أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

درويش.. صورة على الجدار ... أمل عريضة

 

   استيقظت هذا الصباح وأنا أتمتم ببعض كلمات سقطت سهواً من منامي والتصقت لحظة على شفتيّ. حاولت تذكّر بقية الكلمات، ثم نهضت إلى أوراقي أفتش فيها عن زائرة الليل هذه.

ورقة قديمة كتبتها يوم توفيت أمي. بعد بحث مضنٍ أدركت أني تركتها في دمشق مع كثيرات غيرها.

انشغلت ساعات قبل أن أجلس إلى حاسوبي وأفتح نافذة الانترنت فإذا به يقذف في وجهي تقريراً عن جنازة محمود درويش.

 لم أستوعب إلا العنوان وبعض الكلمات في السطرين الأولين. مات درويش في غفلة مني. أربعة أيام حال المرض والدراسة بيني وبين معرفة الخبر.

 انهالت عليّ وحدة أثقل مما ألبستني الغربة.

كيف نواجه أحزاننا الملتصقة كظل؟! كيف نتابع أيامنا دون حب وأحلام؟! وهل نجرؤ على مواصلة الأحلام وقد مات سيدها؟!

جرفتني عاصفة البكاء من موقع إلى آخر أقرأ مشدوهة كلمات الرثاء ولمحات عن حياته تعرّف القرّاء بشخصية الفقيد وأعماله.

 أيّة سخرية أن يعلّبوك بصورة ذات إطار جاهز وشريط أسود صغير ويعلّقوك على الجدار لتموت هناك!

يقولون إن كان درويش مات فأشعاره لم تمت. أتغنينا أشعارك حقا عن إحساسٍ كان يملؤنا بأنّ أنبل الفرسان مازال يحمي بقية الأمل في صدورنا؟!

 يوم مات نزار قباني قالت الصديقة الصحفية فاطمة الشهابي: لم يبق من هؤلاء الشعراء الكبار غير درويش.

 هالتني الفكرة وخشيتُ من اتجاه العالم للسواد، وارتأيتُ أنّ سيدَ الشعر لايموت، أو على الأقل لن يموتَ في زمني. حمقاء كنتُ. فهذا الزمن- زمن الصراعات العربية- عربية-  ليس لدرويش أو لي، وليس زمناً للحياة.

عن زمن اقتتال فتح وحماس كتب درويش <أنت منذ الآن غيرك>:

 مهما نظرتَ في عينيّ فلن تجد نظرتي هناك. خطفتها فضيحة.

قلبي ليس لي.. ولا لأحد. لقد استقلّ عني.

يومها رأيتُ في كلماته تأبينا لفلسطين والقضية ونفسه. لاأعرف لماذا في موجة الحزن الغاضب التي أغرقتنا جميعاً فكّرتُ: أتراه كان أخفّ وطاة لو مات درويش وبقيت القضية؟!

 اعتدنا أن نرفعَ الرسالاتِ فوق الأسماء والأشخاص، لكني رأيتُ فلسطين تحترق برصاص أهلها، والقضية تصير رماداً، وظلّ درويش يغذينا بالأمل والحب والجمال.

كان درويش صوتَ أمّة وشعبٍ عبّر عن أحزانهما ورسم أحلامهما. ولما صارت كلماته قيدا لروحه وشعره فكّ طوقه الحديدي، وسرّح جدائل مخيلته إلى واحات ورؤى جديدة للحب.

عند أفق حياته الأخير لامسَ النار المضيئة، وهوى كفراشة مرهقة الجناح. لم يخن درويش نبعَه، لكنه اكتشف طرائق أخرى للتدفق. وحين رأى جعجعة النضال تطغى على نبض الحب وهمس الشعر حطّ رأسه على صدر الوطن ومات

أيّة عظمة يختال بها الموتُ وقد عانق جسدكَ، واصطفاك لنفسه فرضيتَ!

لعلّه سيتوهّج دهراً وقد مسّ الشعلة الحية بشفتيه!

لعله - مرتويا بك- لايموت!

يوم ماتت أمي كتبتُ:( أمسكُ بطرف ثوب أمي وهي تطوف في أرجاء البيت الكبير تقضمُ كسرة من الخبز -هي مايسمحُ لها بها الوقتُ المزدحمُ بالأعمال- أرى كسرة الخبز هذه تتحول بين أصابع أمي إلى فطيرة شهية فأسلبها إياها وأركض سعيدة بما غنمتُ، بينما يستفيض وجهها بالحزن لوجبتي البسيطة مرددة: هي كسرة خبزٍ يابنتي.. لن تحبيها!

أقتربُ من جثمانها المسجى. ألمسُ وجهها ويديها وجسدها بهدوء يثير قلق الأقارب الذين ظننوني ذهلت، بينما كنت أحاول أن أكتشف كنه الموت فيها.. هذا الذي لمسها وعانقها.. لابدّ أن يغمره نورُها، وأن يصير جميلا كجنة قلبها)

كانت هذه الورقة الص غيرة التي كتبتها منذ عشرين سنة هي زائرة الليلة السابقة.

 وأعترف هنا أن إحساسي بجمالية الموت لم يستمرّ، فعندما عاد وأخذ أبي لم أرَ فيه إلا عدواناً وشراسة وغدرا.

مَن أرسل تلك الخاطرة إلى منامي يوم جنازة درويش إذاً؟! وهل بلغت مصادقتي للموت حداً تجعلني أشتمه حتى  وهو بعيد؟!

كأنّ للموت شخصياتٍ عديدة، وكأنّ ذاك الذي تجمّل بأمي نفسه الذي يتوهّجُ الآن وقد ضمّ إليه درويش.

 ولعلّها إحدى نزواتي الغريبة في حماية نفسي من انهيار الأمل أن أرى الموت أجمل من أحلامنا وعنفواننا وهذي الحياة على الأرض!

تباركَ الموتُ بك يادرويش وتفتحت في أعطافه سنابل القمح والورد والزيتون ورائحة خبز الأمهات وقهوتهنّ!

قد امتلأتَ بكل أسباب الرحيل كما تقول،ُ فامضِ وعلّم الموتَ معنى الوصول.

 نَم هادئاً في كلامك واحلم بأنك تحلم

نَم هادئاً قرب نفسك.... نم هادئا، سوف أحرس حلمك.

(125)    هل أعجبتك المقالة (124)

صديق

2008-08-15

الفقد اكبر من الكلمات ومن الحزن جفت دموعي امل واعلنت الحداد ليوم يولد درويش الذي أبى الا ان تكون فلسطين سريره الأخير .


عدنان أحمد

2008-08-15

الأخت أمل قرأت لك مرات عديدة في هذا الموقع ومن الملاحظ أنك تتمتعين بعبقرية لغوية فذة لكن سؤالي لك هل من قلبك تعتبرين محود درويش شاعر؟؟ أرجوك لا تمشي مع صيحات الإعلام=====السؤال لك وحدك هل تستمتعين عندما يضع محود درويش ثلاثين فعل مضارع مع بعضها ويقول هذا شهر؟؟ مرة أخرى السؤال لك وحدك ليس للمراهقين في اللغة والأدب...تقبلي احترامي.


أمل عريضة - رد -

2008-08-15

الأستاذ عدنان: أحترم حقك في إبداء الرأي، لكني أود لفت انتباهك أنّ المتنبي سبق درويش إلى مثل هذا الاستخدام المتتالي للأفعال. وأرى أنه من حق الشاعر ألا تحكم عليه من قصيدة واحدة، فإن لم يعجبك شعره الحديث -وأنا شخصيا أحبه- فعد إلى أشعاره الأولى تلك التي لم يختلف على قيمتها أحد. أذكرُ حين قرأت مرة لطلابي في الصف السابع قصيدته (أحنّ إلى خبز أمي) أنّ عدداً منهم بكى تأثراً ولاأظن أولئك الأطفال تأثروا بمداهنة إعلامية. أشكر متابعتك .


نايا

2008-08-15

شكرا لك عمتي الغالية و سلم قلمك الذي استطاع أن يرتبط مع قلوبنا و عقولنا بعقد صداقة أبدية فريدة من نوعها..، لن أعبر عن رأيي بكتاباتك و أدبك لأنه كما يقال " شهادتي مجروحة " فأنا لا زلت الى الآن استمتع بقراءة أشعارك و كتاباتك القديمة هنا في دمشق و استفيد من قدراتك اللغوية و تعبيرك الحسي العميق الذي يلامس قلبي و يمتزج بسرعة بخوالجي و دواخل نفسي ...!!! أما عن وفاة الشاعر محمود درويش فقد أصابتني الصدمة و ذرفت دموع الدهشة و الحزن و الخوف .. ربما هو ذلك الشعور الدائم بأن العظماء يجب أن يكونوا خالدين .. كلنا ثقة أن فقدان مثل هذا الشخص هو نكبة ليس على مستوى الأدب فقط بل على مستوى الإنسانية كلها....


عدنان أحمد

2008-08-15

أشكر لك ردك واهتمامك بالتعليق، إن شعر محمود درويش الأول مثار إعجابي واحترامي وادراكي، لكن المشكلة في شعره في الفترة الأخيرة، فقصيدة لاعب النرد، إذا جاز تعبيرأنها قصيدة، تصف الأفعال صفاً لمعنى على مايبدو أنه في قلب الشاعر فقط وليس لنا أن نعرفه البتة، أرجوك انظري إلى هذا: أَمشي / أهرولُ / أركضُ / أصعدُ / أنزلُ / أصرخُ / أَنبحُ / أعوي / أنادي / أولولُ / أسرعُ / أبطئ / أهوي / أخفُّ / أجفُّ / أسيرُ / أطيرُ / أرى / لا أرى / أتعثَّرُ / أَصفرُّ / أخضرُّ / أزرقُّ / أنشقُّ / أجهشُ / أعطشُ / أتعبُ / أسغَبُ / أسقطُ / أنهضُ / أركضُ / أنسى / أرى / لا أرى / أتذكَُّر / أَسمعُ / أبصرُ / أهذي / أُهَلْوِس / أهمسُ / أصرخُ / لا أستطيع / أَئنُّ / أجنّ / أَضلّ / أقلُّ / وأكثرُ / أسقط / أعلو / وأهبط / أدْمَى / ويغمى عليّ / لو أنني أزلت الآن فعلاً من هذه الأفعال هل يختلف المعنى، هل تسقط القصيدة ويختل معناها، هذا هو السؤال. تكلمت عن سيدي المتنبي وعن قوله: عش ابق اسم سد جد قد مر انه...............إلى آخر البيت الرائع، والذي عرفه شاغل الناس عندما قال في البيت الثاني هذا دعاء لو.......الخ لو أزلت كلمة واحدة في هذا البيت لاختل الوزن ولاختلت القوة الشعرية فوراً، ثم أيتها الأخت الكريمة ألا تتفقي معي أن الدعاء بفعل الأمر هو من أعلى الدعاء لغة، وألا تتفقي أن الناس في العراق وسورية والحجاز يقولون هذا الكلام للأمراء فيطلبون لهم العيش والسيادة والسمو والقيادة .الخ، كما فعل سيد الاسياد المتنبي. بكل حال، أريد فقط أن ألفت نظرك إلى مسألة صغيرة، قد أكون أسأت بها دون قصد، فأرجو منك ألا تظني ولو لحظة واحدة أنني علقت تعليقي الأول إنكاراً عليك أو تقليلاً منك، أو استهزاءً بما كتبت، فحاشا لله، وإنما كتبه مستبصراً وطالباً لرايك بالفعل، فأنت مهتمة باللغة العربية وقد رايت ذلك في مقال تكلمت فيه عن همزة الوصل والقطع في هذه الجريدة وكان في عنوانه لفظة المحرر إذا أسعفتني الذاكرة. فأرجو منك ألا تتصوري أنني أتعالى على محمود درويش أو على من يحبه فأنا لست شاعراً وسألتك لثقتي برأيك، ولكنني بالمقابل أتذوق الشعر وبعضه يهز وجداني وبعضه يمر مر الكرام. لك التحية كلها وشكراً لرحابة صدرك.


omar

2008-08-16

أطل كشرفة بيت على ما أريد أطل على اسم ابو الطيب المتنبي المسافر من طبريا الى مصر فوق حصان النشيد اطل على شبحي قادما من بعيد شكرا امل .


فؤاد

2008-08-16

رحمة الله عليك يا درويش سجل أنا عربي و أعمل مع رفاق الكدح في محجر و أطفالي ثمانية أسل لهم رغيف الخبز و الأثواب و الدفتر من الصخر و لا أتوسل الصدقات من بابك و لا أصغر أمام أبواب أعتابك فهل تغضب سجل أنا عربي. شكرا لك يا أمل. .


الى درويش

2008-08-17

درويش رغم كل ماقيل عنه يظل تلك الصخرة التي كانت تقف على قلوب المارون بين الكلمات العابرة الف رحمة لروحك.


أحمد

2008-08-22

وفي مقابلة صحفية يدعو الشعب الفلسطيني إلى مواجهة الحرب والعدوان الإجرامي والمجازرالتي يرتكبها الكيان اليهودي الغاصب المجرم ضده دون شفقة ولا رحمة بشاعرية وبالشعر,ويدعوه إلى عدم حمل السلاح لأن هذا كما يقول يُخالف المنطق والاخلاق والحق مضيفاً بأن شارون يريد من الشعب الفلسطيني أن يحمل السلاح حتى يضمن إنتصاره عليه ويقول : إن نضالنا يجب أن يتركزعلى المطالبة بحقوقنا كمواطنين في دولة إسرائيل!!!!!!!!!. .


فاطمة الزهراء الرغيوي

2008-08-26

أيّة سخرية أن يعلّبوك بصورة ذات إطار جاهز وشريط أسود صغير ويعلّقوك على الجدار لتموت هناك! .


القلب الجريح

2008-10-21

مشكور كثير انا بحبك يا محمود درويش.


التعليقات (11)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي