أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

طار المطار ... حسن بلال التل

قبل حوالي أسبوع أو ربما عشرة أيام ذهبت إلى مطار الملكة علياء لوداع أبي المسافر ابداً، وكالعادة لم أستطع أن اطمئن حتى أراه وقد عبر نقاط الختم والتفتيش وصعد إلى الطابق الثاني.. ودعته عند المدخل ووقفت أنتظر أن أشهد وصوله إلى الطابق الثاني، لكن وعلى غير العادة طال الانتظار بل طال كثيراً وبعد قرابة الأربعين دقيقة مرت خلالها علي الكثير من المشاعر والأفكار لأسباب كثيرة (أعفي القارئ من أن أؤلم رأسه بها) رأيته يصعد الدرج فاتصلت به هاتفياً -بعد اتصالات كثيرة لم تجد جواباً قبل ذلك لأطمئن عنه- وشعرت في صوته كثيراً من التعب والإرهاق فأغلقت السماعة وانتظرت لحوالي نصف ساعةاخرى كلمته بعدها لأجد أن حالته لم تزل كما هي وعندما سألته عن الأمر اكتشفت أن في المطار في ذلك اليوم -وربما كان الوضع ممتداً منذ عدة أيام- سلسلة من الكوارث المترافقة، فأولاً كان نظام الكمبيوتر الخاص بالشركة الناقلة معطلاً، مما يعني أن لا حقائب تستلم ولا معاملات تجري ولا حتى يمكن لأي مسافر أن يتجاوز أرضية المطار أو الطابق السفلي، وبالتالي فلا يمكن لأحد أن يحصل على أي نوع من الراحة لأن المنطقة منطقة عمل وبالتالي تخلو من أي مقعد أو مكان مخصص للانتظار في هكذا حالات، وللصدق فإن أمراً مثل هذا -أي حصول عطل- هو مسألة متوقعة ومقبولة فالكمال لله وحده خصوصاً أن المطار الآن تجري له عمليات توسعة وصيانة كبرى وصلت حتى إلى مناطق الاستقبال والوداع وهذا أمر محمود لكن المذموم هو اختيار التوقيت فمن غير المعقول أن تجري مثل هذه الأمور في فصل الصيف أي موسم الزحام والسياحة وكثرة السفر فلست أدري ما كان سيضر إدارة المطار أو شركة الملكية الأردنية لو أنها صبرت على أعمال التوسعة والتجديد في مباني المسافرين إلى ما بعد نهاية الموسم السياحي أو أنها عجلت فأنهت هذه الأمور قبل بدايته، وعلى فرض أنه لم يكن من هذه المسألة مفر فكان الواجب بإدارة المطار أن تحتاط لوقوع حوادث من هذا النوع لأنه معروف تماماً أنه في ظل أي عمليات صيانة فمن الطبيعي أن تحدث أعطال في أقسام عديدة أخرى غير القسم الذي تجري صيانته بسبب طبيعة الأعمال والأشخاص غير المعتاد وجودهم، وكان أبسط هذه الاحتياطات توفير منطقة للانتظار للركاب ريثما تنتهي مثل هذه الحوادث.

طبعاً كانت هذه أولى المشاكل وإن لم تكن أصغرها، أما الثانية فكانت تعطل أجهزة التكييف في كامل المطار، طبعاً هذا ونحن -في عز الصيف- مما عنى اجتماع المصيبتين الحر الطبيعي بسبب الصيف وأن البناء مغلق بالكامل بمعنى أن لا وجود لأي نوافذ أو مداخل للهواء، إضافة إلى الزحام الناتج عن تعطل نظام الكمبيوتر وما يرافق هذا الزحام من ارتفاع آخر في حرارة المكان وضيق للمسافرين الذين كان نسبة لا بأس بها منهم من النساء والأطفال وكبار السن. هذا كان يجري داخل أسوار منطقة المسافرين، أما على الجانب الآخر فكان هناك مشاهد من نوع آخر لا تقل فداحة عما يجري في الداخل، ففي أقصى يمين قاعة المودّعين تراكم عشرات إن لم يكونوا جاوزوا المائة من الأشخاص معظمهم من النساء وعند سؤال أحد العاملين أجاب بأن هؤلاء مواطنون عراقيون ينتظرون طائرتهم لكن لعلة لا يعلمها إلا الله يجبرون على التكدس هم وحقائبهم على الأرض انتظاراً لشيء أجهله في منظر ينافي كل أخلاق العروبة وحسن الضيافة أو حتى الإنسانية، أما الطامة فكان منظراً تمنيت بحق أن أكون حاملاً لكاميرا تصوير لالتقاطه حيث تجمع عدد من العمال ومعهم آلة لحام بالكهرباء وأخذوا يصلحون كرسياً معدنياً مكسوراً وسط الأشخاص الجالسين للانتظار، طبعاً (الشباب) بدؤوا عملهم دون تحذير ودون أي إجراءات سلامة بما في ذلك هم أنفسهم حيث لم يرتدوا أي أزياء خاصة بل ببساطة وصلوا الآلة بالكهرباء وبدؤوا العمل مما حدا بالجالسين إلى أن يفروا بحياتهم، لكن عدداً من الأطفال ممن غابوا عن عين الرقيب التصقوا بالعمال من باب الفضول وبدل أن يقوم العمال بالتوقف أو إبعاد الأطفال استمروا بأعمالهم وكأن شيئاً لم يكن، أو كأنهم جالسون بانتظار كارثة (لتقع لا سمح الله).

هذه الملاحظات كانت حصيلة أربعين دقيقة فقط قضيتها في مطار الملكة علياء والله وحده يعلم إن كانت صفحات اللواء كلها ستكفي لنقل ملاحظاتي لو أنني قضيت بضع ساعات.

على فكرة لمن لا يعلم فإن المطار حتى الآن يدار من قبل موظفين حكوميين يحسبون حساباً لملاحظات الصحافة لكن خلال مدة وجيزة ستنتقل ملكية المطار وإدارته طبعاً، للشركة التي تقوم بتوسعته وفق اتفاقية (BOT) أي البناء والتشغيل ونقل الملكية وعندها لن يأبه أحد بما سنقول وربما سيصبح مطار الملكة علياء إحدى أبرز نقاط الطرد السياحي في المملكة.

(104)    هل أعجبتك المقالة (105)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي