أمــة بــلا حـرمـــات
المطالبة بتوقيف البشير خطوة للمطالبة برأس السودان
طلب مدعي عام محكمة الجنايات الدولية إصدار مذكرة لتوقيف الرئيس السوداني عمر البشير، واقعة تستحق الوقوف عندها مطولاً، لدراستها واستيعابها، في إطار مسار الأحداث في المنطقة العربية التي لم تعد فيها حرمة للأوطان وللرجال. مهما علت مكانة هؤلاء الرجال في أوطانهم، التي أدت سياساتهم فيها إلى استمراء شعوبهم للذل والهوان والاستكانة أمام الغزاة الذين تعددت صور اقتحامهم لبلادنا وسيطرتهم عليها وإذلالهم لناسها عبر إذلالهم لقادتهم ومطاردة هؤلاء القادة، فقبل عمر البشير حاصر أعداء الأمة صاحب سلام الشجعان أعني الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، الذي أمضى سنواته الأخيرة معتقلاً في غرفة لا يستطيع أن يغادرها بعد أن قدم لمسيرة سلام الشجعان كل شيء. وعندما اكتشف أنه قدم ما قدمه مقابل أوهام وسراب لم يستطع أن يتراجع ولم يستطع أن يغادر سجنه، حتى قضى مقتولاً بسم شارك في دسه له بعض الذين رباهم على عينيه رغم أنه كان يعلم علم اليقين أنهم أقرب إلى أعداء الأمة من قربهم إليه، لذلك لم يترددوا بالتواطؤ مع العدو لقتله. تماماً مثلما تواطأ أقرانه من زعماء الدول العربية عليه، عندما قبلوا باستمرار حبسه في المقاطعة، وقبلوا بأن يعقدوا قمتهم بدونه. بل وقبلوا بما هو أكثر من ذلك عندما كان رد شارون على مبادرتهم للسلام التي أقرتها قمة بيروت باجتياحه للضفة الغربية.
ومثل ياسر عرفات وسجنه في المقاطعة حتى قتله كانت نهاية صدام حسين الذي انقلب من حليف لأمريكا أثناء الحرب الإيرانية العراقية إلى طريد ينتهي على أعواد المشانق صباح يوم عيد النحر. دون أن يرف لأقرانه في القمة العربية جفن. بل لعل الكثيرين منهم كانوا يستعجلون الخلاص منه مثلما كانوا يستعجلون الخلاص من عرفات، فكانوا عوناً على حصارهما تماماً مثلما كانوا عوناً على حصار شعوب الأمة سواء في فلسطين أو العراق أو ليبيا فقد تعودنا من سير الأحداث في بلادنا أن يصدر الغرب قراره بحصار هذا البلد العربي أو ذاك فنقوم نحن بتنفيذ القرار وتشديد الحصار. حدث هذا مع العراق ومع فلسطين ومع ليبيا ولا نستبعد أن يحدث ذلك مع السودان الذي صار رأسه مطلوباً ليس بسبب ما يتهم به بعض قادته من ارتكاب جرائم حرب، فلو كانت جرائم الحرب سبباً لمطاردة أحد لكان أول من يجب أن يõطارد سيد البيت الأبيض وأركان إدارته. على ما ارتكبته أيديهم في العراق وأفغانستان وغيرها من جرائم بحق البشرية، كما أن أول من يجب أن يحاكم قادة الكيان الصهيوني الذين لم يتوقفوا لأكثر من ستة عقود عن ارتكاب جرائم الحرب في فلسطين ولبنان وسوريا والأردن ومصر وفي غيرها من بلدان العالم التي ارتكب الصهاينة فيها جرائمهم، ومع ذلك فإن أحداً لم يحرك ساكناً لتقديمهم لمحكمة الجنايات الدولية، بل لقد حدث العكس فمنحوا الجوائز باعتبارهم أبطال سلام تماماً مثلما ترفض الولايات المتحدة أن يقدم أحد من قادتها أو جنودها إلى المحاكم على ما يرتكبون من جرائم حرب، وكأن الأمريكيين والإسرائيليين مخلوقات مميزة عن سائر البشر. لذلك نقول إن ما يتعرض له السودان من تضييق واتهامات وصلت إلى رئيسه ليس سببها جرائم الحرب المزعومة لكنها مؤامرة التجزئة التي تستهدف تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ في بلادنا. فكيف إذا كان السودان بمساحاته الشاسعة وبثرواته الضخمة وبكنوزه الواعدة التي يمكنها أن تحل مشكلة غذاء هذه الأمة ومائها؟ لذلك كله يتم استهداف السودان من قبل أعداء هذه الأمة، الذين لا تعدمهم الحيلة لخلق تبريرات وأدوات لتنفيذ مخططاتهم تحت ذرائع ومسميات المجتمع الدولي. الذي صارت منظماته أدوات لضرب أمتنا ابتداء من هيئة الأمم المتحدة التي قسمت فلسطين، مروراً بمجلس الأمن والذي وفر الغطاء لتدمير العراق تعريجاً على محكمة الجنايات الدولية التي صارت سيفاً مسلطاً على رقابنا وصولاً إلى منظمات حقوق الإنسان التي صارت توفر التبريرات لأعدائنا كي يضربوننا، مما يستدعي من الأمة وقفة جادة وحازمة من هذه المنظمات التي صارت تكيل بمكيالين أحدهما ضد امتنا والآخر لمصلحة أعدائها تبريراً لعدوانهم واحتلالهم لأرضنا كما هو الحال في فلسطين والعراق وغيرهما في زمن صار يحتكم إلى منطق القوة وليس إلى منطق الحق والقانون والعدل.
إن ما يجري للسودان ليس سببه جرائم الحرب المزعومة. لكنه جزء من مسلسل ابتزاز الأمة وتضييق الخناق عليها لمنعها من حل مشكلاتها خاصة على الصعيد الاقتصادي. الذي يمكن أن يلعب فيه السودان دوراً بارزاً خاصة على الصعيد الغذائي في زمن صار فيه الغذاء مشكلة عالمية تسعى قوى الاحتكار العالمي لمنع حلها لذلك فإنها تستهدف السودان الذي يمكن أن يشكل جزءاً كبيراً من الحل وهي من وراء استهدافها هذا للسودان تسعى أيضاً لإقامة جسر إنقاذ مائي لإسرائيل عبر السيطرة على منابع النيل كجزء من أحكام الحصار على الوطن العربي وإشغاله بمعارك جانبيه مع جيرانه عن معركته الرئيسية مع إسرائيل، لذلك كله فإن المطلوب الآن أن تهب الأمة كلها للوقوف إلى جانب السودان حتى وإن اختلفت مع نظامه السياسي، فالأصل هو حماية الأوطان حتى لا يضيع المزيد منها، ونصرة الشعوب حتى لا يتشرد المزيد من أبنائها والقعود عن نصرة بعضنا لبعضنا الآخر يجعلنا ندرك متأخرين مقولة أكلت يوم أكل الثور الأبيض.
وإذا كنا ندعو إلى نصرة السودان فإننا نرى أن هناك فرصة تاريخية لتحويل السودان إلى نموذج جديد من نماذج المقاومة الشعبية، وقاعدة جديدة من قواعد ثورة الأمة ضد الاحتلال. وعندي أن المقاومة الشعبية هي سفينة النجاة لأمتنا بعد أن اختل ميزان القوى بينها وبين عدوها ولم يعد من سبيل لمعالجة هذا الاختلال إلا بالمقاومة الشعبية ولنا في لبنان والعراق خير مثل ونموذج.
وإذا كنا ندعو إلى المقاومة الشعبية فإننا نحب أن تكون هذه المقاومة شاملة تبدأ من اتخاذ موقف حازم من المنظمات الدولية التي صارت سلاحاً بيد عدونا مروراً بالمقاطعة الاقتصادية وصولاً إلى المقاومة المسلحة
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية