها في شهر شباط، فبراير الماضي، وذلك لقلة الإمكانيات الطبية المتوفرة ووحشية النظام في انتقامه.
من الواضح أن هذا الرأي ثبتت صحته بعد نحو ٥ أيام على إطلاقه، عندما باشر النظام سلسلة مجازر في 14 _ 16 _ 22 من هذا الشهر بحق أهالي الغوطة موقعا نحو 250 شخصا ومئات الجرحى.
ويذكر ناشطون أن بداية هذه المجازر الأخيرة وقعت بعد يوم واحد من سقوط نحو 70 صاروخا على أحياء في العاصمة دمشق، أودت بحياة 14 قتيلا بحسب مصادر النظام، فيما لم يعلن أي فصيل في الغوطة تبنيها لهذه العملية.
كما أن لفتح معركتين على جبهة حرستا مؤخرا من قبل فصائل الغوطة، دورا في معادلة النظام القائمة على مبدأ الفعل ورد الفعل المضاعف.
*دمشق خط أحمر
هذه التطورات تتسق مع تهديدات أطلقها مسؤولون في نظام الأسد ونشرتها مواقع موالية، مفادها أنه من الآن وصاعدا أي اعتداء دمشق من قبل الثوار سيكون الرد بحرق وتدمير منطقة انطلاق هذا "العدوان".
متابعون للشأن السوري فسروا هذه التصريحات المتوافقة مع تصعيد النظام بشكل كبير لجرائمه، على أنها استباق لتحركات دبلوماسية تقودها روسيا نشطت في الآونة الأخيرة مع الجانب السعودي والتركي ومارافقه من حديث حول بوادر تسوية سياسية، من شأنها رفع لسقف التفاوض لصالح النظام، وتحصيل ما أمكن من نقاط للضغط على خصومه من بوابة الملف الإنساني والعاصمة دمشق.
وتشير سياسة النظام وسلوكه خلال الفترة الأخيرة، إلى سعيه الحثيث في جعل دمشق منطقة آمنة، وذلك عبر عدة سبل، اعتمدت بشكل أساسي على حصار وتجويع مناطق ريف العاصمة، ومن ثم تجميد جبهاتها من خلال فرض سياسة المصالحات والهدن في غالبها _ وقد نجحت بشكل كبير_ والترهيب عبر الإفراط في المجازر في الأخرى وأبرز أمثلتها "الغوطة الشرقية" و"داريا"، إلا أن داريا لم تشهد مؤخرا مجازر بحجم تلك التي في دوما، رغم استهدافها بمئات الصواريخ والبراميل، وذلك يعود إلى ندرة السكان بداخلها.
سياسة "الانتقام المضاعف" حسب وصف الإعلامي "أنس القلموني" طالت أيضا مصادر تهديد الأمن المائي لمناطق سيطرة النظام في دمشق، ويأتي ذلك بعد ارتكاب قوات الأسد في 15 من هذا الشهر أفظع المجازر في وادي بردى ردا على قطع الثوار لمياه الفيجة عن دمشق ذلك تضامنا مع الزبداني، وهو ما أجبر ثوار البلدة على إعادة ضخها.
ويقول "أنس القلموني" في حديثه لـ"زمان الوصل": "هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها قطع المياه عن دمشق، وعادة ما كان يرسل النظام وفدا للتفاوض مع الثوار والاستماع لمطالبهم".
ويتابع "القلموني" بأنه فوجئ من ردة فعل النظام "غير المتوقعة" تجاه الأهالي هذه المرة، وهو ما أحدث سخطا واسعا ضد الثوار، باعتبارهم من أعطى النظام ذريعة لهذه المجزرة.
ونقل "القلموني" على لسان أحد أعضاء لجنة التفاوض في وادي بردى أن النظام هددهم من مغبة التفكير مرة أخرى في قطع مياه الفيجة، وتعيش مناطق وادي بردى مذ ذاك التاريخ حصارا خانقا يمنع الدخول والخروج وإدخال المواد الغذائية.
ويرى مراقبون أن النظام نجح إلى حد كبير في خلق نوع من توازن الرعب وتحييد العاصمة دمشق عن دائرة الاستهداف، من خلال سياسة الأرض المحروقة والعنف المفرط تجاه المدنيين القاطنين في المناطق المحررة، إضافة إلى سعيه المستمر لمنع قيام أي شكل من الإدارة الذاتية والاستقرار وتدمير دورة الحياة في مناطق الثوار، خاصة القريبة من مركز العاصمة.
سفيان جباوي -دمشق -زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية