كما فاجأت المنطقة في ليلة 26/نيسان/أبريل الماضي.. مرة أخرى تعلن السعودية المفاجأة بإيقاف عمليات "عاصفة الحزم"، لتحل محلها "إعادة الأمل" إلى اليمن لتبدأ حسابات الرابحين والخاسرين من هذه الزوبعة.
وليس من المصادفة على الإطلاق، اختيار هذه المسميات بين الحزم والأمل حيال الحوثيين وقوات علي عبدالله صالح، بل إنها بكل تأكيد تتحدث عن طبيعة كل مرحلة .. فماذا جرى حنى انتقل اليمن من الحزم إلى الأمل:
*قراءة في بيان وزارة الدفاع السعودية
رغم أن الخط العريض للأزمة اليمنية هو إيقاف عمليات التحالف ووقف العمليات العسكرية، إلا أن شيطان السياسة يكمن في التفاصيل، فالبيان أوضح أن العمليات العسكرية توقفت في الإطار العام، إلا أنها مستمرة في حالات الضرورة التي تراها دول التحالف وهو باب واسع لتبرير أي عملية عسكرية مقبلة.
وهذا ما أشار إليه المتحدث الرسمي باسم العاصفة العميد الركن أحمد عسيري، حين قال "إن قيادة التحالف سوف تستمر في القيام بأي عمل عسكري -ولو بوتيرة أقل- لمنع الحوثيين من تغيير الواقع على الأرض ولحماية اليمنيين والاستمرار في عمليات الإغاثة والأعمال الإنسانية".
لكن بقاء هذه الطلعات سيفا مسلطا على الحوثيين وقوات صالح، ستكون له تداعيات كثيرة. فبعد أن حصلت دول التحالف على الغطاء الدولي والعربي وحتى الشعبي، لإنجاز المهمة بالكامل من الصعب أن تعود هذه الطائرات خارج إطار العاصفة، إذ إن المسألة تتحول إلى وصاية دولية على بلد مازال تحت السيادة، والسؤال الذي يواجه دول التحالف "إذا لم تنتهِ المهمة لماذا توقفتم". وهذا يحتاج إلى حشد سياسي جديد لدول التحالف، حتى تحصل على التفويض الدولي بالقصف حين الضرورة.. ما يعني أن الجولة الأولى من الحرب انتهت لكن ثمة جولات أخرى.
*الاتفاق السري بين إيران والسعودية
كل الحديث الآن يتركز على الاتفاق السري "المزعوم" بين السعودية وإيران، لكن ما من أحد على الإطلاق يستطيع أن يجزم بهذا الاتفاق ولا مضمونه ولا محتواه.. بل إن هذا الرأي يستند إلى اعتقاد تقليدي بأن طرفي الصراع في اليمن هم الرياض وطهران.. وإذا اتفقتا على المخرج سيكون وفقا لما يريد الطرفان.
وتذهب التحليلات العربية التي –عادة لا تستند إلى أي معلومات- إلى أن إيران تعهدت بأن يسلم الحوثيون أسلحتهم ويتم دمجها في إطار الدولة اليمنية وتحول الحزب إلى حزب سياسي وفق الأطر الشرعية في اليمن.
هذا الأمر لا يمكن أن ينطلي على السعودية، لا ينطلي على بوركينا فاسو .. فكيف ينطلي على الأعداء وأقطاب الصراع في المنطقة، وإن كان ذلك حقيقة، فمن هنا يمكن قراءة ما أشار إليه عسيري "إن الضربات مستمرة في وقت الضرورة وفي حال حاول الحوثي تغيير موازين القوى على الأرض".
شيء واحد فقط تفكر به السعودية؛ وهي مطالبة أمام الشعب السعودي واليمني والعربي عموما أن تفرضه على الأرض، وهو إعادة الحوثي إلى مكانه الطبيعي سياسيا وعسكريا، دون ذلك لا يمكن للسعودية أن تبرر هذه العاصفة. وإن كان هناك اتفاق (إيراني –سعودي) حسب ما يُقال فإن هذا الاتفاق استند إلى عدة عوامل:
الأول: تدمير كل مقومات القوة العسكرية التي يمتلكها الحوثي، ليكون ميليشيا بلا أسنان وبالتالي لم يعد تلك القوة التي يُخشى من سيطرتها على اليمن بقوة السلاح، أو على الأقل مساواتها بالقوى الأخرى عسكريا وبالتحديد القبائل والمقاومة الشعبية في الجنوب.
يرافق ذلك استمرار ضخ السلاح إلى العناصر المناوئة للحوثي في ظل استمرار الحصار برا وبحرا وجوا على الحوثي.
العامل الثاني؛ حصول السعودية على ضمانات عن طريق الوسيط العماني الذي فتح أنفاق التواصل بين الطرفين بأن لا يمكن للحوثي أن يفسد أي عملية سياسية مرتقبة، بل ويخضع لكل ما تفرضه مجريات الحوار بين اليمنيين.. ولن يطول هذا الانتظار على هذين العاملين فاتجاه الرياح في اليمن خلال الأيام القليلة المقبلة سيكشف كل المؤشرات حول اليمن.
*كشف الحلفاء .. مصر وباكستان
إنها فعلا حرب المفاجآت.. فحديث التدخل البري في اليمن كان قائما حتى أيام قليلة قبل قرار وقف "العاصفة".. بل إن هذا الأمر كان مثار نقاش جدي داخل القيادة السعودية بين مؤيد للتدخل البري وآخر يرى الاكتفاء فقط بالجو إلى حين الإجهاز على نقاط قوة الحوثي.. إلى أن جاء قرار "إعادة الأمل" لتتنفس كل من باكستان ومصر الصعداء الحليفين اللذين كانا تحت المجهر السعودي طوال الفترة الماضية.
يخشى البعض، أن قرار وقف السعودية للعمليات العسكرية نابع من هشاشة موقف الحلفاء وبالتحديد مصر وباكستان، أو على الأقل إصغاء السعودية للتخويف الذي مارسته كلتا الدولتان من خطورة أي عمل بري، بذريعة أن اليمن مقبرة الغزاة تاريخيا، وذات طبيعة جغرافية وعرة معقدة على القوات البرية، وقد ألمحت مصر عبر وسائل إعلام حكومية إلى هذا الأمر.. لكن هذه "كذبة" أشبه ما تكون بغطاء الهروب من سداد الدين للسعودية.
فالحرب البرية ليست ضد دولة تستهدف السيادة، ولا تستهدف الاحتلال، وإنما ضد ميليشيا من أجل الشرعية مدعومة بكثير من اليمنيين والمجتمع الدولي، أما التذرع بالطبيعة الجغرافية فاندثرت بقوة التكنولوجيا والعمل الجوي.
يرى مراقبون أن السعودية تستحق من مصر وباكستان أبعد من هذه المواقف وأكثر شجاعة ونبلا– وهذا ليس الوقت المناسب لعرض مواقف السعودية- لكن على ما يبدو فإن مثل هذه الدول تأخذ ولا تعطي، لتكتفي بخطابات خشبية "أمن المملكة من أمننا".. وبالفعل لم تثبت هذه الدول مسؤوليتها تجاه السعودية.. إنهم حلفاء الدولار ليس إلا.
*وماذا عن سوريا
كسوريين، عودتنا المنطقة أن نسأل في كل أزمة و"ماذا عنا" .. أكثر من مرة أعلنت قيادات من الجيش الحر وكتائب متواضعة أنها مستعدة لإرسال قوات برية لمؤازرة السعودية في حربها البرية، وهي لم تكن تريد بذلك الاستعراض ولا قبض الدولار الذي لم تعد تعرفه منذ حوالي العام ونصف العام.. لكن مرجع ذلك إلى أمرين في غاية الأهمية:
الأول: إن الثوار على الأرض والسوريين عموما، لديهم قناعة تامة أن حربهم في سوريا مع إيران وحزب الله وليس مع نظام بشار الأسد، لذا أي مكان يمكن محاربة إيران فيه سيذهب السوريون إليه مهما بعد.
والأمر الثاني، نابع من رد الجميل للمملكة العربية السعودية التي قدمت فعلا الكثير من أجل السوريين، على جبهات القتال وفي مخيمات اللجوء.
ولكن مرة أخرى .. "ماذا عنا".. ماذا عن سوريا.
حين توصلت إيران مع دول (5+1) إلى إطار اتفاق في "لوزان" حول الملف النووي الإيراني، صرح مسؤول إيراني رفيع أن الاتفاق النووي غير مرتبط بأي ملفات إقليمية أخرى، وكان واضحا في الإشارة من هذا التصريح سوريا واليمن.. لكن السؤال اليوم يطرح بطريقة أخرى.. "هل اليمن مقابل سوريا".. هذه مخاوف سورية حقيقية، ورغم أن مثل هذه المساومات ليست في قاموس السعودية بعد التوغل في الأعماق الأزمة السورية.. إلا أن الخوف بات ينهش السوريين حول وقف "عاصفة الحزم"، وهم الذين ينظرون إلى كل أزمة إقليمية بميزان .. "أين نحن".
لم تنتهِ عاصفة الحزم، لأنها لم تجب على كل التساؤلات الماضية، نحن أمام مشهد آخر من الصراع السعودي -الإيراني .. ربما "توقفت" الحرب ولم تنتهِ .. لكن الصراع مستمر.
يعرف عن السعودية أنها لا تخوض حربا خاسرة، لأنها لن تتعايش مع الخسارة لا هي ولا العالم العربي أيضا.. ما جرى في اليمن بكل تأكيد هو إعادة تعريف للقوة الإيرانية في المنطقة وسيكون هذا التعريف صالحا لفترة لا بأس بها. فكيف تعرف السعودية هذه القوة!؟
عبدالله رجا - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية