بغض النظر عن الطريق التي أوصلت إليها، وحسابات الربح والخسارة فيها، فإن الهدنة المتبادلة التي أبرمها الثوار مع الطرف الإيراني، والتي تفرض وقفا مؤقتا للحملة على الزبداني، مقابل وقف الهجوم على كفريا والفوعة في ريف إدلب، هي هدنة تؤسس لمعادلة جديدة، بل وترسي قواعد "استثناء" ربما يصبح مع مرور الأيام والمعارك "قاعدة" لاتستطيع طهران الفكاك عنها، في تعاطيها مع "الشأن السوري".
أضع الشأن السوري بين علامتي تنصيص؛ لأنه بات مصطلحا فضفاضا ومجازيا، لاسيما في عرف الحاكمين بأمر الملالي، الذين يرون هذا الشأن داخليا وخاصا كشأنهم في إدارة أمور مشهد أو قم أو أصفهان، بل إن لديهم الجرأة على البت فيه أكثر من جرأتهم على البت في شأن الجزر الإماراتية المحتلة!
الهدنة المتبادلة، التي يمكن تسميتها اختصارا "زفك"، من الأحرف الأولى للبلدات الثلاث، أظهرت بشار الأسد في حجمه الفعلي، كـ"محافظ" أو "مدير تنفيذي"، وهو أمر كان أشبه بالبديهية التي لا تحتاج برهانا عند السوريين، لكنه لم يكن راسخا ومتبلورا بهذا الوضوح إلا مع إبرام الهدنة.
وفي المقابل ظهر الثوار، لاسيما الطرف الذي فاوض الإيرانيين، في موقف قوة لم يسبق أن بدوا عليه خلال سنوات الثورة كلها، ولكن قوة الثوار -على عظيم أهميتها- تبدو مجرد تفصيل قياسا إلى قدرتهم على ترجمة هذه القوة، وتجييرها لصالح الزبداني ومقاتليها، إذ لطالما امتلك الثوار أدوات قوة وضغط في الكثير من المواقف والمعارك، لكنهم لم يحسنوا ترجمتها، فجاءت مخرجاتها هزيلة، بل وربما انقلبت بنتائج عكسية.
وفيما أظهرت الهدنة كلا من النظام ومليشيا "حزب الله" في موقف المتخاذل الذي أوقف معركة "الزبداني" في ساعاتها الأخيرة، وحرم الموالين "بهجة النصر"، ارتفعت أسهم الفصائل التي شاركت في رسم معالم الهدنة، سواء عبر الهجوم على كفريا والفوعة، أو الجلوس إلى طاولة المفاوضات، فردمت الهوة السحيقة الفاصلة بين الخندق والفندق، وتعاضد السياسي والعسكري، بصورة تثبت أكثر من أي وقت أهمية تشكيل الفصائل الفاعلة هيئات أوهيئة سياسية موحدة، منبثقة من تلك الفصائل حصرا، حتى لا تبقى حصيلة إنجازاتها العسكرية منقوصة، أو محصورة في البقعة الجغرافية التي شهدتها.
وسواء كان تأخير الفصائل حسم معركة الفوعة وكفريا، قصدا وعن سابق تخطيط، أو عجزا، أو خضوعا لإملاءات، فإن القائلين بضرورة تأجيل الحسم، لن يجدوا فرصة أنسب من الهدنة المتبادلة، ليجددوا تأكيدهم أن الثكنتين الطائفيتين لابد أن تبقيا ورقة ضغط في أيدي الفصائل، ريثما يستجد وضع آخر، أو ريثما تفقد الورقتان تأثيرهما، وأنه إذا كان ثمن إنقاذ الزبداني أو غيرها من المدن والمناطق مرهونا بعدم اقتحام البلدتين، فليكن! حتى ولو استمر ذلك حيناً من الزمن.
إيثار عبد الحق - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية