ما أن تتم الدعوة إلى عقد اجتماع يتعلق بالقضية الفلسطينية وخاصة تلك التي صارت تسمى المؤتمرات الاقتصادية حتى تنهال التوقعات بأحجام المبالغ المالية التي سيتم رصدها وكيف سيكون تأثير هذه المبالغ على الوضع العام في فلسطين من حيث التطوير والتنمية والرفاهية وانتهاء الأزمة الاقتصادية الخانقة، ووضع حد لحالة البطالة المستشرية في الأراضي المحتلة، وقد بالغ البعض بالتوقعات إلى الدرجة التي صار يعتقد معها بان الأراضي الفلسطينية ستصبح سويسرا المنطقة، ناسيا أو متناسيا بان هذه الأراضي لا زالت ترزح تحت احتلال بغيض منذ ما يزيد على الأربعة عقود، وان لا إمكانية ليس فقط لاقتصاد ناجح لا بل لا إمكانية لنجاح أو تقدم لأي شيء في ظل احتلال بمثل "قباحة وفاشية" الاحتلال الإسرائيلي.
هذا الحديث عن الأرقام وتحسين أو تحسن الأوضاع ينسحب على معظم إن لم يكن كل الزوار الرسميين الذين يأتون لزيارة الأراضي الفلسطينية المحتلة، فهم خلال وقبل وبعد وصولهم واجتماعاتهم مع المسؤولين الفلسطينيين "يهرونا وعود" بأموال لا حصر لها، وان الأوضاع الاقتصادية في هذه الأراضي لا بد لها من تغيير وتطوير وتنمية، ولا بد من تشغيل آلاف العمال الذين يعانون من البطالة سواء الحقيقية أو تلك المقنعة، وقد كان من بين من شرف إلى المنطقة ووعد بتقديم مثل هذه المساعدات السيد رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون الذي وعد بتقديم 60 مليون دولار للسلطة الفلسطينية. والمثير أن موضوع تقديم منح للشعب الفلسطيني صار محل تَبارٍ أو تَباهٍ حتى لا نقول دجل وكذب - في باريس وصل الرقم إلى ما يزيد على سبعة مليارات دولار، لكن كم وصل وكم سيصل منها إن وصل وكم سيبقى مما سيصل بدون لهف وسوء استخدام وهدر وسرقة- بين هؤلاء الزوار وكأن المشروع الفلسطيني أصبح موضوعا غير مرتبط بقضية ووطن وطموحات سياسية وحقوق لا يمكن التنازل عنها - أو هكذا يتم الترديد على مدى سنوات المسالة الفلسطينية- وشعب مشتت في أصقاع الدنيا، وانه تحول إلى مشروع "للشحدة" وانه إذا ما حلت المسالة الاقتصادية فهذا يعني أن الإشكال الفلسطيني أصبح قاب قوسين أو أدنى من الحل الكامل والشامل أو الجذري.
لقد صار هناك ما يشبه الإجماع - على الأقل في الدول الغربية- بان الإشكال الفلسطيني في جزء كبير ومهم منه ليس صراعا على وطن أو قضية بقدر ما هو إشكال اقتصادي، وأنه وإذا ما تدخل العالم لحل هذا الإشكال فان باقي المسائل تصبح في غاية السهولة وتحت السيطرة، ويمكن التعامل معها بشكل يسير، لكن هل هذه هي الحقيقة أو هل هذا هو الواقع؟، وهل إذا ما تم حل الإشكال الاقتصادي فان بقية المواضيع في متناول اليد وقابلة للتداول والحل؟، نعتقد بان الإجابة معروفة ولا داع للفذلكة في هذا الموضوع، فهي لن تحل حتى ولو تم ضخ أموال العالم في فلسطين لان القضية كما نفهمها مرتبطة بحقوق "أوادم وأناس تشردوا منذ ستة عقود وعانوا الأمرين على أيدي قوات الاحتلال وهناك مجازر وألم ومعاناة لحقت بالشعب الفلسطيني على أيدي قادة الكيان العبري ويجب ملاحقتهم" ووطن وطموحات سياسية وهناك دول كبرى وغير كبرى غربية وعربية متورطة بكل ما حدث، هذا عدا عن أن هذا الإشكال إذا جاز لنا أن نسميه كذلك مرتبط بخطط وأهداف إستراتيجية غربية ومن اجلها تمت إقامة دولة الاحتلال على الأرض الفلسطينية، فهل إذا ما حل المشكل الاقتصادي تنتهي كل المسائل ويتصالح الناس وكأن شيئا لم يكن.
في الأوضاع العادية أو الطبيعية لا اعتقد بان عاقلا يمكن أن يفكر أو أن يقول لمن يرغب في تقديم مساعدة للشعب الفلسطيني أن هذا الشعب لا يريد أو لا يستحق أو لا يرغب في مثل هكذا مساعدة، لكن هل الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة هي فعلا طبيعية ولا تختلف عن الأوضاع في الدول المجاورة أو حتى في الدول البعيدة والتي هي فعلا بحاجة إلى ضخ المساعدات وتقديم المنح المالية وغير المالية؟ ونحن هنا لا ندعو أو نطلب من احد أن يتوقف عن تقديم المساعدة للشعب الفلسطيني، إلا أننا نحاول أن ننبه إلى أن هذه المنح والهبات أو المساعدات يجب أن تكون بدون مقابل أو ثمن وخاصة سياسي، وإلا فإنها كلها وكما نراها تبقى أموالا أو مساعدات مشبوهة غير نظيفة ومغرضة ولا تنم عن مشاعر ود تجاه الشعب الفلسطيني بقدر ما هي جزء من مؤامرة كبرى تحاك في عز الظهيرة وبموافقة كافة الأطراف الغربية والعربية والفلسطينية وخاصة تلك المستفيدة من مثل هذه الأموال والمساعدات.
المثير في موضوع المساعدات للفلسطينيين أنها صارت جزءا من العقاب للشعب الفلسطيني بدلا من أن تكون جزءا من معالجة الوضع والوصول به إلى نهاية أو حل عادل للمشكلة الفلسطينية، ونحن هنا لا يغامرنا شك بان كل الأموال التي تصل لا يمكن إن تساعد على حل المسالة الفلسطينية إذا ما بقيت تقدم بنفس الطريقة وبنفس الشروط، وهي بتقديرنا أموال يتم دفعها بالنيابة عن دولة الاحتلال هذا الاحتلال الذي أراد البعض أن يصوره على انه انتهى بمجرد دخول السلطة وتشكلها في الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد اتفاقيات اوسلو البغيضة والتي ظن الكثير من الناس في العالم وحتى من بين أبناء فلسطين أنها المقدمة للحرية علما بأنها كانت البداية لمرحلة من الخداع والكذب والتضليل غير المسبوق في تاريخ الصراع ولا زالت.
لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يقوم اقتصاد جيد أو استثمارات آمنة في ظل وجود احتلال فكيف إذا كان هذا الاحتلال من قبل دولة إسرائيل التي تعتبر نفسها فوق كل الأعراف والقوانين والاتفاقات الدولية. فعندما عقد ما سمي بمؤتمر بيت لحم الاقتصادي تم الترويج له بشكل غير مسبوق في الإعلام الفلسطيني، وخرج السيد رئيس الوزراء وغيره - ممن أراد لهذا المؤتمر الانعقاد بهذه الطريقة أو لتحقيق صفقات معينة تحقق أغراضا وطموحات شخصية أو شركات بعينها- بتقديرات غير عادية وبمشاريع سوف تكون هي الرافعة التي ستكون سندا للاقتصاد الفلسطيني، لكن من سمع بعض رجال الأعمال الذين شاركوا في المؤتمر وكيف ينظرون إلى قضية الاستثمار في ظل الاحتلال، أدرك أن هؤلاء ليس لديهم الاستعداد للمغامرة بأموالهم في ظروف كهذه التي تعيشها الأراضي المحتلة، وأشار بعضهم إلى أن إسرائيل لم تتردد في تدمير الكثير من المشاريع التي تم بناؤها من قبل الاتحاد الأوروبي، فكيف لهم أن يشعروا بالأمان في ظل دولة تمارس البلطجة ليل نهار، وعلى هذا الأساس فقد قال بعضهم بان فلسطين بحاجة إلى استثمارات وقد تكون ضخمة لكن ليس ما دام الاحتلال قائما وإنما بعد زوال الاحتلال.
واقع الحال يقول بان إسرائيل لم تتردد بتدمير الكثير من المشاريع الاقتصادية التي تم تأسيسها بعد دخول السلطة بأموال الدول المانحة، علما بان إسرائيل هي الدولة المسؤولة عن هذه المناطق ما دمت تحت احتلالها وهي وبدلا من أن تقوم بتطوير المشاريع والبنى التحتية قامت بتخريبها وتدميرها والعمل على ربط الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الإسرائيلي، بحيث أصبح هذا الاقتصاد يتبع بشكل كامل اقتصاد دولة الاحتلال، ونعتقد بأنه ومن اجل الخلاص من ذلك فقد يلزمنا سنوات بمثل عدد سنوات الاحتلال إن لم يكن أطول من اجل التخلص من هذه التبعية، هذا فيما لو افترضنا حسن النية بدولة الاحتلال ومن أنها لن تقوم بخطوات معاكسة لما قد يتخذه الفلسطيني أي فيما لو لم تقم بأي عمل مضاد ووقفت "تتفرج ولم تحرك ساكنا" على ما يقوم به الفلسطيني من اجل التخلص من تلك التبعية!!
نحن نعلم بان التجارب الاحتلالية كثيرة في هذا العالم، ونعلم كذلك بان التجربة الفلسطينية مع الاحتلال ليست الأولى ولو أنها من التجارب الاحتلالية الأخيرة في هذا العالم، لكننا نعتقد بأنها تجربة مختلفة ومتميزة من حيث طول فترة الاحتلال والمؤامرات التي امتدت إلى عشرات السنين قبل احتلال الضفة والقطاع، عدا عن كونها تجربة مختلفة من خلال أن هذا الاحتلال هو احتلال استيطاني إحلالي يهدف إلى اقتلاع أبناء فلسطين من أرضهم التاريخية وإحلال عصابات قادمة من مختلف بقاع العالم مكانهم، ومن هنا تكمن ربما الإشكالية الأكثر تعقيدا في الوضع الفلسطيني.
كذلك نحن ندرك بان العديد من الدول لم تنل استقلالها هكذا بشكل كامل وعلى دفعة واحدة بل تم ذلك بالتدرج من خلال اتفاقيات كانت تربط الدول الواقعة تحت الاحتلال بالدول الاستعمارية، إلا أننا نعتقد بأنه حتى في تلك الحالات فقد كانت الدول الاستعمارية تكون مسؤولة بشكل مباشر عن الدولة الواقعة تحت احتلالها ولم تكن ترفع يدها أو تتخل عن مسؤولياتها كدول استعمارية بغض النظر عن الكم أو الكيف، فهي كانت تظل مسؤولة وهذه عمليا كانت القاعدة المتبعة وهذا هو الواقع الذي كان سائدا حتى هنا في فلسطين إلى أن اختلفت الصورة مع دخول السلطة الفلسطينية أو تشكل هذه السلطة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
إن وجود السلطة الفلسطينية في الأراضي المحتلة لا يعني أن هذه الأراضي قد حصلت على استقلالها، بغض النظر عما يمكن أن يقوله رجال السلطة أو التابعين والمؤيدين لها، وبغض النظر عما يقال عن هذه الايجابيات أو تلك السلبيات، فالأراضي الفلسطينية لا زالت وبحسب كل القوانين والأعراف الدولية أراض محتلة ولا زالت تحت مسؤولية دولة الاحتلال، وهذا ينطبق على قطاع غزة وذلك حتى لا ينخدع من يمكن أن يتم خداعه في هذا الإطار، وهو أن قطاع غزة في الحقيقة ليس سوى سجن كبير تتحكم به دولة الاحتلال الإسرائيلي من الخارج أو عن بعد، وهي عندما خرجت منه في خطوة أحادية الجانب لا يعني انه صار إقليما مستقلا بقدر ما يمكن أن نسميه احتلال من بعيد وبالسيطرة عن بعد عليه، فهو محاصر من كل الجهات ومن السماء والبحر من قبل إسرائيل ويجب على احد ألا يحاول الخداع من خلال الترويج بان قطاع غزة أصبح أراض محررة وانه يتمتع بالسيادة كما "الأقاليم أو الدول المستقلة وذات السيادة" لأنه بذلك إنما يرفع المسؤولية عن إسرائيل.
لكن ما الذي يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ أن قامت أو تأسست السلطة الفلسطينية في العام 1994، الواقع يقول بان إسرائيل ومنذ ذلك الحين رفعت يدها ومسؤولياتها عن الأراضي المحتلة وكان ذلك بمساعدة السلطة سواء كان ذلك بحسن أو بسوء نية، تحت ذرائع وأسباب واهية لا تستند إلى أي أسس متينة أو مقنعة وتحت مقولة أو عنوان السيادة الفارغة، وكذلك بمساعدة دول العالم وفي مقدمتها أميركا التي لا نعتقد بأنها لديها أي حسن نوايا تجاه الشعب الفلسطيني أو الأمة العربية أو حتى دول العالم الثالث أو المتخلفة بشكل عام فهي - أميركا تحديدا- تريد السيطرة على العالم وتبقيه في حالة من التبعية ليس إلا.
1-8-2008
أموال الدول المانحة أهداف مشبوهة وأغراض خبيثة(2)
السلطة الفلسطينية في حقيقة الأمر وبحسب ما نراه ليس أكثر من روابط قرى مطورة أو بصلاحيات أوسع من روابط القرى - النسخة الأصلية- وقد تكون بعض التسميات اختلفت - عملية تطور أو تطوير طبيعي أليس كذلك- فقد كانت تسمى روابط القرى وهي الآن تسمى سلطة فلسطينية - لا يوجد في الاتفاق بين إسرائيل والسلطة كلمة وطنية- أي أنها السلطة الفلسطينية وليس السلطة الوطنية الفلسطينية- وبدلا من تسمية مختار صارت التسمية وزير، وبدلا من أن يقوم المواطن الفلسطيني بالاتصال مباشرة مع الضابط الإسرائيلي - شلومو أو سواه- من اجل انجاز معاملة ما، صار هناك مندوبا يسمى ضابط ارتباط فلسطيني - محمد أو غيره..- يقوم بالاتصال بالإسرائيلي، أي أن المسالة صارت فيها نوع من التنظيم والتدرج ربما أكثر مما كان عليه الأمر قبل دخول السلطة أو تشكلها.
في السابق كان شلومو يقوم بعمله من خلال مكاتب موزعة في مدن الضفة الغربية وقطاع غزة ويتم تقديم المعاملات إليه مباشرة من خلال المواطن الفلسطيني عبر شباك المراجعة في هذه الدائرة أو تلك، أما الآن وبعد أن تشكلت السلطة صار يداوم في مكان ما داخل إسرائيل أو في أي مكان في المستوطنات الإسرائيلية مثل بيت ايل أو كفار عصيون ويقوم المواطن الفلسطيني بتقديم المعاملات للضابط محمد في مكان عمله في المدينة الفلسطينية الذي يقوم بدوره بجمع هذه المعاملات وإرسالها إلى الضابط شلومو - من خلال اليد أو الهاتف أو البريد الاليكتروني ليس مهما- وبعد أن يقوم الجانب الإسرائيلي بالتدقيق والتمحيص بنفس الطريقة والآلية السابقة يقوم بإعادة الملفات بالموافقة أو الرفض أو أي قرار يتخذه الجانب الإسرائيلي، طبعا هنا نحاول أن نوضح بعض المسائل حتى تكون الصورة واضحة لمن لا يعرف وخاصة لأولئك الذين هم فعلا لا يعرفون أو أنهم يعتقدون أو توهموا للحظة بان المسالة أو القرار بيد الفلسطيني.
ضمن السياق ذاته وحتى تكون الصورة أكثر وضوحا وربما أكثر سوادا وتشاؤما، هل يستطيع أي مسؤول فلسطيني مغادرة الأراضي الفلسطينية دون إذن من الإسرائيلي وهل هنالك إمكانية لان يدخل أي فلسطيني أو عربي أو أجنبي إلى الأراضي الفلسطينية دون موافقة الإسرائيلي- لا بد من أن نعيد إلى الأذهان أن المرحوم ياسر عرفات لم يستطع مغادرة المقاطعة من اجل حضور مؤتمر القمة العربية في بيروت، ولم تستطع كل دول العالم أن تضمن عودته إلى الأراضي الفلسطينية فيما لو غادر لحضور ذلك المؤتمر- ولا بد من الإشارة ولو من باب التذكير فقط بان العالم كله شاهد رئيس الوزراء إسماعيل هنية وعندما غادر عبر معبر رفح وأراد العودة إلى قطاع غزة شاهده وهو يجلس على كراسي أو مقاعد المهانة الرثة في انتظار الموافقة الإسرائيلية له للدخول في منظر كان فيه الكثير من الإذلال الذي مس مشاعر الشعب الفلسطيني كله ليس لأنه هنية ولكن لأنه أو من المفترض انه رمز فلسطيني أو احد رموز "السيادة" الفلسطينية.
وبالعودة إلى المنح والهبات التي يتم تقديمها للشعب الفلسطيني من الدول الغربية المختلفة فكما أسلفنا لا احد ضد ذلك إذا كان يتم بدون شروط وغير مرتبط باشتراطات محددة، أما أن يأتي وزير الخارجية البريطاني السيد براون أو سواه من الساسة الغربيين ليقول بأنه يقدم ما يقدمه دعما للسلطة الفلسطينية فهذا لن يغير من الأمر أو الواقع شيئا، فهو إنما يقوم بدفع تكاليف أو أموال يجب أن تكون من الخزينة الإسرائيلية، ويبدو أن السيد براون يعتقد بأنه بهذا المبلغ إنما "يتمنن" على الشعب الفلسطيني، والحقيقة أن هذا المبلغ وسواه هو عمليا من أموال الشعب الفلسطيني التي استولت عليها بريطانيا خلال فترة انتدابها أو استعمارها لفلسطين، كما أن هذا المبلغ لا يساوي ولو جزءا بسيطا مما عاناه طفل أو امرأة أو عجوز فلسطيني على يد قوات بلاده التي استباحت الأرض الفلسطينية في تلك الحقبة من الزمن، وهذا المبلغ لا يساوي نقطة دم سفحت من مناضل فلسطيني قتلته القوات البريطانية خلال نفس الفترة، وهي لا تساوي شرف واحدة من حرائر فلسطين اغتصبت على أيدي القوات البريطانية أو العصابات الصهيونية التي سمحت بلاده بقدومها إلى فلسطين وهي لا تساوي أي جزء من معاناة فلسطيني تسبب هو وحكومته فيها حيث أن الأصل في كل معاناة الشعب الفلسطيني هي بريطانيا التي منحت ما لا تملك إلى من لا يستحق، وعلى براون ومن خلفه ومن قبله بريطانيا الشعور بالعار والندم لما قامت به بلاده في هذه الأرض، وعليه أن يدرك أن ما يتعرض له الشعب الفلسطيني منذ 1917 حتى اللحظة إنما كانت مملكته هي سببه، وعليه بالتالي ألا يشعر بالتباهي والتفاخر بان بلاده تقدم هذا المبلغ لمساعدة الفلسطينيين، لأنه إنما يدفعه نيابة عن دولة الاحتلال التي من مسؤولياتها كل ما هو موجود في الأراضي المحتلة كما ان عليه أن يدرك أن ما يدفعه إنما هو أصلا للشعب الفلسطيني من دين في رقبة بريطانيا التي نهبت البلد وقتلت وجوعت وشردت قبل أن تسلمها إلى عصابات لا تعرف الرحمة أو الشفقة.
نقول هذا لان الموضوع الفلسطيني لا زال - على النار- ومن حق الشعب الفلسطيني أن يطالب بريطانيا بالتعويض عما ألحقته بهذا الشعب عندما قامت باحتلال بلاده ومن ثم تسليمها إلى العصابات الصهيونية- إن مسالة اعتذار بريطانيا وتقديم تعويض للفلسطينيين يجب أن تظل موجودة في قلوب وعقول الفلسطينيين ويجب ألا يطوي هذه القضية النسيان، أو لم تقم إسرائيل بالضغط على البابا من اجل تقديم اعتذار عما لحق باليهود قبل ألفي عام وقام فعلا بذلك، على الفلسطيني ألا ييأس من هذه القضية وان يطالب بها في كل مناسبة إلى أن تستجيب بريطانيا لذلك.
من المفروض أن تكون دولة الاحتلال هي المسؤولة عن تقديم كل الخدمات الصحية والتعليمية والمياه والكهرباء وكل الخدمات الضرورية للمواطن الفلسطيني الواقع تحت السيطرة الإسرائيلية، وهذا معروف ومنصوص عليه في كل الاتفاقات الدولية وهذا ما كانت تقوم به دولة الاحتلال حتى دخول السلطة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 994 حيث تخلت إسرائيل عن كل هذه الالتزامات واستطاعت إسرائيل بذكاء أن تحمل كل ذلك للعالم الذي صار يدفع بالنيابة عن إسرائيل هذه التكاليف وصار الاحتلال بالنسبة لإسرائيل بدون أية تكاليف تذكر لا بل صار ارخص احتلال في هذا الكون.
الحديث عن مناطق سيادة فلسطينية وكل التقسيمات الفارغة التي نصت عليها الاتفاقات مع إسرائيل ليس سوى حبرا على ورق وخداع مارسته إسرائيل بشكل كبير، فهي تقوم بشكل يومي بانتهاك ما يقال عنه انه مناطق سيادية فلسطينية، وهي تنتهك كل شبر فلسطيني تحت ما يسمى سيادة السلطة، وكل التقسيمات التي وردت ليس سوى لذر الرماد في العيون، ولإيهام العالم بان إسرائيل تجنح إلى السلم، ولكي تتخلص من أعباء وميزانيات بمئات الملايين من الدولارات كان يجب أن تخرج من الخزينة الإسرائيلية.
عندما نقول بان الاحتلال الإسرائيلي أصبح مجاني وبدون فواتير تدفع من الخزينة الإسرائيلية، ليس رغبة منا بالتجني على احد، أو رغبة منا اتهام احد، لكن لان الواقع يقول أن الاحتلال قائم ولا زال البسطار الإسرائيلي على الرقبة الفلسطينية.
في شهر مايو من العام 2006 قال العميد الإسرائيلي ايلان باز الذي تقاعد من الخدمة العسكرية الإسرائيلية قبل ذلك بشهر تقريبا وكان يشغل منصب رئيس الإدارة المدنية في منطقة الضفة الغربية "يهودا والسامرة" وقائد لواء جنين ورام الله سابقاً، وخلال لقائه مع بعض الفلسطينيين في فندق الامبسادور في الشيخ جراح قال: "إذا انهارت السلطة، لن تستطيع إسرائيل أن تبقى صامتة بلا حراك بينما يتواجد 3 مليون فلسطيني في "المناطق"، ولابد من عودة إسرائيل لحكم هذه "المناطق". وتابع يقول: "إن إعادة الحكم العسكري الإسرائيلي لهذه "المناطق" يعني تكلفة إسرائيل 12 مليار شيقل" أي حوالي 4 مليار دولار. هذا ما قاله العميد الإسرائيلي، إذن وعلى اعتبار صدقية الرقم، هذا إن لم يكن اكبر من ذلك بكثير، مضاف إلى ذلك ما يمكن أن يشكل هذا الاحتلال "المعاد" على اعتبار أن "المناطق محررة" من إحراجات على المستوى الدولي والعلاقات العامة والإعلام وما إلى ذلك.
الجنرال الإسرائيلي تحدث فقط عن المبالغ المالية التي يمكن أن تتحملها الخزينة الإسرائيلية نتيجة إعادة نشر قواتها في الضفة الغربية، وهو لم يتحدث عما يمكن أن يلحق بهذه القوات من إصابات وقتلى وجرحى بسبب تواجدها وانتشارها المكثف في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
على أي حال فإننا عندما نورد هذا الرقم فلان من أورده بداية هو جنرال إسرائيلي، ولان فيه من الدلائل على أن تكلفة الاحتلال أصبحت مجانية ولان العالم يدفع ما يجب أن تدفعه إسرائيل، بالإضافة إلى أن هذا ليس سوى جزء فقط من تكلفة الاحتلال، حيث أن ما تحدث عنه الجنرال كان محصورا في تكلفة إعادة انتشار القوات الإسرائيلية، ومن هنا نقول للسيد براون ومن هم على شاكلته بان ما تدفعونه إنما هو مساهمة في رفع الأعباء عن دولة الاحتلال، وأنكم تساهمون بهذا الاحتلال سواء أعلنتم عن ذلك أم لا، وأنكم شركاء كنتم ولا زلتم في الاحتلال وأنكم جزء لا يتجزأ من منظومة الأعداء لهذا الشعب ولهذه الأمة.
لا شك بان السلطة الفلسطينية وبدخولها أو تشكلها في الأراضي المحتلة أزاحت عبئا ثقيلا عن كاهل دولة الاحتلال، وهنا لا نريد أن نورد ما ليس له علاقة بالثمن الاقتصادي أو المالي في هذا السياق والذي تخلصت إسرائيل منه، ولا بد هنا من التذكير أو الإشارة إلى أن هنالك من الدراسات التي تتم في أكثر من عاصمة أو مدينة أوروبية وغير أوروبية حول تحسين الأوضاع الاقتصادية للفلسطينيين ليس فقط في الأراضي الفلسطينية لا بل وفي الشتات، حيث يعتقد من يقومون بهذه الدراسات بان إصلاح أو تحسين الوضع الاقتصادي للفلسطينيين قد يساعد على التخلص من الكثير من المشاكل والتي على رأسها المطالبة بحق العودة، لا بل إن هنالك دراسات تحدثت عن أرقام بعينها من اجل التعويض على الفلسطينيين من اجل التخلص من موضوع حق العودة وأشارت إلى أن دولا عربية خليجية تساهم في تلك الدراسات، وأنها يمكن أن تساهم بشكل كبير في دفع مبالغ كبيرة في قضايا التعويض خاصة في ظل الطفرة في أسعار النفط التي حدثت خلال هذا العام تحديدا.
إننا نعتقد بان كل هذه المشاريع وكل ما يتم تقديمه للفلسطينيين ليس سوى جزء من ثمن يعتقد على نطاق واسع انه سيخفف من المواجهة مع الدولة العبرية، وانه قد يخفف من الإحساس بالظلم الذي يشعر به الفلسطيني في الأراضي المحتلة بشكل خاص علما بان هذه الأموال التي يتم دفعها يتم استخدامها من اجل الضغط على الفلسطينيين ممثلين بالسلطة من اجل الخضوع لضغوط واشتراطات لم يكن ممكنا قبولها في السابق، كما أنها وبحسب الكثير من المراقبين والمحللين ساهمت في انتشار الفساد في المستويات المختلفة في السلطة عدا عن أنها خلقت طبقة من المستفيدين ورجال الأعمال الذين صار لهم مصلحة في استمرار الوضع على ما هو عليه، وان إسرائيل نجحت إلى حد كبير في تحويل الكثير من رجال الثورة إلى رجال للإعمال.
أخيرا نعتقد بان ما يتم دفعه من أموال من قبل الدول الغربية إنما سيبقي هذا الاحتلال البغيض قائما، وإن تقديم الأموال للسلطة إنما هو دعم بشكل مباشر ومقصود من اجل إبقاء الاقتصاد والشعب الفلسطيني في حالة من التبعية غير ممكنة الفكاك من هذا الاحتلال، عدا عن أن هذه المساعدات إنما تساعد على استشراء ظاهرة الفساد كما اشرنا في مستويات مختلفة من السلطة الفلسطينية، كما أنها تسهم في إطالة أمد الاحتلال طالما لا تدفع إسرائيل ثمنا له لا ماليا ولا بأي صورة أخرى من الصور، والمطلوب أن تتوقف هذه الدول عن تقديم هذه الأموال حتى تستجيب إسرائيل للقرارات الدولية وتقوم بتطبيقها من خلال انسحابها من الأراضي الفلسطينية المحتلة وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس عندئذ وعندئذ فقط يمكن إلا نشكك بهذه المساعدات إذا ما استمرت هذه الدول بتقديمها وبدون اشتراطات مهما كان نوعها.
2-8-2008
[email protected]
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية