لم يأتِ المعتقل السابق لدى المخابرات الجوية (أ-ح) بجديد حول الانتهاكات التي يمارسها النظام بحق المعتقلين، لأنها باتت جرائم معروفة وموثقة بصور وشهادات كثيرة، منها ما تم عرضه متحف "هولوكوست" في واشنطن حول "هولوكوست" سوريا من صور لحالات التعذيب وقتل المدنيين في سجون نظام الأسد في قاعات وردهات الكونغرس خلال جلسته أمس، في إشارة إلى نحو 56 ألف صورة سربها منشق عن جهاز الشرطة العسكرية لدى نظام الأسد سمي بـ"قيصر"، الذي وضع العالم أمام ما اصطلح على وصفها "جريمة العصر".
ولكن من باب التذكير وكشف بعض أساليب النظام في خداع العالم، نعرض شهادة المعتقل الذي قضى 3 سنوات في معتقلات "الجوية" ختمها مصابا في مشفى (601) في المزة، حيث أكد ما سبق أن نشرت "زمان الوصل" من ممارسات عناصر المشفى بحق المصابين من المعتقلين.
* الجوية ولجنة المراقبين العرب
يقول (أ-ح) رافضا الكشف عن اسمه لأسباب خاصة، إنه اعتقل بتاريخ 31/8/2011 من قبل فرع المخابرات الجوية بمدينة اللاذقية، بسبب نشاطه المعارض وعمله الإغاثي، ومنها أحيل إلى احد فروع المخابرات الجوية في دمشق والمسمى "الجوية القديم" في منطقة المزة، وهناك شاهد "ما لا يصدقه عقل".
ويضيف: في أواخر عام 2011 وأثناء وجودي في "الجوية القديم"، كانت لجنة المراقبين العرب قد وصلت إلى سوريا كما علمنا ممن دخل إلى الفرع من المعتقلين، ومعلوم أن أحد مهام اللجنة زيارة السجون وإطلاق سراح المعتقلين، الأمر الذي أربك النظام، وقياداته الأمنيين خوفا من فضح أمرهم.
وكشف المعتقل أسلوب النظام لإجهاض مهمة اللجنة، مؤكدا أنه "في تلك الفترة وعلى مدار 10 أيام على ما أذكر كانوا يخرجوننا من الفرع في الساعة 8 صباحا إلى خارج دمشق بواسطة عشر باصات وكل باص فيه حوالي 65 معتقلا، ويعودون بنا إلى الفرع في الساعة 10 ليلا".
* حافظ ما مات
ويردف المعتقل: "مرة وبعد عودتنا وجمعنا في ممر الفرع تمهيدا لإدخالنا إلى زنازيننا حصلت جلبة كبيرة وفوضى بالفرع، وسمعت أحاديث العناصر عبر أجهزة اللاسلكي تتحدث عن احتمال دخول اللجنة إلى الفرع، ما اضطر العناصر إلى إنزالنا إلى طابق تحت الأرض، وحشرنا عشوائيا في الزنازين الموجودة".
وعندها فوجئ محدثنا بأنه وجد نفسه مع معتقلين اثنين يرتدون ملابس بيضاء تشبه (الجلابيات) ولحاهم طويلة تصل إلى السرة تقريبا، ليكتشف من خلال حوار قصير تم معهما أنهما لم يسمعا بموت حافظ الأسد.
وينقل (أ -ح) فحوى الحوار قائلا:"سألوني بلغة فصيحة، لماذا دخلت إلى هنا ومن أدخلك ولماذا؟ فأجبتهم لا أعلم، أنا معتقل في الفرع بسبب التظاهر ضد النظام والرئيس؟ فسألوني باستغراب، عن أي مظاهرات تتحدث، فاستغربت أكثر من سؤالهم؟ ووضحت لهم أن هناك مظاهرات ضد النظام والرئيس بشار الأسد؟ فاستغربوا أ كثر، وسأل أحدهم: ومن بشار وأين حافظ الأسد؟ هنا صعقت من هذا السؤال ودهشت؟
فقالوا نحن لا نعلم أي شيء، فقلت لهم حافظ الأسد مات في سنة 2000، واستلم حكم سوريا ابنه بشار ومازال يحكم إلى الآن وهناك مظاهرات في سوريا ضده الآن".
ويستطرد المعتقل كاشفا ردة فعل مخابرات النظام على وجوده مصادفة مع المعتقلين اللذين يبدوان عتيقين، فيقول "فجأة يفتح باب الزنزانة ويتم سحبي إلى الخارج وضربي بشكل مبرح وسؤالي من أدخلك إلى هذه الزنزانة، وماذا تحدثت مع هؤلاء؟ وهل أعطوك أسماءهم؟ وماذا قالوا لك وقلت لهم وهل طلبوا منك إرسال رسائل لأحد، وظل التحقيق معي حول نفس الموضوع لمدة أسبوع كامل مع الضرب والتعذيب".
* تابوت حمزة الخطيب؟
لا تمحى من ذاكرة المعتقل ذي الـ44 عاما، ملامح الرائد "علي علي" المتوسط البنية أي مربوع الجسم، الذي هدد بقتله كما قتل الطفل الشهيد حمزة الخطيب، ووضعه خلال إحدى جلسات التحقيق في صندوق خشبي كالتابوت عليه آثار دماء.
ونقل (أ-ح) عن الرائد علي أنه هو من وضع حمزة الخطيب في هذا التابوت وقتله به وقطع عضوه الذكري، مؤكدا أنه هدده بتكرار الجريمة نفسها مع المعتقل.
وأضاف نقلا عن الرائد نفسه: "نحن في المخابرات الجوية لا سلطة لأحد علينا حتى بشار الأسد لاسلطة له علينا".
* جرائم بالكعب العالي
ويؤكد المعتقل (أ-ح) أنه وجد نفسه في مشفى "يوسف العظمة" المعروف بـ(601)، بعدما تفشت في جسده، كما آلاف المعتقلين، الأمراض وانتسرت البثور والجروح تحت تأثير التعذيب الوحشي في فروع الأمن وسجون النظام.
وكشف عن ممارسات عنصر تابع للنظام اسمه (صلاح جندب) الذي كان "يتلذذ في تعذيب المرضى حتى الإجهاز عليهم"، مشيرا إلى أن "ممرضة تتكلم بلهجة طرطوسية" كانت تساعد العنصر، و"تقوم بضرب المعتقلين بكعب حذائها على جباهم حتى تحفرها".
ونقل (أ.ح) عن أحد رفاقه المعتقلين من مدينة حماه ويدعى (ع-خ)، إنه شاهد مئات الجثث عارية ومرقمة ومرمية على الأرض خلف المشفى، مؤكدا أنه رأى عناصر يقومون بوضعها داخل أكياس.
وذلك بعدما طلب منه أحد العناصر مرافقته في سيارة الإسعاف وحمل جثة إلى مكان تجميع الجثث، وعندما رآه العناصر مرافقا لسيارة الإسعاف، غضبوا جدا لأنه شاهد هذا المنظر، الذي سبق أن نشرت "زمان الوصل" صورا حصرية منه من ذات المكان، حيث تعرفت على بعض العناصر العاملين في المشفى، في سلسلة أطلقتها تحت عنوان "تعرف إليهم".
* قتلوا خالد تاجا
كما ينقل المعتقل الذي خرج بكفالة بعد حكم من "محكمة الإرهاب" إن أهم
أهم ما شاهده خلال فترة اعتقاله، هو "وجود الفنان السبعيني خالد تاجا، حيث سمعت صوته أثناء تعليقه من يديه وتعذيبه، حيث كان مشبوحا في ممر الفرع الذي كنا نمر بقربه عند إخراجنا إلى الحمامات".
وقال إنه لم يصدق ما كان يشاع في المعتقل بين المعتقلين والعناصر أنفسهم عن وجود الفنان تاجا معتقلا في المكان نفسه، حتى شاهده.
وأضاف: "كان الفنان تاجا يعذب ويهان بطريقة وحشية، قبل أن ينقل إلى المشفى ليعلن النظام وفاته بمرض السرطان".
وتتطابق رواية (أ-ح) مع رواية أحد عناصر الأمن الأسرى في ثكنة هنانو بحلب، حيث ذكر في مقطع فيديو منشور على "يوتيوب" تفاصيل اعتقال وتعذيب الفنان خالد تاجا.
وأشيع أن الفنان تاجا وقف مع ثورة الشعب السوري منذ انطلاقها، وقيل إنه استدعي من قبل أحد الأفرع الأمنية دون أي تصريح رسمي من النظام أو من قبله.
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية