سبق وكتبت كثيراً عن المؤسسة العسكرية في الأردن، وأنا لا اخفي أبداً حبي للعسكريين والمؤسسة العسكرية عموماً وخاصة الجيش، لأنه وكما قلت سابقاً فإن من اختار العسكرية قد اختار الموت، فإن لم يسقط شهيد الواجب فإنه على أقل التقديرات يضحي بالكثير الكثير من الأشياء أبسطها حياته المدنية بكل ما فيها من سهولة وأريحية مقارنة بالانضباط والجهد الكبير والواجبات الصعبة التي توكل بالعسكري، ولعل من أكثر ما يؤخذ على المؤسسة العسكرية الأردنية هو أنها كثيراً ما لا تعد أبناءها للعودة للحياة المدنية، فالعسكري الأردني في الأغلب الأعم يتقاعد قبل أن يتم الخمسين عاماً أي أنه جسدياً وذهنياً لا يزال شاباً وبالتالي تظهر أمامه تحديات كبرى أهمها إيجاد فرصة عمل يشغل بها فراغه وتؤمن له دخلاً يساعده في مواجهة الظروف الاقتصادية التي تزداد صعوبة، وللصدق فإن لمؤسسة المتقاعدين العسكريين دوراً كبيراً محموداً في هذا المجال، لكن تتجلى المشكلة في عدم تعاون الجهات الأخرى فعلى سبيل المثال صعقت قبل أيام قليلة عندما علمت أن راتب المتقاعد العسكري الذي يعمل في وظيفة رجل أمن في وزارة المياه مثلاً هو 150 إلى 160 ديناراً شهرياً بدوام يمتد من السابعة صباحاً وحتى الرابعة مساءً أي يمتد أكثر من ساعات دوام المؤسسات الحكومية بساعتين فيما العامل الوافد في ذات المؤسسة لا يقل راتبه عن 200- 220 ديناراً وساعات دوامه تعادل وقد تقل أحياناً عن ساعات عمل المؤسسة، ثم ازداد ذهولي ودهشتي عندما علمت أنه وبعد مفاوضات ومطالبات تمت بين مؤسسة المتقاعدين العسكريين وبعض المؤسسات الحكومية فقد وافقت تلك الجهات على زيادة رواتب العسكريين العاملين بها نحو ثلاثة دنانير!!
طبعاً ليكون معلوماً أن راتب المتقاعد العسكري في المؤسسات الحكومية لا تطاله أي حوافز أو علاوات أو زيادات، اللهم إلا ما سمعته عمن يعملون في مؤسسة الجمارك حيث تطالهم بعض خيرات المؤسسة، أما سوى ذلك فالجميع يعمل بـ 150 ديناراً شهرياً وبعد جهد جهيد حصلوا على زيادة 3 دنانير على الراتب الشهري.
العسكري كما الموظف المدني طبعاً يفني عمره في خدمة وطنه ويكون في أي لحظة مستعداً للتضحية في سبيله لكن الموظف المدني يتميز بأنه عندما يتقاعد فهو دائماً يملك خبرات ومؤهلات وقدرات تمكنه من الاستمرار في سلك الحياة المدنية بسهولة وغالباً ما يتقاعد المدني وهو في مرحلة الشيخوخة، أما العسكري فهو يتقاعد شاباً فتياً لكن دون مؤهلات تمكنه من الاستمرار في حياته العملية، ويضطر إلى القبول بوظيفة متواضعة مثل وظائف الحراسة في المؤسسات، ويضطر بموجبها إلى التعامل مع عشرات إن لم يكن مئات من الأفراد يومياً وأحياناً احتمال الكثير من الأذى المقصود أو غير المقصود منهم في سبيل 150 ديناراً قد لا تكفيه ثمن خبز لعائلته أو مواصلات إن كان يقيم في قرية أو مدينة تبعد عن مكان عمله، هذا بعد أن يكون قد قضى 20عاماً أو يزيد وهو موضع احترام وإجلال ومصدر للهيبة وقد يكون آمراً لعدد من الجنود أو قائداً لوحدة عسكرية، ثم ينتهي به الحال حارساً على باب مؤسسة ويقبل في سبيل أن يعيش، وبعد هذا نكافئه براتب أقل من راتب العامل الوافد فأين العدل وأين الإنصاف وأين العقل والمنطق من ذلك كله؟؟
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية