أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

ِنحْن الحماصنة هيك...... حسن الصفدي

من غير المفهوم لماذا يُشغِل السوريون، وغيرهم من العرب، أنفسهم في أمر نسبتنا نحن الحماصنة إلى مدينتنا! فبعضهم يدعونا أهل حمص وهذا صحيح ونرحب به، والبعض يقول الحمصيين، وهذه تمشي على علاّتها. أما أن يصِّر البعض على أن اسمنا هو الحمامصة - وهذه مُحدَثة- فهذه ثالثة الأثافي؟ إذ لماذا تُحذف النون من اسمنا وتُضاف الميم إليه دون مسوّغ؟!

ربما كان ذلك لأننا نحن معشر الحماصنة نحب الضّم كثيراً، وخاصةً مدينتنا فندعوها حُمْصْ ومن ينطقها بالكسر فهو يتفاصح، أي يحكي بالفصحى، كما أننا نضم وقتي المُغرِب والعُشِي (العِشاء) لا جمعاً بل لفظاً. كما نحب أكل العُنِب، في حين يحب غيرنا أكل الجُوز فيكسر أسنانه.

ونحن، من شدّة الحرص، لا الاهتمام، نبادر فوراً إلى سؤال من نلقاه بشو أخبارك؟ وشوفي ما في؟ كيلا يفاجئنا بسؤال عن أمر ما يستهجنه الحماصنة، فيه غيبة (ما منحبا) أو طلب قرض حسن (منين يا حسرة، ونحن في غاية المديونية، والبنك فاتح لهالشغلة) أو الاستفسار عن قضية أو حادثة ما (ما منعرف، ما دخلنا، شو بدنا!) مما يجعلنا نبادر إلى بدء الإجابة عن السؤال بسؤال من باب التحفظ من التورط، وإذا ما شعرنا بإحراج يضطرنا إلى الإجابة، عما لا نحبّ المباسطة فيه، عندها نعمد إلى التعميم والإبهام كنوع من حُسنِ التخلص الموروث. فمثلاً عندما أوقفت إحدى الدوريات حمصياً أصيلاً وسألته: إلى أين أنت ذاهب؟. أجاب إلى دارنا.. وأين داركم؟. في الحارة.. أي حارة؟. اللي هونيك.. (وأشار بيده) هل أنت متزوج؟. نعم.. ممن؟. من مرة (امرأة).. وهل سمعت في عمرك أنّ أحداً تزوج من رجل؟! نعم هناك.. ومن هو؟ أختي....

وكما تعرفون ولابد، نحن الحماصنة ننطق الياء مفخّمة بملء الفم فلا نُرخيها، وقد اكتشفنا منذ زمن أن أهل صيدا ينطقونها مثلنا، وكذلك قيل إن هناك بلدة بين معلولا ودمشق تشابهنا في هذا. وكذلك نحن نحتفظ بكلمة تدمرية عتيقة هي "حبالتاي" بالياء الفخمة خاصتُنا. "حَبَلْ" بالتدمرية القديمة تعني"أسف".

وقيل أيضاً إن هناك منطقة في الحجاز يقول أهلها "حاجي عاد" مثلنا تماماً. وفي تونس يقولون "بَرْكة عاد". وفي أماكن أخرى هناك من يقول "بَسْ عاد". وهذه جميعها لا علاقة لها بقوم عاد. ومع ذلك فلدينا جمعية للعاديّات لحنيننا الشديد إلى عصرهم، ولكننا حداثيون في الممارسة، يشهد على ذلك شارع الحضارة، الذي فاق شارع الدبلان بمراحل، وهذا الأخير أسمته البلدية - منذ ما يعادل وسطي العمر عندنا- شارع "المتنبي" ولكننا نحن الحماصنة أعند من بلديتنا، ولن نتخلى عن ولعنا باسم الدبلان والعيون الدبلانة (الدّبَلي).

وقد انقلب بعض ولعنا التاريخي إلى ولع بالتاريخ فتأسس عندنا أول جمعية تاريخية. فنحن الحماصنة مؤسسين، نحب التأسيس، إذ كان عندنا أول نادي لأسرة التعليم في أوائل الخمسينات، وأول جمعية لمكافحة التسول (في الشرق، على ذمة البي بي سي) في آخر الخمسينات اسمها جمعية البر (لاحظ اللطف الحمصي) وأول جمعية تعاونية سكنية.

قد يصادف أن تلقى حمصياً يقول إن بعض أهل حارته، الذين عايشهم منذ الطفولة، مسيحيون والواحِد منهم نُصراني (ضم النون بحكم الإرث). وقبل وصول الحليب المجفف إلى عندنا، كانت أم أحمد من حارة الورشة في حي باب تدمر تقول لجارتها أم اليان: دخيلك خلّي كنتك ترضّع هالصبي لأنو أمو ما اجتها الدِرّة. أو أم قدّور من حارة تحت المادنتين في حي باب الدريب لجارتها: خدي يا أم مطانس خلّي بنتك ترضِِّع هالولد، لأنو أمو أكلت كام محشاية (محشية) ملفوف وانتفخ بطنا، وهلق الصبي جوعان وعم بيبكي، يخليلك أفنديكي (أبو مطانس من أفندية الحكومة). وأنا عندي خال لخالي بالرضاعة نُصراني، وزميلي الستيني في المديرية طلع أخ بالرضاعة لأبو موظفة جديدة مسيحية إجت لدائرتنا. إي سيدي الحماصنة فايتين ببعضن يا قرابة كرشة (من جهة الأم) يا رضاعة، واتركها لربك.

من المعروف أيضاً وداد الحماصنة لأهل سلمية، ويسمونهم السلامنة على وزن اسمنا الخاص. ومن حَسَبَك بْسِعرُه ما ظلمك!! فلماذا لا يقبل اللغويون هذا الوزن ذي الإيقاع اللطيف؟؟

وبمناسبة سلمية فحب الحماصنة لها تاريخي، بدلالة أن مآذن مساجد حمص العتيقة مربّعة. وجاء مُحدَثو النعمة والتوجيه، عفواً التعليم، فخربوا مآذننا التاريخية، وشيّدوا بدلاً منها مآذن اسطوانية اقتباساً من غيرنا. وليتهم يكتفون بذلك، بل تراههم يضعون لوحة كُتب عليها "جدد على نفقة أهل الخير في عام كذا". في حين يبني المساجد {مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَاليَوْمْ الآخِرْ} فغافلونا ثلاث مرات. مرّة لتدمير مآذننا الرائعة، ومرّة لأنهم أضاعوا تاريخ بناء المسجد لأول مرة، ومرّة لإيهامنا بأنهم من أهل الخير لإنفاقهم على هدم وتبديل مآذننا البديعة. فقد خيّل إليهم أن العمارات القادمة لن ترتفع أعلى من المآذن الجديدة..

وقد حدث مرة في أيام الأيوبيين أن طلب شيركوه نائب (السلطان في) حمص من ابن عمه تقي الدين نائب حماه أن يتخلى له عن سلميه ليضمها إلى حمص (أترون تاريخية الضم؟) فرفض تقي الدين وقال إنه سيحتفظ بها (لأن الحمويين محافظون).. فانزعج شيركوه وأمر ببناء جدار حجري على مخرج نهر العاصي من بحيرة قَطّينة ليحدّ من تدفق الماء فلا يصل إلى حماه إلا النذر اليسير. وعندما حلّ فصل الشتاء، ملأت سيول الفيضانات الغزيرة، في ذلك العام، بحيرة قطينة وانهار الجدار. وكان من نتيجة ذلك اتهامنا، تعسفاً، بأننا حاولنا وقف تدفق نهر العاصي إلى حماه بقشور البصل، بمعنى أن بناء ذلك الجدار، الذي انهار، أشبه برمي قشور البصل في النهر.

ومؤخراً انضمت إلينا مريمين فهل كان هذا تعويضاً متأخراً للحماصنة عن الرفض القديم!. على كل حال، نحنا لسّا بدنا سلميه والسلامنة منشان يصيروا مع الحماصنه، ما بدنا اياهم يتمو مع الحمويه، لاختلاف الوزن، حرام ما نْضُمّن...

وللحماصنة هِمّة في المشاركة بأفراح جميع معارفهم وأتراحهم، وتراهم يحفظون التعبيرات الخاصة، التي تُقال في مثل هذه المناسبات، على اختلافها وتنوعها، وأن كان الجيل الجديد قد حُفّظ كليشيهات موحدة، يراها الكبار أقل تعاطفاً من تلك المتنوعة، فعندما يعايدك أو يواسيك واحد من غير مِلّتك بألفاظك الخاصة، أو بألفاظه هو، فإنك تشعر أنك أمام شخص حميم لا مجامل. قد يقول قائل إن الناس جميعاً يقومون بواجباتهم الاجتماعية، أترون.. هناك من يحسبها واجبْ، والحماصنة يرونها مشاركة. وحتى لو تشابه أمر الناس، فعندنا في حمص هو غير شكل، غير طعم، وليحذر من يريد القول إن هذا تعصبْ، وأن الحماصنة متعصبين لمدينتهم، فهذا كلام غلط (وليس خطأ، لأن صاحبه لا يعرفنا كما ينبغي، واسألوا أهل الذكر) وليس مقبولاً من أحد اتهام حمص وأهلها بالتعصب، وهي المحبة تاريخياً لكل من قدم لزيارتها، والحنونة التي تضم كل من أتاهاً طالباً العمل أو العلم أو المصاهرة بالزواج من إحدى الحمصيات، هنا تنتظم القاعدة وينبسط اللغويون. وهذا واقع، فالحمصيات (ببراغماتيتهن) هن اللواتي يُجّلِّسونها كلما خربت، بجعل الحق على القطة في خطأ حصل، وبذلك يُكفى الحماصنة شرّ المشاكل وعواقبها، والصلح سيّد الأحكام. وربما يشير هذا الأمر إلى أن الحماصنة عندهم نزوع كامن إلى "الفيمينيست".

لعلمكم يمكن عدّ أهالي شرق وشمال وجنوب المحافظة حماصنة، في حين تنتهي حدود التسمية عند خربة التين، فباقي أهل مْغّرِب لا يعدّون أنفسهم حماصنة، ومع أن قسماً منهم يسكن في حمص من يوم قالوا بلى، تراهم يقولون: نحن ساكنين (لاحظوا 30-40-50- 60سنة ساكنين وليسوا مقيمين وقد تجاوزوا الأربعين يوماً!) لماذا؟ لا توجهوا السؤال للحماصنة فهم سيجيبون: ليش هالسؤال؟ شو بهمّك منه؟ شو رح تستفيد؟ شو بدك فِيّن؟ يصطفلوا هني أحرار. (أترون.. الحماصنة يقدّرون حرية الاختيار.. والتعددية كمان) وإذا أردتم معرفة السبب فعليكم بتوجيه السؤال إلى العاصمة الحبيبة التي نتدلل فيها.

أخيراً، من يريد التعرف كيف هم الحماصنة ما عليه سوى القدوم والمكوث أربعين يوماً في حمص العدّية (لا تسألوا عن معنى عدّية فليس من إجابة شافية) وهذا كفيل ليس بتعليمه فقط، بل بجعله حمصياً، والامتياز يأتي مع الزمن. والتجربة أكبر برهان..

 

النداء
(132)    هل أعجبتك المقالة (136)

رائع

2008-08-08

رااااااااااااااااااااااااائع .


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي