دخلت الحرب المستعرة بين تنظيم "الدولة" و"جيش الإسلام" مرحلة جديدة، حين عمد الأخير وبخطوة غير مسبوقة، إلى نشر "إصدار" مرئي، يحاكي إلى درجة ما "إصدارات" تنظيم "الدولة"، كنوع من الحرب النفسية الخاصة التي كان يستأثر بها التنظيم، من بين كل الفصائل الموجودة على أرض سوريا.
"إصدار" جيش الإسلام الذي سجل قبل فترة، ربما لاتقل عن شهر، وجاء تحت عنوان "قصاص المظلومين من الخوارج المارقين"، وصور وأُنتج بتقنيات متطورة، تكّون من 3 مقاطع رئيسة، الأول تضمن استعراض بيان سابق لجيش الإسلام، مع أقوال لبعض المتهمين الذين سيجري إعدامهم لاحقا، والمقطع الثاني سلط الضوء على بعض أفعال التنظيم، والثالث تضمن عملية إعدام 18 من منتسبي التنظيم والمتعاونين معه، بعد إدانتهم بتهم مختلفة.
ويبدو أن "جيش الإسلام" حرص بشدة على انتزاع "سلاح" الترهيب الذي كان يستأثر به التنظيم، وعلى مخاطبة عناصر التنظيم بـ"لغة" يفهمونها، فاختار –أي جيش الإسلام- أن يحاكي "إصدرات" التنظيم، مع مخالفتها ومعاكستها في كثير من المواقع، خوفا من أن تصبح صورة التنظيم والجيش واحدة.
"جودة" موازية
ففي الجانب التقني، كان "إصدار" جيش الإسلام موازيا في "جودته" للمقاطع والأفلام التي دأب التنظيم على تصويرها ونشرها، أما من ناحية الشكل فقد أظهر الإصدار الموكلين بتنفيذ الإعدام وهم يرتدون لباسا برتقالي اللون، وهو الزي الذي يُلبسه التنظيم لمن يقوم بإعدامهم، وكأن "قصاص المظلومين" يريد أن يقول إن من أعدمهم التنظيم بالأمس هم من سينفذون الإعدام برجال التنظيم اليوم.
وخلال مشاهد الإعدام وما سبقها، كان حرص "جيش الإسلام" ظاهرا على الموازنة بين أمرين، الأول بث صور ومقاطع تظهر الحزم والشدة مع المتهمين (تقييدهم بسلاسل وأغلال ثقلية، وضع الأقنعة السوداء على رؤوسهم، إعدامهم بطلقات متفجرة...)، والأمر الآخر التأكيد على عدم منع المتهم من بعض الحقوق قبل إعدامه، مثل أداء الصلاة أو شرب الماء (بواسطة دلو بلاستيكي).
كما إن "قصاص المظلومين" استعان بالأناشيد ذات الطابع "الجهادي"، التي كثيرا ما يترنم بها أتباع هذا التيار، ولكن "الإصدار" خالفها أحيانا، كما في أنشودة "لنا المرهفات"، التي حوّر كلماتها كليا.
"كلهم كفار"
من ناحية المضمون، ركز "قصاص المظلومين" في مقطعه الأولى على سرد نص بيان أصدره جيش الإسلام قبل أيام، محاولا إلحاق كل فقرة بما يؤيدها من أقوال المتهمين، ومؤكدا أن "قصاص المظلومين" جاء "ردا" على شريط بثه التنظيم مؤخرا بعنوان "توبوا قبل أن نقدر عليكم"، وأظهر إعدام 12 من مقاتلي جيش الإسلام، وقعوا أسرى في منطقة تل دكوة، في شهر شباط/فبراير الماضي.
ومن جملة ما عرضه "قصاص المظلومين" من أقوال المتهمين، ما أفاد به "مسؤول التسليح" في التنظيم بمنطقة الغوطة (عمر محمد عبدالوهاب)، حين أبان أنه قضى مع جيش الإسلام سنتين ونصف، شاركه خلالها بأكثر من 70 معركة، وقتل الكثير من جنود النظام، ولكنه لم يقاتل النظام أبدا منذ انضمامه للتنظيم.
فيما قال أمير الأمنيين في "ولاية دمشق" لدى التنظيم إن "الدولة تعتقد بكفر جميع علماء السلاطين، مثل السديس والشريم والعفاسي وغيرهم، كما تعتقد بكفر قادة الجبهة الإسلامية، والجيش الحر"، ووافقه "مسؤول المفخخات والمتفجرات" في الغوطة، عندما أفاد أن "الدولة الإسلامية في الغوطة الشرقية علمتنا أن كل فصيل غيرها مرتد، سواء كان جيش حر أو جيش الإسلام أوالجبهة الإسلامية أو باقي الفصائل".
وقال أحد عناصر التنظيم المتحدرين من حمص إنه حضر دورة شرعية لقنتهم أن "أهل سوريا كلهم كفار ومرتدون يجب قتالهم، وقتل رجالهم وسبي نسائهم".
وجاءت كل هذه الأقوال في معرض تدعيم فقرة من بيان "جيش الإسلام" تشير إلى أن تنظيم "الدولة" يكفر كل الفصائل المقاتلة، بل ويكفر "عموم أهل السنة والجماعة في سوريا".
فك الحصار
واستعرض "قصاص المظلومين" أقوالا لمتهمين حول صحة سعي التنظيم لفك الحصار عن الغوطة، فقال أحدهم إنه سأل عن القضية، فقيل له إن "أهل الغوطة الشرقية وجنوب العاصمة كفار مرتدون يستحقون ما يحصل لهم".
وأكد "الإصدار" أن جيش الإسلام عمد إلى محاربة "الدولة" فكريا، عبر بيان "الانحراف العقائدي" لدى منتسبيها، ولم يعلن الحرب العسكرية عليها، إلا بعد قيامها بقتل "الشرعي أبو همام"، ومهاجمة حاجز لجيش الإسلام في الأشعري، فضلا عن قتلهم 7 من "المجاهدين".
وتطرق "قصاص المظلومين" إلى مراحل القتال بين جيش الإسلام و"الدولة"، فبعد القضاء عليها ضمن الغوطة، فر قادتها إلى "بئر القصب" المجاورة، بتسهيل من النظام، حسب ما قال "جيش الإسلام"، وحسب أقوال مسؤول المفخخات في الغوطة ومقاتل من التنظيم.
وذكر "الإصدار" بأن جيش الإسلام جهز بالتعاون مع فصائل أخرى قوة "كبيرة" لفك الحصار عن الغوطة، تمركزت في "تل دكوة"، لكن التنظيم تسلل بمعاونة "عميل" إلى المنطقة بتاريخ 24-2-2015، فأفشل الخطة، عندما قتل وأسر "المجاهدين"، وهو ما أقر بها التنظيم حينها، معتبرا أنه هاجم "صحوات خائنة".
وقال "جيش الإسلام" إنه علم بعد "المتابعات والتحقيق، والاعترافات" بأن التنظيم عقد اجتماعا مع مندوبين من مخابرات من النظام، تم الاتفاق فيه على "أن يقوم النظام بفتح طريق لداعش لدخول الغوطة الشرقية، وإقامة ولاية فيها بعد القضاء على الفصائل، مقابل تسليمهم مناطق استراتيجية للنظام".
وألحق "الإصدار" هذه الفقرة بقول لأحد أمنيي التنظيم، أكد فيه وجود "تنسيق" بين أمراء التنظيم والنظام، موضحا: "كنا نسير من جانب نقاط للنظام دون أن يطلقوا الرصاص علينا.. كانوا يقولون قتال الصحوات أولى من قتال النظام"، وثنى "أمير قاطع برزة" على هذا الكلام، قائلا: "كنا نمر أمام حواجز النظام وراياتنا ترفرف، لأن قتال المرتدين أولى".
وبهذه الأقوال اختتم المقطع الأول من "قصاص المظلومين"، الذي استمر نحو 9 دقائق، متزامنا مع التأكيد على مواصلة جيش الإسلام في قتال "الدولة"، حتى استئصالها.
المقطع المحوري
وجاء المقطع الثاني، ليعرض بعض ما مارسه التنظيم من أفعال، مثل تفجير سيارة مفخخة في الغوطة، وقيامه بإعدام مقاتلين من جيش الإسلام، ومنهم "عمر صبحي التوم"، الذي ظهر في شريط مسرب من التنظيم، حيث تم نحره دون أن تترك له حتى فرصة للصلاة، رغم طلبه ذلك.
ووصل "قصاص المظلومين" إلى مقطعه المحوري والأخير (حوالي 9 دقائق)، وفيه ظهر المحكومون وهم يساقون إلى ساحة الإعدام مكلبين بأغلال ثقلية في أيديهم أورجلهم، وقد أُلبسوا ثيابا سود، فيما لبس الموكلون بتنفيذ الإعدام زيا برتقالي اللون.
وبعد أن جثا المحكومون على ركبهم، تم نزع الأقنعة السوداء، فظهرت وجوههم واضحة، ليقلي أحد منفذي عملية الإعدام كلمة ركز فيها على "جرائم" التنظيم، من محاربة مقاتلي النظام وقتلهم، ومعاونة نظام بشار الأسد وإيران، قائلا إن التنظيم لم ينتفع بالنصح والبيان، فتم اللجوء إلى التأنيب والتأديب (درة الفاروق عمر)، لكنه لم ينفع أيضا فتم اللجوء إلى قتال التنظيم بـ"سيف علي البتار"، باعتباره "دواء" للتنظيم.
وخلا الكلمة تم أخذ لقطات للمحكومين، وقد ظهر بعضهم وهم يؤدون الصلاة جماعة، فيما كان يمر أحدهم بدلو من الماء عليهم.
وأكدت أشجار المشمش التي ظهرت في خلفية المشهد أن المقطع مصور في الغوطة، وفي فترة ربما تقع بين شهري نيسان وأيار على الأرجح.
وأوضح من ألقى الكلمة أن بيانه "صادر عن القيادة العسكرية في جيش الإسلام بالحكم بالإعدام على شرذمة من المارقة، وفق حكم قضائي"، داعيا عناصر التنظيم للتوبة قبل أن يتم القبض عليهم.
ثم تمت تلاوة أسماء المحكومين (18 شخصا)، يتقدمهم شخص كويتي وآخر سعودي الجنسية، وبينهم "شيعي مبايع للتنظيم" وفق ما وصفه "الإصدار".
وبعد لحظات قصيرة، أطلق أصحاب الزي البرتقالي نيران بنادقهم نحو رؤوس المحكومين باستخدام طلقات متفجرة، جعلت ما في داخل جماجمهم يتطاير.
وتم الإعدام على وقع أنشودة "لنا المرهفات" التي اعتاد التنظيم على تضمينها في "إصداراته"، مع تغيير كلماتها لتصف عناصر التنظيم بأنهم: "بغاة جناة"، "بتهمة الكفر أحلوا الدماء"، ولتقول إن: "جهاد الشآم نقي مداه، سيبقى مثالا لكل الأباة، فلا من مكان لجند الغلاة، ولا لشباب عن الحق تاه".
وفي ختام "قصاص المظلومين" تم استعرض صورة كل محكوم وبجانبه القرار الصادر بإعدامه من "المجلس القضائي للغوطة الشرقية".
ملحوظة: تنشر "زمان الوصل" مقطعا يعود إلى نحو عام تقريبا، وهو يظهر اللحظات التي أعقبت أسر "فهد العنزي" (الذي تم توثيق إعدامه في إصدار قصاص المظلومين)، وكيف تعامل مقاتلو جيش الإسلام معه (العنزي).
أسماء وصفات المحكومين كما ظهرت في إصدار "قصاص المظلومين من الخوارج المارقين":
فهد عايد العنزي (شرعي في التنظيم) كويتي
أنس اليوسفي (تفخيخ، تفجير، ملصقات) سعودي
إياد عمر الصوران (مسؤول أمني في التنظيم)
عبدالله إسماعيل الصوان (مسؤول التسليح)
بلال ديب الدبيك (أمني مخترق لأحد فصائل الغوطة)
مهند حسن يونس (مقاتل في التنظيم)
أحمد خالد غزال (شيعي مبايع للتنظيم)
عمر محمد حجازي (أمني شارك باغتيال أبو محمد عدس)..
عبدالكريم الجاسم (مبايع للتنظيم وكان في صفوف جيش الأمة)
خالد ياسين درويش (أمني في التنظيم)
نعيم عيسى عليوي (اغتيالات)
راضي يوسف الهواري (مقاتل في التنظيم)
هشام عبدو درويش (مقاتل في التنظيم)
عمران محمد نادر أبو جيب (اغتيالات)
محمد فايز تلو (مقاتل في التنظيم)
محمد حاتم سمير عرنوس (تفخيخ، تفجير، ملصقات)
عمر خالد عبدالرزاق خبية (قاتل مأجور ومبايع للتنظيم)
عمر محمد عبدالوهاب (نائب أمير التسليح)
إيثار عبدالحق - زمان الوصل - خاص
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية