أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الأردنيون بعد ثمانين عاما على مؤتمرهم الوطني الأول ... بلال حسن التل


صادفت يوم الجمعة الماضي الذكرى الثمانين، لانعقاد المؤتمر الوطني الأردني الأول. الذي تداعى إليه قادة الأردن وزعماؤه غير المصنوعين وغير المعينين. بل أولئك الذين أنجبهم الشعب الأردني واعترف بهم قادة وزعماء له. يعبرون عن إرادته ويجسدون أحلامه وطموحاته. ولم يكن أحدهم ينتظر هاتفاً يعده بمنصب يحدد على ضوئه موقفه السياسي وموقعه على خارطة الوطن.

وبعد ثمانين عاماً على انعقاد أول مؤتمر وطني للأردنيين، فإن من حقنا أن نراجع قرارات ذلك المؤتمر لنرى كم تحقق، منها على أرض الواقع، وفي حياة الأردنيين السياسية. فعلى صعيد المعاهدات كان الدافع الأول والرئيس لتنادي القيادات الأردنية للاجتماع في مؤتمرها الوطني الأول، هو مقاومة المعاهدة البريطانية التي كانت تكبل الأردنيين ووطنهم بقيود الانتداب وشروطه، ولذلك ظل الأردنيون يقاومون هذه المعاهدة عبر النضال الشعبي الذي تصدى لقيادته زعماء يستندون إلى قواعد شعبية حقيقية من عشائرهم ومناطقهم وأحزابهم، التي خرجت من رحم المعاناة فلم تكن مصنوعة ولا مفصلة على مقياس هذا أو ذاك. مثلما كانوا يستندون إلى تجربة وتاريخ طويلين في العمل العام، وخدمة أبناء شعبهم. بالإضافة إلى ما كانوا يتصفون به من صفات الزعامة وأهمها نظافة اليد والفرج والتجرد من المطامع الشخصية إلى درجة كبيرة. ولئن تمكن الأردنيون بعد طول معاناة وتصد للانتداب البريطاني وأزلامه من إسقاط المعاهدة ونيل استقلالهم فإنهم الآن وبعد ثمانين عاماً يجدون أنفسهم في مواجهة معاهدة أخطر وأشرس. لأنها تفرض عليهم سلاماً مع عدو حذر آباؤهم وأجدادهم من خطره. فلقد كانت أهم مقررات المؤتمرات الوطنية الأردنية منذ المؤتمر الأول بالإضافة إلى إسقاط معاهدة الانتداب، التحذير من الخطر الصهيوني، والعمل على تحجيمه سعياً إلى اجتثاثه، ومن أجل هذا اعتبرت المؤتمرات الوطنية الأردنية أراضي الأردن إما مملوكة أو أراضي وقف لمنع بيعها أو تأجيرها؛ والآن وبعد ثمانين عاماً أيضاً صار بيع أراضي الأردن ومؤسساته ومرافقه سياسية رسمية. وصار التعامل مع الكيان الصهيوني سياسة رسمية أيضاً. وصار لهذا الكيان علم في عمان وسفارة تتجسس علينا بغطاء دبلوماسي يشعر الأردنيون أنه يخنقهم صباح مساء ويتحفز للانقضاض عليهم في أية لحظة. فرغم خديعة السلام التي حاولوا تمريرها علينا ما زال الصهاينة ينشدون للأردن ضفتان الأولى لنا، والأخرى أيضاً ، وما زال ما يسمى بالخيار الأردني لحل مشكلة فلسطين قائماً. بل ان شارون فكر أثناء توليه رئاسة حكومة الكيان الصهيوني باحتلال الأردن غير مكترث بالمعاهدة التي زعموا أنها كفنت الوطن البديل وأنهت الخطر الصهيوني الذي حذر منه المؤتمر الوطني الأردني قبل ثمانين عاماً.

ومثلما رفض الأردنيون في المؤتمر الوطني الأول معاهدة الانتداب، فقد رفضوا القوانين الاستثنائية ولم يكن عددها يومئذ يتعدى أصابع اليد الواحدة ليجدوا أنفسهم بعد ثمانين عاماً يغرقون في بحر لجي من القوانين الاستثنائية التي يرفضونها تماماً مثلما يرفضون قانون الانتخاب القائم على مبدأ الصوت الواحد. والذي ينفرد بغرابته عن كل قوانين الانتخابات في العالم، والذي يزيد سوءاً عن قانون الانتخاب الذي رفضه آباؤهم وأجدادهم قبل ثمانين عاماً، فماذا سيقول الأجداد والآباء لو أنهم قاموا من قبورهم فوجدوا أن قانون الانتخاب الذي رفضوه قبل ثمانين عاماً استبدل بقانون أسوأ من قانونهم؛ لأن القانون الجديد مزق العائلة الواحدة، بعد أن مزق القرية الواحدة والمدينة الواحدة وصولاً إلى تمزيق الوطن وتزوير إرادته عبر فرز نواب بالكاد يمثلون أنفسهم، ويفتقر جلهم إلى تاريخ في العمل العام. مما قلب معادلة الحياة السياسية في الأردن، فقد طالب الأردنيون في مؤتمرهم الوطني الأول الذي عقد قبل ثمانين عاماً بحكومة مسؤولة أمام مجلس نيابي منتخب بصورة نزيهة. وها هم الأردنيون يتحدثون الآن عن مجلس نيابي تابع للحكومة تحركه كيفما تشاء، بعد أن أفرزته انتخابات ثار الكثير من الجدل والشك حولها، مما جعل جل الفائزين بها يناصرون الحكومة على حساب الشعب، خاصة على صعيد فرض الرسوم والضرائب خلافاً لمطالب الأردنيين في مؤتمرهم الوطني الأول عام 1928 بالتخلص من الضرائب الجائرة. ليجدوا أنفسهم بعد ثمانين عاماً أمام شلال متدفق من الضرائب يجردهم من كل ما يملكون. بل جعلهم عرايا بلا ملابس جوعى بلا حتى قوت يومهم. الذي صار بعضهم يبحث عنه في حاويات القمامة. وصار جلهم يمشي كمن به مس من شدة لسع سياط الضرائب والرسوم على ظهورهم آناء الليل وأطراف النهار. بمباركة ودعم من مجلس نواب لا تنطبق عليه المواصفات التي وضعها الأردنيون لحكومتهم ومجلسهم النيابي في مؤتمراتهم الوطنية التي عقدت في عشرينيات القرن الماضي، فقد قررت تلك المؤتمرات أن شرعية أية حكومة ومجلس نيابي وما يصدر عنهما رهن بقيامهما إثر انتخابات حرة ونزيهة؟!
قبل ثمانين عاماً طالب الأردنيون عبر مؤتمرهم الوطني الأول بالاهتمام بالزراعة، فصارت مقاومة الزراعة ومحاربتها سياسية رسمية معلنة لبعض وزراء الأردن، في عهد حكومات الديجيتال التي ابتلي بها الأردن والأردنيون.

بعد ثمانين عاماً على انعقاد المؤتمر الوطني الأول نقف لنقوم بجردة حساب لحياتنا السياسية فيكون حصادناً هشيماً. ففي تلك الأيام الخوالي كان تشكيل الجمعيات والأحزاب لا يحتاج لموافقة الحكومة وكان جل المطلوب من المؤسسين للحزب أو الجمعية مجرد إبلاغ الحكومة. وبذلك تحول المؤتمر الوطني الأردني إلى حزب يمارس نشاطاته في الدفاع عن حقوق الأردنيين قبل أن يظلهم زماننا الذي صار تأسيس الحزب فيه يحتاج منهم إلى خمسمائة مؤسس وإلى إجراءات غاية في التعقيد والتعجيز. بعد أن أتت سياسات الحكومات المتعاقبة في محاربة الحراك الشعبي أكلها. فقد سعت الحكومات المتعاقبة إلى شق صفوف القوى السياسية فاخترعت في مواجهة المؤتمر الوطني مؤتمر الشعب العام وصارت الرشوة بالمنصب وسيلة لتفكيك القوى السياسية. وصار اختراع البدائل شيوخاً ونواباً وأحزاباً، سياسية معتمدة جعلت الحياة السياسية في بلدنا أضعف مما كانت عليه قبل ثمانين عاماً. خاصة بعد أن تخلت بعض حكوماتنا عن صلاحياتها الدستورية ولم تعد تقوى على شيء إلا على الاستقواء على مجلس النواب لفرض الضرائب على الأردنيين. الذين صار لزاماً عليهم أن يتداعوا إلى عقد مؤتمر وطني يحضره ممثلوهم الحقيقيون ليؤكدوا على خياراتهم وثوابتهم الوطنية والقومية والدينية بعد أن صارت جميعها في مهب الريح وصار حصاد حياتنا السياسية بعد ثمانين عاماً حصاد الهشيم والله المستعان

(97)    هل أعجبتك المقالة (102)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي