بعد نحو 10 أيام من نشره مقالا في جريدة "واشنطن بوست" الأمريكية، عاد مسؤول العلاقات الخارجية في حركة أحرار الشام "لبيب نحاس"، ليشدد على موقف حركته، في مقال جديد نشرته صحيفة "ذي ديلي تلغراف" البريطانية.
وتحت عنوان "أنا سوري أقاتل تنظيم الدولة يوميا، هزيمة التنظيم تحتاج من الغرب أكثر من مجرد قنابل، أعاد "نحاس" ما سبق أن قاله عن ضرورة وجود "بديل سني"، وعن سعي الحركة لقيام "نظام سياسي يحترم هوية الأغلبية في سوريا وتطلعاتها السياسية المشروعة، ويوفر للأقليات دورا إيجابيا في مستقبل سوريا".
نص المقال الذي كتبه "لبيب نحاس"، ونشرته "ذي ديلي تلغراف":
اجتمع مجلس العموم البريطاني منذ سنتين في بريطانيا للتصويت على قرار المشاركة بعمل عسكري ضد بشار الأسد، وقليل من المراقبين يومها هم الذين توقعوا أن نتائج هذا التصويت -الذي تم بعد أسبوع من هجوم الدكتاتور السوري بالسلاح الكيماوي على مواقع المعارضة الشعبية السورية - ستكون له آثار كارثية على المنطقة وتكاليف باهظة سندفع ثمنها.
قام "إد مليباند" زعيم حزب العمال البريطاني وذلك في سعيه لطرد شبح توني بلير ولتحقيق مكاسب سياسية بجمع الأصوات الكافية لنقض قرار الحكومة البريطانية في المشاركة في أي عمل عسكري ضد بشار.لقد ولد هذا التصويت يومها ترددا عند الرئيس الأمريكي باراك أوباما إزاء أي عمل عسكري تأديبي ضد نظام الأسد وما تلا ذلك من أحداث - أصبحت كما يقال- تاريخا معروفا، ويا له من تاريخ!
أربعة ملايين لاجئ، وستة ملايين مهجر داخل سوريا، وأكثر من ثلاثمئة ألف شهيد مدني؛ قتل معظمهم بأسلحة تقليدية على يد قوات الأسد المجرمة. كل ذلك يعطيكم بعض التصور عن الحقيقة الكاملة للأحداث .
لقد وصل صدى هذا القرار إلى أماكن أبعد من مصدر الواقعة نفسها: فلقد شعر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه بإمكانه استغلال افتقار الغرب للحزم ليمارس سياسته التوسعية في أوكرانيا، وتم استغلال الحدث في الرقة حيث كان تنظيم ما يسمى بالدولة ضعيفا لتعزيز خطابهم الإعلامي القائم على فكرة:"أن الغرب والنظام السوري ومعه حلفاؤه الإيرانيين الشيعة يعملون مجتمعين لهزيمة وإذلال العرب السنة في المنطقة".
إنه لمن الصعوبة بمكان أن تحاول شرح حقيقة ما يجري في الأروقة الداخلية للسياسة البريطانية للمدنيين الغاضبين والمصدومين في ضواحي دمشق؟.
لقد وقع الشعب السوري فريسة بين تراخي الغرب، وجنون العظمة عند بشار، وطموحات إيران الإمبريالية، ووهم روسيا بالثأر للحرب الباردة، ووحشية التنظيم وجنونه، هذا الشعب الذي لم يخرج في ثورته إلا طلبا للحرية والكرامة والحياة السعيدة. إننا في حركة أحرار الشام ومع باقي الفصائل الثورية المسلحة ما خرجنا إلا دفاعا عن شعبنا، وما حملنا السلاح إلا عندما خيرنا بين الاستسلام غير المشروط للنظام الأسدي وبين القتال لنيل حرية شعبنا فاخترنا ما اختاره شعبنا.
على الرغم من أن روح الثورة التي عايشناها في أيامها الأولى لا تزال كامنة فينا إلا أننا أدركنا أنه كلما طال زمن النزاع لن يبق لنا ما ننقذه في سوريا. إننا نعمل في حركة أحرار الشام على إسقاط النظام بكل رموزه ومؤسساته، وإلحاق هزيمة نكراء بتنظيم ما يسمى بالدولة، وتأسيس حكومة تمثل السوريين في دمشق تضع البلاد على بداية مسار السلم والتعافي الاقتصادي.
نريد أن نرى نظاما سياسيا يحترم هوية الأغلبية في سوريا وتطلعاتها السياسية المشروعة، ويوفر للأقليات دورا إيجابيا في مستقبل سوريا. نريد أن نضمن وحدة التراب السوري، ونضع حدا لتواجد الميليشيات الأجنبية على أراضينا.
لقد أدركنا أن رؤيتنا هذه لا يمكن أن تتحقق بوسائل عسكرية فحسب، إذ لا بد من عملية سياسية متزامنة معها، وهذا يعني أنه قد يتوجب علينا اتخاذ قرارات صعبة، لكن دون مساومة على الثوابت والمسلمات:
يجب على الأسد وعصابته المجرمة ورموزه الرحيل عن سدة الحكم .
يجب القيام بعملية جذرية لإعادة بناء كلا من الجيش والمؤسسات الأمنية.
نرفض أي نوع ووصاية أو نفوذ لإيران في سوريا، ولا تعنينا أي اتفاقات سرية تمت مع "آيات الله" على هامش الاتفاق النووي فيما يخص قتال تنظيم الدولة.
في الأيام الماضية صرح رئيس الوزراء البريطاني "ديفيد كامرون" عن نية بلاده تغيير سياستها إزاء أي تدخل عسكري في سوريا، وذكر أن بريطانيا "سترفع مستوى الأداء، وتقوم بالمزيد"، فيما يخص قتال التنظيم في العراق وسوريا. نحن في حركة أحرار الشام قد فقدنا ما يقارب 700 مقاتل في حربنا مع التنظيم، ونرابط حاليا مع حلفائنا على الأرض على جبهات مواجهة لهم تمتد حوالي 45 كلم في محافظة حلب. إننا نعي تماما ماذا يعني مواجهة تهديد التنظيم، ولكن ما يجب أن يدركه كامرون هو أن تقويض مصالح السنة في المنقطة لصالح إيران وحلفائها سيزيد من قوة تنظيم "الدولة، وقدرته على التوسع.
نعتقد أن التنظيم لا يمثل تهديدا أمنيا وعسكريا فحسب، بل هو ظاهرة اجتماعية وفكرية يجب أن يتم مواجهتها على مختلف المستويات، وهذا يتطلب بديلا سنيا في سوريا يحل محل النظام والتنظيم في نفس الوقت.
إن حركة أحرار الشام- كفصيل إسلامي سني من الأغلبية- له حضور قوي وفعال في المشهد الثوري يقوم على بناء هذا البديل، ولكن هذا البديل -بالتأكيد- لن يكون وفق المعايير الغربية الليبرالية.
كما نعلم جميعا، فإن الأنظمة السياسية ونماذج الحكم لا يمكن استيرادها إلى الشرق الأوسط، و أن يكتب لها النجاح والازدهار، فهناك تجارب تاريخية، ونسيج اجتماعي، وثقافة سياسية مختلفة كليا عن الغرب.
إننا في سوريا نحتاج أن يكون هنالك دور أساسي ومحوري للدين في أي نظام سياسي يتولد عن النزاع الذي نعيشه اليوم، وهذا النظام السياسي يجب أن ينسجم مع عقيدة وديانة الأغلبية في سوريا، إن إنشاء أي شرعية سياسية جديدة يحتاج بالضرورة إلى طرح طبيعي وعملي، الأمر الذي كان غائبا عن طروحات المجتمع الدولي إلى الآن.
لقد ضاعت فرصة توجيه ضربة حاسمة للنظام، وإنهاء النزاع مبكرا منذ سنتين بسبب التصويت الذي قام به "إد ميليباند"، وما تلا ذلك من تساهل من قبل المجتمع الدولي السبب الذي جعل الأمور تتجه إلى الأسوأ.
إن سياسة واشنطن الحالية التي تقوم على تقويض مصالح السنة في المنقطة مقابل التودد الى إيران سيزيد من صعوبة هزيمة تنظيم "الدولة"، وإنهاء نظام الأسد، وتحقيق حل سياسي.
وبينما تستعد القوات الجوية البريطانية لمشاركة التحالف في قتال التنظيم في سوريا، فإن على الحكومة البريطانية أن تدرك أن هزيمة تنظيم الدولة تتطلب أمورا أكثر من مجرد إلقاء القنابل عليهم.
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية