نشر الأمير السعودي "بندر بن سلطان"، مقالة باللغة الإنجليزية لخص فيها رأيه بالصفقة النووية التي عقدتها واشنطن مع إيران، ليخلص إلى أنه بات أكثر اقتناعا من أي وقت مضى بأن "الثعلب القديم هنري كيسنجر، كان مصيبا حين قال: على أعداء أميركا أن يخشوا أميركا، لكن على أصدقائها أن يخشوها أكثر".
"بندر بن سلطان" أحد أبناء "سلطان بن عبدالعزيز"، تقلد خلال حياته مناصب قيادية، أهمها سفير الرياض في واشنطن، لحوالي ربع قرن، و"أمين عام مجلس الأمن الوطني" منذ 2005، ولاحقا تم تعيينه رئيسا للاستخبارات السعودية إلى جانب منصبه في الأمن الوطني، قبل أن يعزل من كلا المنصبين.
نص مقالة "بندر بن سلطان" مترجما إلى العربية:
يقول نقاد بارزون في الإعلام والسياسة إن اتفاق الرئيس أوباما النووي (مع إيران)، هو نسخة طبق الأصل عن الاتفاق النووي الذي عقده الرئيس الأسبق بيل كلينتون مع كوريا الشمالية.
إلا أنني، وبكل تواضع، لا أتفق مع هذا الرأي. فالرئيس كلينتون اتخذ قراره آنذاك على أساس تحليل استراتيجي للسياسة الخارجية الأميركية، وعلى معلومات استخبارية سرية، على رغبة ونوايا حسنة لإنقاذ شعب كوريا الشمالية من مجاعة تسببت بها قيادته. واتضح بعد ذلك أن ذلك التحليل الاستراتيجي للسياسة الخارجية كان خاطئا، إلى جانب فشل استخباراتي كبير، لو عرف به الرئيس كلينتون قبل اتخاذه قراره لما اتخذه، وأنا واثق تماما من ذلك.
أما الرئيس أوباما، فقد اتخذ قراره بالمضي قدما في الصفقة النووية مع إيران وهو مدرك تمام الادراك أن التحليل الاستراتيجي لسياسته الخارجية، والمعلومات الاستخبارية المحلية وتلك الآتية من استخبارات حلفاء أميركا في المنطقة لم تتنبأ جميعها بالتوصل إلى نتيجة الاتفاق النووي نفسها مع كوريا الشمالية فحسب، بل تنبأت بما هو أسوأ، إلى جانب حصول إيران على مليارات من الدولارات. فالفوضى ستسود الشرق الأوسط، الذي تعيش دوله حالة من عدم الاستقرار، تلعب فيها إيران دورا أساسيا.
وبالتالي، السؤال الذي يجب طرحه هو:
لماذا يصر الرئيس أوباما على عقد مثل هذه الصفقة، رغم أنه يعرف ما لم يعرفه الرئيس كلينتون عندما عقد صفقته مع كوريا الشمالية؟
ليس الأمر بالتأكيد أن الرئيس أوباما ليس ذكيا بما فيه الكفاية، ولكن لأنه ذكي بما فيه الكفاية. وأرى أن السبب الحقيقي وراء عقد هذه الصفقة هو أن الرئيس أوباما صادق ومتصالح مع نفسه، ولأنه مقتنع تماما بأن ما يفعله هو الصحيح. وأعتقد أنه يرى كل ما يمكن أن يكون كارثيا بسبب قراره هذا هو ضرر جانبي مقبول.
لكن، من أكون أنا لأخرج بمثل هذا الاستنتاج العميق؟
بكل تواضع، أنا رجل عمل مباشرة مع رؤساء الولايات المتحدة من جيمي كارتر حتى جورج دبليو بوش. وبكل تواضع، أنا رجل مثّل بلاده في الولايات المتحدة الأميركية العظيمة 23 عاما، وقضى 17 عاما من حياته يخدم في جيش بلاده. وإن كان كل هذا لا يؤهلني للإدلاء برأي مستند إلى معلومات أكيدة بشأن هذه المسألة، يمكنني أن أضيف أنني منذ 2005 وحتى 2015، شغلت منصب مستشار الأمن القومي لقادة بلادي، ورئيسا للاستخبارات، ما مكنني من الاطلاع مباشرة على قرارات قيادة بلادي، وعلى التحليل الذي يقدمه الرئيس أوباما.
ولأجل الشفافية، علي أن أعترف بأنني لم يسبق لي أن عملت مع الرئيس أوباما، كما لم ألتق به شخصيا، لا قبل أن يصبح رئيسا ولا بعد ذلك. والمعلومات الوحيدة التي أستند إليها في تقييمي للرئيس هي التي أمدني بها الملك الراحل عبد الله، رئيسي، أو تلك التي طلب نصيحتي بشأنها، حين كان يستدعي الأمر التعامل مع الرئيس أوباما. وهذه المسائل كلها كانت تمر، ذهابا وإيابا، من خلال السيد عادل الجبير، سفيرنا في واشنطن آنذاك ووزير خارجيتنا راهنا.
لقد قصرت ملاحظاتي على الاتفاق النووي الإيراني، لكن ثق بي حين أقول إن سياسة الرئيس أوباما بشأن الشرق الأوسط عموما، وسوريا والعراق واليمن خصوصا، هي سياسة استشرافية، وهذا يمكن مناقشته في وقت آخر. أما الآن، وبكل تأكيد، أنا أكثر اقتناعا من أي وقت مضى بأن صديقي العزيز، الثعلب القديم هنري كيسنجر، كان مصيبا حين قال: "على أعداء أميركا أن يخشوا أميركا، لكن على أصدقائها أن يخشوها أكثر".
يعتمد الناس في منطقتي اليوم على إرادة الله، وعلى تعزيز قدراتهم وتحليلهم للوضع بالتعاون مع الجميع، باستثناء حلفائنا الأقدم والأقوى.
هذا يفطر القلب، إلا أن الحقائق عنيدة، ولا يمكن تجاهلها.
بندر بن سلطان بن عبدالعزيز آل سعود
سفير السعودية في الولايات المتحدة الأميركية بين 1981 و2005.
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية