أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

بعد 6 سنوات من الملاحقة.. البشير في مواجهة "الجنائية الدولية" مجددا

هل انتصر الرجل على المحكمة التي ينعتها بأنها "واجهة استعمارية"؟ أم كانت مغادرته جنوب أفريقيا قبل انتهاء جلسات القمة "هزيمة" له؟

على مدار 6 أعوام من ملاحقة المحكمة الجنائية الدولية له، لم يكن الرئيس السوداني عمر البشير في مواجهتها كما كان خلال الـ48 ساعة التي قضاها في جوهانسبيرغ للمشاركة في القمة الأفريقية الأخيرة، وهو ما يطرح سؤالا بعد عودته إلى بلاده.. هل انتصر الرجل على المحكمة التي ينعتها بأنها "واجهة استعمارية"؟ أم كانت مغادرته جنوب أفريقيا قبل انتهاء جلسات القمة "هزيمة" تحول دون مشاركاته الخارجية من جديد؟

ووصل البشير أمس الإثنين، إلى العاصمة الخرطوم، عائداً من جنوب أفريقيا، حيث كان يشارك في القمة الأفريقية بجوهانسبيرغ، عندما أصدرت المحكمة العليا في جنوب أفريقيا، الأحد، أمراً بعدم مغادرته أراضيها بشكل مؤقت، لحين البت في طلب القبض عليه، استنادا إلى مذكرة توقيف صادرة عن الجنائية الدولية بحقه عام 2009.

وتعود ملاحقة الجنائية الدولية للرئيس السوداني إلى النزاع المسلح بين حكومته وثلاث حركات متمردة في إقليم دارفور غربي البلاد منذ العام 2003، خلف 300 ألف قتيل، وشرد نحو 2.5 مليون شخص، بحسب إحصائيات أممية.

ومنذ الشهور الأولى لاندلاع النزاع، حظي باهتمام غربي كبير، مع اتهامات للقوات الحكومية بـ"ارتكاب جرائم ضد المدنيين"، نفتها الخرطوم، ورأت أنها "تضخيما للأحداث بغرض لفت الأنظار عن الغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان" وقتها.

وسرعان ما بدأت تحركات غربية لتحويل الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية، لكنها اصطدمت برفض الخرطوم القاطع، والتي رأت في هذه التحركات "مؤامرة"، وبررت رفضها بأنها ليست عضوا في الجنائية الدولية، ولم تصادق على ميثاق روما المؤسس لها، وبالتالي لا ينعقد لها الاختصاص للنظر في قضايا داخل الأراضي السودانية.

لكن الدول الغربية وخصوصا المجموعة الأوربية تجاهلت اعتراض الخرطوم واستخدمت نصاً في ميثاق المحكمة يتيح لمجلس الأمن الدولي إحالة أي قضايا إليها، حتى وإن كانت في بلدان غير منضمة للمحكمة. وبالفعل أصدر مجلس الأمن في 2005 قراره رقم 1593، لإحالة ملف دارفور إلى الجنائية الدولية، التي تتخذ من لاهاي مقرا لها.

وفي سابقة هي الأولى مع رئيس بلد أثناء ولايته، أصدرت المحكمة في مارس/ آذار  2009 مذكرة اعتقال بحق البشير، بتهم "ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور"، قبل أن تضيف لها تهمة "الإبادة الجماعية" في العام التالي.

وبالمقابل رفض البشير الاعتراف بالمحكمة، ورأى أنها "مسيسة ومجرد أداة استعمارية موجهة ضد الأفارقة"، ونجح في تسويق هذه الفكرة بحصوله على تأييد نادر من قمة الاتحاد الأفريقي في مدينة سرت الليبية في العام 2009.

وقررت القمة وقتها بالإجماع منع الدول الأعضاء من التعامل مع المحكمة التي لا تملك شرطة لتنفيذ أوامر الاعتقال، وتعتمد في ذلك على البلدان الموقعة على ميثاقها، وهي 122 دولة، 34 منها أفريقية.

ورغم ذلك اقتصرت زيارات البشير الخارجية على دول عربية وأفريقية حليفة، واعتذرت بعض البلدان الأفريقية عن استقباله، مثل جنوب أفريقيا وملاوي.

ففي فبراير / شباط 2010 تنازلت ملاوي عن حقها في استضافة القمة الأفريقية، حتى لا تستقبل البشير، لتفادي الضغط الغربي عليها، والذي بلغ ذروته عند استضافتها له في أكتوبر/ تشرين الأول 2011.

ورفضت واشنطن في سبتمبر/ أيلول 2013 منح البشير تأشيرة دخول إلى أراضيها للمشاركة في الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك.

والولايات المتحدة ليست عضوا في المحكمة، لكنها داعمة لها، وسبق أن اتهمت الخرطوم سلاح الجو الأمريكي بـ"القرصنة" على طائرة كانت تقل البشير من طهران إلى بكين في يونيو/ حزيران2011 .

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 أصدرت محكمة كينية قرارا يلزم السلطات باعتقال البشير حال وصوله الأراضي الكينية، وهو ما عده خبراء "مؤشرا لتحايل" كينيا على قرار قمة سرت بإصدار أوامر قضائية مماثلة، تمثل مخرجا مناسبا للحكومات التي تعاني من ضغط غربي، يصل حد منع المعونات عند استقبالها البشير دون اعتقاله.

وفي يوليو/ تموز 2013 غادر البشير العاصمة النيجيرية أبوجا بعد أقل من 24 ساعة من وصوله للمشاركة في قمة أفريقية، إثر قيام ناشطين برفع دعوى قضائية في المحكمة النيجيرية العليا لإلزام الحكومة باعتقاله.

لكن الموقف داخل الاتحاد الأفريقي انقلب مرة أخرى لصالح البشير بعد اتهام المحكمة الجنائية للرئيس الكيني أوهورو كينياتا ونائبه وليام روتو بـ"ارتكاب جرائم ضد الإنسانية لتدبيرهما أعمال عنف" أعقبت انتخابات 2007، التي تنافسا فيها على رئاسة البلاد، وخلفت أكثر من ألف قتيل.

ووفر اتهام المحكمة لكينياتا وروتو دعما للبشير من دولة ذات نفوذ إقليمي مثل كينيا، والتي نجحت في الترتيب لقمة أفريقية في أكتوبر/ تشرين الأول 2013 لمناقشة علاقة القارة بالمحكمة الجنائية الدولية.

وخلصت القمة الأفريقية إلى إرسال مذكرة إلى مجلس الأمن الدولي تطالب بـ"تعليق التهم الموجهة للرؤساء الأفارقة وعدم محاكمتهم أثناء ولايتهم الرئاسية".

لكن جهود الخرطوم وسط الأفارقة لمناهضة المحكمة منيت بخسارة كبيرة عندما قرر الرئيس الكيني في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وعلى نحو مفاجئ المثول أمام المحكمة. ووصف خبراء تحدثوا لوكالة الأناضول وقتها القرار بأنه "صادم للخرطوم ويزيد من العزلة الغربية المفروضة عليها".

وتعقدت القضية عندما أعلنت المدعية العامة للمحكمة فاتو بنسودا في ديسمبر/ كانون الأول الماضي وقف التحقيق في ملف دارفور بحجة "عدم تحرك مجلس الأمن للضغط من أجل مثول المتهمين أمام المحكمة".

وأوضحت بنسودا خلال تقريرها الدوري الذي قدمته لمجلس الأمن أنها "لا ترى أي فائدة من استمرار التحقيقات بسبب فشل الجهود السابقة لتقديم المتهمين إلى العدالة".

وتلاحق المحكمة أيضا 2 من كبار معاوني البشير هما وزير الدفاع السابق عبد الرحيم محمد حسين، ووزير الداخلية الأسبق أحمد هارون، الذي يشغل الآن منصب والي ولاية شمال كردفان، بالإضافة إلى علي كوشيب، وهو زعيم مليشيا قبلية، تتهمها المحكمة بـ"مساندة" الحكومة في حربها.

لكن البشير سارع إلى وصف قرار بنسودا بأنه "استسلام لإرادة الشعب السوداني"، بينما طالبت وزارة خارجيته مجلس الأمن بإلغاء القرار 1593 الذي أحيل بموجبه ملف دارفور إلى المحكمة.

وأوضحت الخارجية أن السودان "يتمسك بموقفه القانوني السليم من حيث عدم انعقاد أية اختصاص للمحكمة الجنائية الدولية على السودان، باعتبار أنه ليس طرفا في نظامها الأساسي".

ورغم التفاؤل الذي بدا في تعليقات القادة الحكومين إلا أن خبراء تحدثوا لوكالة الأناضول وقتها رجحوا أن يفضي القرار إلى "تصعيد" مجلس الأمن للقضية.

وما عزز هذا الاحتمال قرار المحكمة في مارس/آذار الماضي إحالة ملف البشير إلى مجلس الأمن، بحجة "عدم تعاون السودان" معها.

وكانت حكومة البشير قد استبقت هذا القرار باختراق جديد على الصعيد الأفريقي، عندما جدد زعماء القارة في قمتهم التي عقدت في يناير/ كانون الثاني الماضي بأديس ابابا التزامهم بعدم التعاون مع المحكمة، وسط انتقادات للرئيس الكيني بسبب مثوله أمامها، تصدرها رئيس زيمبابوي، الذي يترأس الدورة الحالية للاتحاد الأفريقي "روبرت موغابي".

وعلى خلفية هذا الالتزام قرر البشير المشاركة في قمة الاتحاد الأفريقي التي عقدت يومي الأحد والإثنين الماضيين في جوهانسبيرغ، حيث منحته حكومتها ضمانات بتحصينه.

وما أعطى زيارة البشير أهمية ليس أن جنوب أفريقيا تتمتع بعضوية المحكمة الجنائية فقط، بل لأنها سبق وأن هددت رسميا في أغسطس/ آب 2009 باعتقال الرئيس السوداني، الذي كان يخطط للمشاركة في قمة أفريقية آنذاك.

ورغم الاستقبال الرسمي للبشير عندما وصل جوهانسبيرج، إلا أن محكمة جنوب أفريقية أصدرت أمرا مؤقتا بمنع البشير من مغادرة جنوب أفريقيا حتى تبت في أمر تسليمه للجنائية من عدمه بناء على دعوى رفعها نشطاء.  

ووسط اهتمام إعلامي غير مسبوق غادر البشير يوم الإثنين جوهانسبيرج قبيل صدور قرار المحكمة بشأنه، وهو ما رأى أستاذ القانون الدولي بخاري الجعلي أنه "سيضع حكومة جنوب أفريقيا في أزمة مع السلطة القضائية في بلادها، والتي تتمتع بالفصل بين السلطات الثلاث".

وأشارت وسائل إعلام جنوب أفريقية مسبقا إلة أن مغادرة البشير التي كانت متوقعة قبل صدور قرار المحكمة "سيجعل جهة ما متهمة بإهانة القضاء".

ورغم نبرة "الانتصار" على المحكمة التي طغت على تصريحات القادة الحكوميين بالسودان، عقب وصول البشير، وكان من بينها وصف وزير خارجيته إبراهيم غندور له بأنه "نجم قيادات أفريقيا"، اعتبر الجعلي أن "الجهات السياسية في السودان لم تكن موفقة في قرار مشاركة الرئيس البشير في القمة من الأساس".

وفيما قال غندور للصحفين  إن مشاركات البشير الخارجية "ستتواصل بلا توقف"، أشار الخبير القانوني في حديثه لوكالة الأناضول إلى أن التداعيات التي شهدتها جوهانسبيرج "تتطلب الكثير من الحذر مستقبلا لتفادي مثل هذه الأوضاع".

ومتفقا مع الجعلي قال عميد كلية العلوم السياسية بجامعة الزعيم الأزهري آدم محمد أحمد إن "مغادرة الرئيس لجوهانسبيرج قبل انتهاء جلسات القمة وقبل صدور قرار المحكمة يعتبر هزيمة وليس نصرا".

وأوضح في إفاداته لمراسل الأناضول أن "ملاحقة المحكمة الجنائية للرئيس البشير خفتت في الفترة الأخيرة لكن قرار المشاركة في قمة جوهانسبيرغ سينشطها".

ولم يستبعد أستاذ العلوم السياسية أن "تشهد الفترة القادمة تصعيدا من مجلس الأمن الدولي يحول دون زيارة الرئيس مستقبلا للدول الموقعة على ميثاق الجنائية الدولية".

الأناضول
(123)    هل أعجبتك المقالة (116)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي