أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

حوار من أجل الانقسام .... بقلم: طارق حمود*

لم تكن زيارة الرئيس محمود عباس إلى سوريا فاتحة خير كما توقع البعض، ولم تكن تحمل في طياتها إي إجراء عملي لدعوته للحوار في شهر حزيران الماضي، بل كانت عملية سياسية تهدف إلى مزيد من الانقسام وعزل حركة حماس تحت غطاء دعوة الحوار، فمنذ دعوته للحوار لم يقم الرئيس عباس بأي إجراءٍ عملي لتنفيذه، بل على العكس وكما توقع البعض من أن هذه الدعوة هي محاولة للضغط على الأمريكيين والإسرائيليين للفت انتباههم لمنسياتهم في خضم أزمة الكيان الداخلية العاصفة والانشغال الأمريكي بانتخاباته الرئاسية.

وربما نجح عباس نوعاً ما في تحقيق شيء من لفت النظر الأمريكي له عندما قامت رايس على الفور بزيارة المنطقة لتؤكد شروطها مرة أخرى ورفضها للحوار مع حماس، وكان هذا كل ما أرداه عباس من دعوته، وكانت زيارته لسوريا جزء من التغطية على عدم تنفيذ دعوته للحوار، فبما أن سوريا مصنّفة ضمن دول الممانعة وليس لديها شيء من "الاعتدال" العربي وهو ما يصنفها بالنتيجة كحليف سياسي لحركات المقاومة ومنها حماس، جاءت الزيارة تجتر شروط عباس الأمريكية مرة أخرى لبدء حوار فلسطيني فلسطيني، ولم تكن الدعوة لتشكيل لجنة للحوار لمتابعة الموضوع إلا من باب ذرّ الرماد في العيون، وهي محاولة لإفشال الحوار ذاته لكن ليس ببعد فتحاوي وإنما ببعد يتحمل مسؤوليته أطراف غير رئيسية في الانقسام الداخلي من فصائل منظمة التحرير أو أطراف عربية، إذ أن المطلوب الآن هو حوار شامل يجمع كافة القوى الفلسطينية برعاية عربية وكأن القوى الفلسطينية لم تتفق على شيء بالقاهرة في آذار/مارس 2005، ولم تتفق على أي وثيقة عام 2006، ولم يوقّع وفد منظمة التحرير وليس فتح برئاسة الفتحاوي عزام الأحمد أي التزام في صنعاء 2008،  بمعنى أنها محاولة لركل الكرة من ملعب فتح إلى ملعب الفصائل، وهذا الذي جعل من عباس حريصاً على لقاء كافة الفصائل الفلسطينية في دمشق بما فيها فصائل لم يتعود اللقاء معها من قبل لأنها محسوبة على تيار إقليمي معين، وفصائل مثل الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة والجهاد الإسلامي في محاولة لإظهار عزلة حماس حتى بين أوساطها، وهذه اللقاءات كما كان مسموعاً ترافقت بتمنع شديد للقاء حركة حماس، وحاول مستشارو عباس وبالتحديد نبيل أبو ردينة أن يظهر هذه العزلة بشكل غير مباشر عندما أجاب على سؤال عن سبب عدم اللقاء مع حماس فقال أنهم التقوا مع كل من اتصل بهم، أي أن كل الفصائل التي التقى بها عباس هي التي طلبت اللقاء وهي التي استجدته ولم يكن عباس بحال أحد منهم، هذا المنطق البعيد كل البعد عن الصحة يحمل في طياته وقاحة سياسية ينبغي على الفصائل الفلسطينية أن تدركه، وبكل الأحوال هو غير بعيد عن قيادات تفاوض في طرف وشعبها محاصر بالآخر.

هذه اللقاءات لم يطلبها عباس مباشرةً وهذا صحيح، لكن أتباعه من المقيمين في دمشق ومن يمثلونه هم من اتصل ورتب كل هذه اللقاءات سواء الفصائلية أو غيرها، ولا يعقل أبداً أن ينسق أتباع محمود عباس لقاءات من غير ترتيب مسبق مع سيدهم، هذا ما يقوله المنطق عموماً وما يفرضه منطق الحالة الخاصة لمجموعة محمود عباس سواء على مستوى تنظيمه أو السلطة الفلسطينية، إذ أن أحداً لا يجرؤ على الترتيب من غير إذن مسبق، ولو فرضنا جدلا أن اللقاء تم فعلاً بغض النظر عمن استجداه ما بين هذه الفصائل والرئيس محمود عباس، لا يمكن أن تكون هناك مشكلة ما في مجرد اللقاء، فالقياس ليس على اللقاء وإنما على مضامين اللقاء، وبالدخول إلى مضامين اللقاءات فإن كثير من الكلام يمكن أن يقال في هذا الصدد، فأولاً لم يكن هناك أي فصيل التقى مع الرئيس عباس (باستثناء فصيل واحد محسوب على فتح تاريخياً ويوافقها من دون نظر) قد أدان حماس وما قامت به في قطاع غزة، ولو أن شيئاً من هذا قد حدث لما تأخر ناطقو الرئيس في التصريخ والترويج وتكرار هذه الإدانة في كل وسيلة إعلامية مقروءة ومسموعة ومرئية وغير مرئية، بل على العكس ومن خلال كثير من الأحاديث التي دارت عقب هذه اللقاءات سمعنا عكس هذا الكلام من قبل قيادات الفصائل، بل عن كثير ممن حضروا هذه اللقاءات أنهم أدانوا بشكل صريح ومباشر رضوخ السلطة برئاسة عباس للأوامر الأمريكية، والجميع كان قد أدان التفاوض العبثي مع الاحتلال، والجميع بنفس الوقت دعا لبدء حوار وطني ينهي حالة الانقسام، بل إن الواضح أن كافة من التقى عباس في دمشق من فصائل وشخصيات ومؤسسات كان قد أكد على هذه المضامين، فكان قد التقى وفد الجمعية الفلسطينية السورية لحق العودة الذي ضم عضو مجلس الشعب السوري (د محمد حبش) وعضوين من الجمعية (طبعاً بعد أن رفض رئيس الجمعية وغالبية أعضاء مجلس الإدارة اللقاء الذي رتبه لهم مندوب عباس غير المسمى رسمياً في سوريا) وأكد وفد الجمعية على ذات النقاط التي سردناها، بل إن الوفد خرج بانطباع سلبي عن شخصية عباس الاستعلائية والتي لم تمثل الحد الأدنى من اللياقة أمام ضيوفه في فندق مريديان دمشق، وهذا ما أكده كثيرون ممن حضروا اللقاءات أن حدود اللياقة لم تتوقف عند الحد الأدنى وحسب؛ بل هبطت إلى مستويات منحدرة جداً عندما بينوا أن حديث الرئيس عباس كان ممتلئاً بعبارات لا أخلاقية أثناء حديثه العام، وهو ما عبر عنه المتحدثون بالعامية (من الزنار وتحت)، كما أن وفداً تركياً كان في زيارة لمخيمات سوريا ضم عضو في البرلمان التركي ورئيس منظمة إغاثية تركية ومسؤول آخر من المنظمة ومسؤول مؤسسة تركية للتضامن مع الشعب الفلسطيني، كان قد عُرض عليهم لقاء الرئيس عباس من قبل السفير الفلسطيني في أنقرة الذي علم بوجودهم في سوريا، وبعد محاولات عديدة قَبل الوفد باللقاء بعد ضغط السفير وحماسته للقائهم مع الرئيس عباس، وبعد تأخر الأتراك أكثر من نصف ساعة عن موعد اللقاء الذي كان مقرراً الساعة الثانية عشرة ظهراً تم اللقاء الذي استمر أقل من خمس دقائق وانتهى بطلب من الوفد التركي الذي أعرب عن سلبية اللقاء بعد خروجهم.

كل هذه الأحداث التي تمت خلال هذه اللقاءات هي مقياس العزلة من عدمها وليس مجرد انعقادها، هذه اللقاءات حملت في داخلها مضامين سياسية مهمة أظهرت أن عباس ونهجه السياسي في عزلة تامة عن خيارات الشعب الفلسطيني، وأن عباس يسير في طريق مختلف تماماً عما أرداه الشعب الفلسطيني على مدار عمر جهاده ونضاله السياسي والميداني الطويل، أكّد على ذلك عدم نزول عباس لزيارة قبر صديقه ورفيق عمره السياسي (أبو جهاد الوزير) في مخيم اليرموك الذي يبعد مسافة عشر دقائق عن مكان إقامته، مع أن البروتوكول يفرض ذلك، فلم تكن هناك زيارة لأبو عمار أو قيادي من قيادات فتح الكبار لدمشق دون قراءة فاتحة على قبر أبو جهاد وقبور مئات من شهداء فتح الذي قضوا على غير النهج السياسي الذي يتبناه رئيسهم اليوم، ولم يكلف رئيس الشعب الفلسطيني نفسه مجرد سؤال أو مرور (ولو بموكب فاخر) بمخيمات سوريا التي تغص بنصف مليون لاجئ من أبناء شعبه، ولربما كان السيد نبيل أبو ردينة ينتظر أن يتصل نصف مليون لاجئ به كي يتم شيء من هذا القبيل.

فاللقاءات حدثت أمام الكاميرا، ولم تكن الكاميرا موجودة لتسجل مادار أثناء اللقاء، لذلك من حق الناطقين باسم الرئيس أبو مازن أن يعلنوا ما يشاؤون، ولكن قبلها عليهم أن يجيبوا عن تساؤلاتنا، لماذا لم ينزل الرئيس إلى أبناء شعبه علهم يحملوا سيارته كما تفعل الشعوب الثورية التي تحب قيادتها ابتهاجاً ببطولاته؟ ولماذا لم يعقد الرئيس مؤتمراً صحفياً مع الفصائل الأخرى التي التقته لتظهر عزلة حماس؟ ولماذا لم تلتقه بعض الوفود ممثلةً بقيادتها الأولى كما حصل مع الجبهة الشعبية - القيادة العامة؟  ولماذا فرض الرئيس على نفسه الإقامة الجبرية في مريديان دمشق ولم يلتق بأيٍ من الفصائل في مقراتها؟... لا أظن ناطقاً يملي علينا إجابةً.

لم يبق للسيد الرئيس غير قبر رابين (بطل السلام) مزاراً، وأصبح الشعب الفلسطيني اللاجئ بحاجة لترتيب مسبق للقاء السيد الرئيس، واختم بما قاله أحد قيادات الفصائل الفلسطينية عما أجاب به عباس حين سُئل عن البديل في حال فشل المفاوضات فقال: المفاوضات أولاً وثانياً وثالثاً...، منطق سياسي غريب و خيارات طبيعية لسلطة لا تمتلك أكثر من مبنى مقاطعة في رام الله من الممكن أن تدمره دبابات الجيش الصهيوني وجرافاته متى أرادت، خيارات قد تبدو كثيرة ومنطقية على سلطة رام الله بعد أن عزلت نفسها وتحاول عزل شعبها ومقاومته، هذه هي خيارات الرئيس الذي عاد للتو شهداء شعبه من مقبرة الأرقام أو مقبرة (المخربين) بعد أن قضوا في معركة (المفاوضات) ربما؟ فلنسألهم...!؟  

 

* الأمين العام لتجمع العودة الفلسطيني واجب
(109)    هل أعجبتك المقالة (103)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي