أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

سلمان يعلن نهاية "الحكم الهرم" .. ومعارف الأسد خارج دائرة صنع القرار

الملك سلمان بن عبد العزيز - وكالات

ليس مفاجئاً ما يحدث في المملكة العربية السعودية اليوم من تغييرات في المناصب طالت ولي العهد الأمير مقرن بن عبد العزيز، ودفعت برجل الأمن القوي محمد بن نايف لمنصب ولي العهد، وأدخلت وزير الدفاع محمد بن سلمان ضمن "ترويكا" الحكم في الرياض.

خطة التغيير بدأت فعلياً قبل نحو تسع سنوات في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز والذي أصدر في تشرين الأول ـأكتوبر 2006 مرسوماً ملكياً بتأسيس هيئة البيعة مكونة من 36 عضواً من أبناء وأحفاد الملك المؤسس عبد العزيز.

كان يفترض أن تعود قرارات تسمية الملك وولي العهد إلى هيئة البيعة بعد وفاة الملك عبد الله وولي عهده آنذاك الأمير سلطان بن عبد العزيز، إلا أن وفاة سلطان فرضت دخول الأمير نايف ولياً للعهد ثم جاءت وفاة الأخير ليأخذ مكانه سلمان قبل أن يصبح ملكاً، أضف إلى المتغيرات السياسية الكبيرة التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط ومحيط المملكة بشكل خاص منذ 2011 حيث ظروف اليمن والبحرين وسوريا ومصر.

لقد بدأ سلمان عهده باندفاعة قوية نحو التغيير عبر مراسيم أحدثت نوعاً من الصدمة لبعض القوى الإقليمية نظراً لقصر مدة صدورها الذي لا يتجاوز المئة يوم، يتخللها عملية عسكرية كبيرة في اليمن، وهي جرأة غير مسبوقة تفسر خطة عمل مسبقة وتحضيرات غير اعتباطية ولا انفعالية، وانتقال الرياض من مرحلة اللحاق بالحدث إلى صناعته والمبادأة فيه. 

أضف إلى ما سبق يمكن القول إن الرياض تخلصت من كثير من الأعباء في حركتها الدبلوماسية والسياسية في الآونة الأخيرة، ويظهر هذا في التقارب مع أنقرة رغم الحساسية التاريخية مع نظام الإخوان العالمي، إذ يبدو أن الملك سلمان يتمتع ببراغماتية تتجاوز الأحمال القديمة، وهو ما كان مطلوباً وضرورياً مع تغير تحالفات المنطقة على خلفية الانفجار الكبير الذي تشهده منذ سنوات.

يمكن القول إن القوى الثلاث التقليدية التي تلعب دوراً في سياسيات المملكة الداخلية باتت أكثر تقارباً مع الإحساس بخطورة الموقف، حيث كانت أوضاع المملكة محكومة بثلاثية القبيلة، والمؤسسة الدينية، والأسرة الملكية وطريقة التعاطي بين عناصر هذه الثلاثية، وقد تم بذل جهود كبيرة خلال السنوات العشر الماضية لترسيخ فكرة المواطنة عبر تطوير المناهج الدراسية، وترسيخ فكرة رموز الوطن (العلم والنشيد الوطني)، والتركيز على ضرورة منع تغوّل المؤسسة الدينية والابتعاد عن فكر الغلو، وبرز التوجه الجديد في منهج "المناصحة" الذي أسس له ولي العهد الحالي الأمير محمد بن نايف الذي اعتبر الحرب على الإرهاب هي حرب كسب للعقول والقلوب، وليست حرب قبضة أمنية فقط.

ويمكن أيضاً لحظ أهمية الحوار الوطني الذي كان يستهدف المجتمع شاقولياً، إذ جرى فتح نقاشات معمقة مع مختلف الشرائح والمستويات الاجتماعية والفكرية خلال العشرية الماضية.

ما سبق يقود إلى فهم ما يجري اليوم، فلطالما اتهمت دوائر الغرب نظام الحكم في المملكة ووصفته "بالحكم الهرم"، وبطبيعة الحال لم يكن من الممكن الانتقال دفعة واحدة نحو تغيير جذري، إلا أن عناصر التغيير ربما تحتاج لتدعيم في قضايا اجتماعية ما تزال تشكل عامل ضعف في صورة المملكة، منها عملية إدماج المرأة في المجتمع التي تصطدم في بعض جوانبها بعامل اجتماعي أكثر مما هو ديني.

تشكل التغييرات في مؤسسة الحكم السعودية استجابة، لحاجات داخلية وتحديات خارجية في ذات الوقت، فتجارب تجاهل ضرورات التغيير والتعامل مع المطالب الشعبية بقبضة أمنية ثبت أنها تؤدي إلى كوارث تصل إلى حد تدمير كيانات الدول كما حصل في سوريا واليمن.

وللعلم فإن من الضروري بمكان شرح طبيعة وتكوين المجتمع السعودي في الحديث عن مستوى الديمقراطية في هذا البلد مع ما يتعرض له من انتقادات، فالعناصر التي تؤخر إحداث نقلة كبيرة ترتبط أساساً بتكوين هذا المجتمع، وهي تخضع لمزاج شعبي خاص لا يمكن تجاوزه حتى ولو أرادت الحكومة تحقيق اختراقات كبيرة، فمشكلة قيادة المرأة للسيارة مثلاً ليست رهن قرار حكومي بل رهن ثقافة مجتمعية لم تقتنع بعد بمثل هذه الخطوة، ولعل محاولات تمرير قرار بالسماح بقيادة المرأة بعد مناقشته في مجلس الشورى دليل على رغبة حكومية في تحقيق مكاسب للمرأة، إلا أن المسألة مرهونة باحتمالات نتائج عكسية يفرضها طابع ذكوري يجري العمل على تغييره وتطويره.

* في الشأن السوري
يمكن لحظ التغييرات المفترضة في تعاطي الرياض مع الشأن السوري بشكل خاص بالنظر إلى طبيعة الفريق الذي عمل في عهد الملك عبد الله، إذ إن حادثة اغتيال رفيق الحريري عام 2005 وانقطاع العلاقات بين دمشق والرياض لم تمنع الأخيرة من إعادة العلاقات وإن بشكل أقل قوة بالاعتماد على عدد من العوامل منها وجود علاقة مصاهرة تجمع الملك عبد الله ورفعت الأسد، ولعب الأمير مقرن دوراً في إعادة العلاقات وكذلك الأمير عبد العزيز بن عبدالله مستشار الملك عبد الله ونجله الثاني الذي كان على اتصال بمستشارة الأسد بثينة شعبان، أضف إلى علاقة قديمة كانت تربط حافظ الأسد مع خالد التويجري رئيس الديوان الملكي في عهد الملك عبد الله والذي أعفاه الملك سلمان. 

وقد تكون عالقة في الأذهان صورة الأمير مقرن وهو يؤشر بإبهامه للوفد السوري في قمة الكويت الاقتصادية في كانون الثاني 2008 تعبيراً عن الوصول إلى نوع من المصالحة بين الملك عبد الله وبشار الأسد لتعقب القمة زيارة قام بها مقرن إلى دمشق في منتصف فبراير من ذات العام بوصفه مبعوثاً للملك وكان يحتل منصب رئيس الاستخبارات في المملكة.

مع ما سبق من تغييرات تكون خطوط الاتصال القديمة بين نظام الأسد والرياض قد انقطعت، وليس هذا لأسباب تتعلق بسورية بل هو منهج عمل خاص بالرياض.

* سعود الفيصل
وفيما يخص قرار إعفاء سعود الفيصل فهو لا يرتبط بتغيير سياسات بل بوضع صحي معروف، على اعتبار أن علاقة الأخير بالملك سلمان لطالما كانت في أحسن حالاتها مع الأخذ بعين الاعتبار أهمية ودور الرجل كدبلوماسي عريق وأن أولاد الملك فيصل ظلوا خارج تأثير أي حالات استقطاب، وهم ليسوا جزءا من أي خلافات شخصية داخل العائلة المالكة.

ويبدو تعيين عادل الجبير سفير المملكة في واشنطن مؤشراً على استمرار التفاهم السعودي -الأمريكي، كما أن له دلالة بارزة يجب التنبه إليها، وهي أن الجبير كان هدفاً لمحاولة اغتيال رتبتها حكومة إيران له في واشنطن مستخدمة العميلين منصور أرباب سيار وعلي غلام شاكوري عام 2011، الأمر الذي يقود إلى أن التاريخ المهني للرجل سيكون ذا تأثير في العلاقة مع إيران.

في النهاية يجدر القول إن المفاجأة السعودية المدهشة التي يقودها سلمان تتماشى مع حاجات الوضع في المنطقة والعالم، وربما يجد الكثير من المراقبين سبيلاً لانتقادها، وهو أمر موضوعي، لكنها تبقى متقدمة في الشأن السياسي والاستراتيجي عن كل ما فعله العرب خلال عقود مضت.

علي عيد - زمان الوصل
(102)    هل أعجبتك المقالة (110)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي