أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

هبش ..... حسن بلال التل

قبل أيام دخل أخي الأصغر حاملاً رسالة من المدرسة، الرسالة التي تكونت من عدة أوراق كانت عبارة عن قائمة مطولة بالمطالب والرسوم المدرسية في رأسها كتبت قيمة القسط المدرسي والتي قاربت الألفي دينار عن العام الدراسي، للصدق وفي ظل ما سمعته عن مدارس تتقاضى عشرات الآلاف كرسوم للصفوف الابتدائية أو ما دونها لم أستغرب الأمر، رغم أن هذا المبلغ كان أكبر من المعتاد، لكن كانت العبرة فيما جاء بعده فرسوم النقل كانت مضروبة بثلاثة أو أربعة أضعاف ولا مجال للتقسيط أو التجزئة وثمن الزي المدرسي يقارب قيمة إيجار منزل لمدة شهر والنوعية طبعاً رديئة، أضف إلى ذلك أثمان الكتب والملازم الإجبارية التي يفرضها المدرسون على الطلاب، كل هذا دفعني لحالة من العصبية، فاتصلت بأحد الأصدقاء شاكياً لأفاجأ بأن مصيبته أكبر حيث أن اخوته في مدرسة أقل ما يمكن أن توصف بأنها دون العادية فهي مدرسة جديدة في منطقة شعبية وليس وراءها ما يشير إلى تراث كبير أو تميز معروف أو سمعة طيبة وليس في مدرسيها أي أسماء لامعة أو خبرة عريضة، مما دفعني لإجراء عدة اتصالات بعدد من الأقارب كانت نتائجها أن الكل أسوأ حالاً مني.
بعد ذلك بدأ الدوام وجاءت طلبات الأساتذة، بالطبع فمعظم المدارس باستثناء طلاب الثانوية العامة لم تبدأ دوامها بعد وبالتالي لا يزال حجم الزحام في المكتبات ومحال بيع اللوازم المدرسية خفيفاً، دخلت إلى أحد المحال وطلبت سبعة دفاتر بالعدد لا تزيد ولا تنقص، وكلها دفاتر عادية غلافها من الكرتون، ومحتواها من الورق، أي أنها لم تغلف بجلد الغزلان، ولم تحو رقائق الذهب أو الفضة، وبالطبع يكتب عليها بالحبر وليس بماء الذهب وعند الحساب طلب الرجل سبعة دنانير ونصف ثمناً لـ 3 دفاتر 64 ورقة وثلاثة أخرى من فئة مئة ورقة وواحد مئتي ورقة مما يجعل مجموع عدد أوراق هذه الدفاتر 692 ورقة وكان ثمنها سبعة دنانير ونصف أي أن الورقة الواحدة ثمنها أكثر من قرش وهي من حجم صغير ونوعية متوسطة علماً بأن سعر (ربطة) الورق المصقول من حجم A4 من أرقى الأنواع لا يتجاوز الثلاثة دنانير وتحتوي على 400 ورقة، إذن لابد أن في الأمر سراً، خصوصاً أنني أذكر أنه حتى عام مضى كنت أشتري لوازم مدرسية لاخوتي الثلاثة، وكانت دائماً بكميات تعادل أضعاف وأضعاف هذه الكميات، مع كل ما يلزم من أقلام ومساطر وخلافه ونادراً ما وصل المبلغ أو جاوز العشرين ديناراً، أما في هذه السنة الغبراء فإن سبعة دفاتر وصل ثمنها إلى قرابة ثمانية دنانير مما يعني أن أي رب أسرة لديه ثلاثة أو أربعة أطفال في المدارس، وهو الوضع الطبيعي لأي أسرة أردنية سيترتب عليه على الأقل 60- 70 ديناراً ثمناً للدفاتر فقط قبل أن يشتري أية لوازم أخرى، مما يعني أيضاً أن أي أسرة أردنية متوسطة الحال ستضطر إلى أن تحرم نفسها من أبسط مقومات العيش لشهرين أو ثلاثة لأجل تأمين مستلزمات المدارس الحكومية، وأي أسرة فقيرة ستكون أمام خيار من اثنين، إما حرمان كل أبنائها من التعليم أو حرمان جزء في سبيل تعليم البقية وحتى هؤلاء الذي سيطالهم حظ من التعليم لن يتمكنوا من تأمين ما يلزم للدراسة، هذا عدا عن العبء النفسي الذي سيلقى على كاهل أي طفل عندما يشعر أن أسرته تحرم نفسها الماء والغذاء واخوته يحرمون التعليم والقدرة على عيش طفولتهم في سبيل تعليمه، واكتمل العقد عندما أعلنت وزارة التربية والتعليم أن عدد الطلاب الذين انتقلوا من مدارس القطاع الخاص إلى مدارس القطاع العام هو أربعون ألف طالب وطالبة تسبب انتقالهم في حالة إرباك حقيقية في الوزارة بسبب عدم وجود أماكن كافية لهم، مما اضطرنا إلى العودة إلى نظام الفترتين في المدارس الذي نسعى منذ سنوات للتخلص منه، وكل هذا بسبب جشع أصحاب المدارس وتجار ومستوردي اللوازم وكله بالطبع راجع لارتفاع الأسعار.
منذ أيام والدنيا قائمة ولم تقعد بعد، ترحيباً بمبادرة جلالة الملك بإعفاء الطلاب من التبرعات المدرسية، ثم ترحيباً بقرار وزارة التعليم العالي بمنع زيادة الرسوم الجامعية سواء في الجامعات الحكومية أو الخاصة، وفي المقابل نجد القطاع الخاص يرد بالنقيض، فالمدارس الخاصة رفعت رسوم الدراسة والنقل وأثمان الكتب والأزياء المدرسية أضعافاً مضاعفة، والجامعات الخاصة وإن لم ترفع رسوم الساعات إلا أنها أجبرت طلابها على رسوم ما أنزل الله بها من سلطان وصلت إلى حد إضافة بند بدل اصطفاف السيارة في مواقف الجامعة على كشف الرسوم الجامعية.
لقد أصبح وضعنا أشبه بغابة أو سوق (سايبة) كل من فيها ينتظر ليهبش الآخر ويقطع ويسرق منه والحكومة بدل أن تكون أسداً حارساً، تحولت إلى طير جارح يراقب من بعيد وينتظر دوره ليهبش مع الهابشين فهل من مناص؟

(104)    هل أعجبتك المقالة (107)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي