منذ عدة سنوات والأردن غارق في فوضى تعليمية، فالمدارس غارقة منذ أمد في المناهج الأجنبية والكتب المستوردة وحتى المدرسين المستوردين، فيما تهمل المناهج المحلية وأبرزها اللغة العربية والتربية الإسلامية والتاريخ أي اللبنة الأساسية للبناء التربوي والعقدي والنفسي لأي طفل، وبالتالي لإنسان المستقبل، الإنسان الذي نرتجي منه بناء الوطن وحمايته والانتماء إليه ومن ثم بناء أجيال قادمة من المواطنين لتكمل مسيرة البناء والانتماء هذه، لكن للأسف فإن ما يحدث هو النقيض من ذلك تماماً، فالمناهج المستوردة تغزو مدارسنا بكل ما تحمله من علل مجتمعاتها وما فيها من مناقضات للثقافة العربية الإسلامية، لذا فممثلو هوليود هم المثل العليا في هذه الكتب، والعلاقات المحرمة والمثلية هي أمور عادية بحسبها، وحتى (الدين) فكرة قديمة متخلفة يقصد منها الحد من تطور المجتمعات ورقيها كما تقول الكثير من هذه الكتب والمناهج، لذا فنحن نشهد كل يوم انحطاطاً جديداً في مستوى أبنائنا العقلي والفكري والأخلاقي، فمن نسب الشذوذ الجنسي الآخذة في تزايد بين أبنائنا شباباً وبناتاً، إلى انحطاط أو حتى انعدام الوازع الديني، إلى الصرعات التي نراها كل يوم تغزو مجتمعنا بلا داع ولا تفكير في عواقبها، وغيرها الكثير الكثير مما أصبح معروفاً فوق أن يقال.
وليس بأفضل من ذلك حال الجامعات التي أصبحت تراخيصها تمنح أسهل من تراخيص البقالات ونظمها وقوانينها تفرض وتغير وفقاً لأهواء ومصالح أفراد، وبصورة يومية، دون مراعاة لانعكاساتها على هذا الجيل الذي نربيه، والأنكى من هذا أن الأساتذة الجامعيين بدل أن يكونوا مربين وصنّاع جيل ومشكلين فعليين لعقول ومصائر طلابهم، قبلوا لأنفسهم أن يتحولوا إلى آلات تسجيل صماء وجوفاء تدخل إلى قاعات الدرس لتفرغ الشريط وتغادر دون أثر يذكر.
الدافع وراء هذه الكلمات، كان ما رأيته في إحدى المناسبات النادرة التي شاهدت فيها التلفزيون الأردني حيث وكما هو معلوم فنحن في (موسم المدارس) وهو صورة أخرى من مواسم الأعياد، أو موسم الصيف، أو غيرها من المواسم التجارية، وكمثل أي بضاعة كاسدة أخرى تهرع عشرات المدارس وما يسمى بالمعاهد التعليمية إلى الترويج عن نفسها وتسويق بضائعها، بل وإعلان الخصومات والأوكازيونات، وكثيرة هي الإعلانات التي شاهدتها تتوالى تباعاً على شاشة تلفزيون أم الحيران، لكن واحداً بعينه أثار حنقي أكثر من غيره، فالإعلان كان لمدرسة أردنية تدرس ما يفترض أنه مناهج عربية أردنية وإعلانها موجه إلى الجمهور الأردني دون غيره، ومع ذلك فالإعلان من بدايته إلى نهايته بما في ذلك أرقام الهواتف والعناوين باللغة الإنجليزية، فإذا كان هذا حال إعلانهم فالله وحده يعلم ما واقع مدرستهم، فالمدرسة يفترض أنها أردنية يملكها أردنيون وتديرها طواقم أردنية ويدرس ويدرّس فيها أردنيون وتخضع لقوانين وزارة التربية الأردنية، وإعلانها الجهبذي إياه بث في الأردن وعلى قناة التلفزيون الأردني الحكومي، ويستهدف جمهوراً أردنياً، لكن العنجهية والعقلية (العوجا) التي تحكم هذه الفئة تعمي أبصارهم دوماً عن كثير من الوقائع فتصبح (عوجة) اللسان والرطانة بما يفقه وما لا يفقه موضة وصرعة، للأسف أحياناً كثيرة ينساق وراءها الكثيرون.
وزارة التعليم في الأردن تحمل اسم وزارة التربية والتعليم، والدستور الأردني ينص على أن الإسلام دين الدولة والعربية لسانها، لكن واقع الحال والمجتمع أصبح يقول أن وزارتنا لا تربية ولا تعليم، لا مõدخل جيد ولا مõخرج جيد، والإسلام أصبح مهملاً على الأرفف وحبيساً خلف أبواب المساجد لا يجاوز صلاة الجمعة وأحياناً صلاة العيد، والعربية لسان القرآن ولغة الضاد باتساع بحرها وعمق غورها عجزت عن أن تصل إلى قلوب وعقول هذه الفئة ممن للأسف ندعوهم مربين ومعلمين، فهل تراها العلة والنقص في العربية وأهلها، أم في عقول تلك الفئة ممن للأسف يدعون بأبنئها؟؟
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية