خلال حكم الأسدين، عرف السوريون الحواجز بصفتها مشاريع اعتقال وإذلال ونهب وابتزاز.. مزاجية من يقفون عليها بلا حدود، واستهتارهم بروح الإنسان وكرامته وماله بلا قيود.. التهم تجاه من يبدي أقل اعتراض جاهزة، وتجاه من يرفض دفع "الأتاوة" ناجزة.. لافكاك من عناصرها إلا بـ"كرت واسطة" قد يكون بطاقة مخابراتية أو ماشابه، أو بمبلغ نقدي يزيد أو ينقص لكنه معلوم، ويسمى بـ"المعلوم"!
وفي عهد الثورة، عادت حواجز النظام إلى كابوسيتها، بل وزادت عليها، فصار للحواجز أشكال وألوان، فهناك حاجز مخابراتي، وبجانبه آخر للجيش، وعلى مقربة منهما حاجز لمليشيا الدفاع الوطني، وغير بعيد عنهما حاجز لمليشيا طائفية من خارج البلاد، مثلما هو الحال بالنسبة لمليشيا "حزب الله".
أثخنت الخريطة السورية بالحواجز، و"أتخمت" بنقاط التفتيش، التي أمّر النظام عليها نوعيات خاصة ممن لديهم "جوع" مزمن، وصارت حكايات نهب الملايين أكثر من أن تحصى، لاسيما بعدما تدهورت الأوضاع الأمنية وتدهورت معها قيمة الليرة، وصار الحديث عن أي "معلوم" يقاس بعشرات بل وربما مئات الآلاف من الليرات.
وفي دمشق العاصمة التي ماتزال الحركة التجارية "نشطة" فيها مقارنة بغيرها من المدن، يكتشف السوريون بالعين المجردة أن الحاجز يمكن أن يكون "أربح" من شركة أو مصنع رأسمالهما بمئات الملايين، وأن رئيس الحاجز يمكن أن يتحول إلى صاحب ثروة في غضون سنة أو نصف سنة، لاسيما إن كان حاجزه عند منطقة "حساسة" يقطنها أو يعمل فيها تجار وصناعيون، كما هو حال المنطقة الصناعية وسط دمشق.
ففي هذه المنطقة، وعند جامع المصطفى تحديدا، هناك حاجز أو "شركة" تابعة لفرع فلسطين، يتحاصص فيها رئيس الحاجز المساعد أول "أبو زين" ونائبه "أبو يوسف"، بدخل شهري يناهز وربما يجاوز مليون ليرة، "يجنياها" من "الأتاوات" المفروضة على كل سيارة أو بضاعة يدخلها أصحاب المحلات والورش إلى المنطقة الصناعية.
ولا يقتصر ابتزاز "أبو زين" و"أبو يوسف" على أصحاب المحلات والورش، من الموسرين أو اصحاب الدخل المقبول، بل يتخطاه إلى المعدمين الذين يقطنون "الأحياء" المجاور للصناعة، لاسيما منطقتي بستان الدور والحاجبية، حيث يعيش الكثيرون تحت خط الفقر بدرجات.
في دمشق اليوم وفي عموم سوريا، أناس "محدثو" ثروة، انضموا إلى قوافل الفساد العريضة التي رعاها النظام واصطنعها على عينه، وما زال.. "محدثو" ثروة لاحاجة لأن تسألهم: "من أين لك هذا؟"، إذ يكفي أن تتذكر عبارة "فتش عن الحاجز"!
زمان الوصل - خاص
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية