أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

انتصار تموز .. يؤسس لولادة شرق جديد وتكتل حضاري يجمع العرب وجوارهم .... بلال حسن التل

يمكن القول بسهولة أن انتصار المقاومة الإسلامية ممثلة بحزب الله ، على العدوان الامريكي الاسرائيلي المدعوم بتواطؤ عربي ودولي على لبنان في تموز عام 2006. قد أسس لولادة شرق جديد. بمواصفات غير تلك المواصفات التي وضعتها الإدارة الامريكية وحلفاؤها للشرق الأوسط الجديد الذي كانوا يعتزمون استيلاده من رحم العدوان على لبنان كما أعلنت ذلك صراحة وزيرة الخارجية الامريكية والتي اعتبرت عدوان تموز ولادة عسيرة للشرق الأوسط الجديد مما يعتبر دليلا يضاف إلى مجموعة الأدلة القاطعة على أن اسر حزب الله للجنديين الإسرائيليين لم يكن سببا لعدوان تموز الذي تبين فيما بعد بأن العدو كان يعد له منذ سنوات ولذلك فقد استثمر عملية الأسر لتنفيذ عدوانه الذي كان يستهدف من ورائه القضاء على المقاومة ليكون الشرق الاوسط الجديد خاليا من أي قوى رافضة للهيمنة الامريكية والتفوق الاسرائيلي ولم يكن بحسبان الذين خططوا لهذه الحرب او ناصروها أن تجري الرياح بما لا تشتهي سفنهم فقد انتهت الحرب بهزيمتهم وانكسار مشروعهم وبانتصار مدو للمقاومة حولها إلى رقم صعب في معادلات المنطقة وصياغة صورة الشرق الاوسط الجديد وهي صورة ستكون بالتأكيد مختلفة عن الصورة التي ارادها وسعى اليها ومايزال الأميركيون وحلفاؤهم فإذا كان الامر يكيون يريدون لهذا الشرق أن يكون ممزقا مجزءاً فإن المقاومة تريده موحدا متحدا وهي قادرة على أن تكون دافعة أساسية من روافع هذه الوحدة التي تتوفر أسباب قيامها في هذه الأيام اكثر من أية فترة مضت، ذلك أن هذا العصر يمتاز بأنه عصر التكتلات الكبرى حيث تسعى الكتل البشرية إلى بناء تحالفات اقتصادية وسياسية بينها تمكنها من إيجاد موطئ قدم لها على خارطة هذا العالم الذي لم يعد فيه مكان إلا للأقوياء وهو الأمر الذي يفرض علينا في هذه المنطقة من العالم الأخذ بأدوات العصر وأهمها أداة التكتل الذي تتوفر كل مقومات قيامه في هذه المنطقة التي تشكل في جوهرها ورغم كل العوارض التي تطغى على سطحها بين فترة وأخرى وحدة واحدة ، فهذا الشرق يشكل كتلة واحدة تربطها مجموعة من العرى التي لا انفكاك لها، أولها وحدة الجغرافيا، فليس بين مكونات جغرافيا هذا الشرق عربية كانت أم تركية أم إيرانية حواجز جغرافية ضخمه تجعل من التواصل بين سكانه أمرا صعبا، فلا محيطات عملاقة ولا بحار كبرى تفصل بين هؤلاء السكان، كذلك الامر بالنسبة للمكونات البرية الملاصقة ،بل والمتداخلة بين مكونات الشرق الثلاثةـ العرب والاتراك والإيرانيين ـ، وهذه الوحدة الجغرافية أعطت هذا الشرق وحدة مناخية وكلاهما ـ الجغرافيا والمناخ ـ أعطيا سكان هذا الشرق وحدة في المزاج والطباع ، حيث يؤكد العلماء من أهل الاختصاص أن للمناخ مثلما للجغرافيا تأثيرا كبيرا على طبائع البشر وأمزجتهم ، مثلما أن تقارب الطباع والمزاج من عوامل التقارب البشرى .
فإذا أضفنا إلى الجغرافيا والمناخ التاريخ المشترك والمتداخل أيضا لسكان هذا الشرق عربهم وتركهم وفرسهم اكتشفنا عاملا آخر مهما من عوامل التقارب والتعاون بين هذه الاعراق الثلاثة ، فإذا توجنا هذه العوامل المجتمعة من عوامل التقارب بعامل آخر وهو الدين الذي يجمع الاغلبية الساحقة من أبناء هذه الاعراق ، حيث تدين هذه الاغلبية بالإسلام اكتشفنا أن عوامل تقاربها وتعاونها ارسخ بكثير من عوامل اختلافها وتصادمها لذلك صار من الضروري على عقلائها ، وصناع القرار فيها ـ الاعراق الثلاثة المتجاورة ـ في الجغرافيا والمشتركة في المناخ والمزاج والطباع والتاريخ ، و المتحدة في الدين صار من الضروري على هؤلاء العقلاء أن يعملوا على إيجاد صيغة من صيغ التكافل والتعاون فيما بينها على غرار ما فعل الأوروبيون على سبيل المثال ، ذلك أن الاوروبيين على تعدد أعراقهم وعلى ما بينهم من حواجز جغرافية وعلى ما بينهم من بحار الدم التي سالت في الحروب الكثيرة التي نشبت بينهم، وعلى تعدد لغاتهم سعوا إلى إقامة الاتحاد الأوروبي، فلماذا لا نسعى نحن أبناء الشرق على ما بيننا من عوامل التعاون إلى إقامة إطار يجمعنا ؟

حضارة واحدة
ليس ما تقدم هو كل العوامل التي تساعد على تحقيق التعاون بين أبناء هذا الشرق، فبالإضافة إليها فإنه وبفعل وحدة الجغرافيا وتشابك المزاج والطبائع والتاريخ ووحدة الدين أنتج أبناء هذا الشرق حضارة واحدة ساهم الجميع في بنائها ، خاصة أبناء الاعراق الثلاثة، ـ العرب والترك والإيرانيين ـ الذين أسهموا جميعا في بناء الحضارة الإسلامية التي ينتمون إليها ويعتزون بها كما أنهم جميعا يتعبدون بالقرآن الكريم الذي نزل باللغة العربية التي يمكن أن تكون عامل توحيد للمسلمين كافة، خاصة في هذا الشرق الذي ننتمي إليه .

مصالح
لقد أشرت فيما تقدم إلى عوامل التوحيد والتعاون بين أبناء هذه المنطقة من العالم ، وقبل أن أغادر الحديث عن هذه العوامل لا بد من أن أشير إلى عامل مهم صار الآن لغة العصر ـ أعني لغة المصالح ـ فمن مصلحة هذا الشرق أن يعمل بروح الفريق الواحد للحفاظ على ثرواته، وان يحسن استغلالها
لمصلحته، وأن يحولها إلى نعمة ينمي من خلالها قدراته وإمكانياته بدلا من أن تظل سببا من أسباب النقمة عليه ، لأنها تجر عليه أطماع قوى الاستكبار والهيمنة ، خاصة الغربية منها التي ارتبطت مع هذا الشرق بتاريخ دموي قام على الاحتلال والجشع والاستغلال الذي نعيش هذه الأيام أبشع تجلياته بفعل السياسة الاستكبارية الامريكية التي تقوم على ثلاثة ركائز .
أولها : حفظ أمن واستقرار إسرائيل على حساب الحقوق التاريخية والدينية والقانونية لأبناء المنطقة. وهي السياسة التي تأخذ الآن بعدا عقائديا بسبب سيطرة المحافظين الجدد على القرار الأمريكي ، وهؤلاء المحافظون يعتبرون قيام إسرائيل تحقيقا لوعد الرب ، ومعظمهم يتمنى الاشتراك في معركة (هيرمجدو)الموعودة .
أما ثانية ركائز هذه السياسة فهي : رغبة أمريكا بالسيطرة على ثروات المنطقة ، وخاصة النفط وهذه الرغبة الامريكية هي انعكاس للفلسفة التي قامت عليها الولايات الأمريكية أصلا وهي حب المال، فمن الحقائق التاريخية الثابتة أن الولايات المتحدة الأمريكية قامت على يد المغامرين والمقامرين الباحثين عن الذهب وجمع المال. وقد كان جمع المال وما زال المحرك الأساسي للأمريكيين وللسياسة الأمريكية ومن سوء حظ هذه المنطقة أن فيها مصادر ثروات هامه، في طليعتها النفط الذي يسيل له لعاب الامريكي ، أما الركيزة الثالثة للسياسة الامريكية ، فهي اقتلاع أصحاب الحقوق ، فقد أقام الغربيون الفارون من أوروبا إلى العالم الجديد ، ما يعرف الان بالولايات المتحدة الامريكية على أنقاض وجثث الهنود الحمر أصحاب البلاد الأصليين . لذلك ليس من المستغرب أن ينحاز الأمريكيون إلى كل من يمارس سياسة الاقتلاع كالعدو الصهيوني في فلسطين . وليس غريبا أن يقف الامريكي في الصف المعادي لكل من يحاول الدفاع عن حقوق الشعوب ، وفي الطليعة من ذلك المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق .

تحديات
إن هذا التاريخ الدموي للعلاقة بين منطقتنا والغرب، والذي تجسده السياسة الامريكية كان سببا لمعظم ما تعيشه منطقتنا من تحديات أولها الاحتلال ، الذي بدأت مساحته تتسع في السنوات الأخيرة ، فبعد احتلال فلسطين وإقامة كيان غريب فيها ، جاء احتلال العراق والتهديد بين الفينة والأخرى باحتلال سوريا، وضرب إيران ، وهذا الاحتلال يستهلك جزءا كبيرا من ثروة أبناء المنطقة ووقتهم وجهدهم، وبدلا من أن تنفق الثروة والجهد على البناء والتنمية تهدر على التسلح وعلى اعادة الاعمار لكل ما صار يلحق بدول المنطقة بعد كل معركة وكل حرب ، كما حدث في العدوان الاسرائيلي على لبنان في تموز 2006، وكما حدث في الحرب المستمرة على العراق الذي تنهب ثرواته من قبل المحتل الامريكي واتساع دائرة الاحتلال يفرض على أبناء المنطقة توسيع دائرة مقاومته ودعم هذه المقاومة لتتمكن من دحر المحتل عبر الحرب الشعبية القادرة وحدها على صناعة النصر على المحتل . وانتصارات المقاومة الإسلامية في لبنان خير برهان على هذه الحقيقة

فرقة
إن الاحتلال فوق أنه يشكل تحديا خطيرا أمام أبناء المنطقة وسببا من أسباب تخلفها ونهب ثرواتها وانفاقها على غير وجوه التنمية ، فإنه سبب من أٍسباب فرقتهم لانهم يختلفون على طبيعة العلاقة فيما بينهم وبين هذا الاحتلال ، فغالبيتهم الساحقة ترى أن إسرائيل غدة سرطانية لا بد من اجتثائها في حين يقيم بعضهم علاقات تعاون وتواصل معها مما يسبب إغاظة للأغلبية ، ويحول دون قيام مسيرة التعاون بينهم ، ولا يختلف الحال كثيرا عن الاحتلال الامريكي للعراق وطبيعة النظرة إليه ، ففي الوقت الذي يقدم فيه بعض أبناء المنطقة الدعم والمساندة للمقاومة العراقية، يضيق عليها بعضهم الآخر الخناق ويتعاون مع المحتل الامريكي للقضاء عليها ، وهكذا أضاف الاحتلال عامل خلاف جديد بين أبنائها هو الموقف من المقاومة سواء في العراق أو فلسطين أو لبنان ، فالذين يختارون الحرية والاستقلال لامتهم ومنطقتهم يقفون إلى جانب المقاومة ويحمونها ، والذين يدورون في فلك المحتل يسعون للقضاء على المقاومة إرضاء للمحتل الذي يريد هذه المنطقة ضعيفة لا تقوى على الدفاع عن نفسها والتصدي لحالة الخلاف حول المقاومة يستدعي نشر ثقافة المقاومة بين أبناء المنطقة ، وتدريبهم عليها وقد وفرت انتصارات المقاومة الإسلامية في لبنان أدله ملموسة على قدرة المقاومة على صناعة النصر ثم التحولات الكبرى في المنطقة. مما يجعلها عامل توحيد لابناء الامة حتى في نظرتهم للمقاومة .

ضعف
أما التحدي الثاني من التحديات التي تواجه منطقتنا فهو تحدي الضعف. وهو تحد يحرص أعداؤها على إبقائها فيه ويسعون إلى تكريسه لأن هذا الضعف من أهم أسباب سيطرتهم على هذه المنطقة وسلبهم لثرواتها، ولعل هذا الامر من أسباب نقمتهم على الجمهورية الإسلامية في إيران التي استطاعت خلال سنوات قليلة أن تبني قوة عسكرية رادعة قادرة على حماية حدودها والوقوف في وجه الأطماع الغربية عموما والأمريكية على وجه الخصوص في إيران والمنطقة ، وهو أمر لا يروق للغربيين الذين يشنون حملة تحريض لا هوادة فيها على الملف النووي الإيراني لان إيران مثلما خرجت عبر بناء قوتها العسكرية من تحدي الضعف الذي يواجه المنطقة فإنها وعبر ملفها النووي خرجت من تحد آخر من التحديات التي تواجه منطقتنا وهو تحدي التخلف، فلقد عمل أعداء هذه المنطقة على إبقائها أسيرة لكل مظاهر التخلف ابتداء من تخلف الأمية، حيث تصل معدلات الأمية في المنطقة إلى مستويات عاليه، مرورا بالتخلف الاجتماعي والثقافي ، وصولا إلى التخلف التكنولوجي الذي يشكل الملف النووي الايراني تمردا خطيرا عليه ، وهو التمرد الذي لا يروق للغرب ، الذي يريد أن يظل مسيطرا على منطقتنا تماما مثلما يريد إبقاء الفقر سمة من سمات أبناء هذه المنطقة ، ففي الوقت الذي تعتبر فيه هذه المنطقة من أغنى مناطق العالم بالثروات الطبيعية، فإن الدراسات والأرقام والإحصائيات تشير إلى أن شعوبها من أفقر شعوب الارض واكثرها معاناة من البطالة والتشرد، وذلك بفعل السياسات الاقتصادية الخاطئة التي تفرض على المنطقة وأبنائها الذين صار من بينهم أعلى نسبة من اللاجئين في العالم ، سواء بسبب الحروب او الكوارث الطبيعية او الظروف السياسية التي تعيشها المنطقة ، وهذا اللجوء يعني تخلفا ويعني فقرا ويعني جهلا ويعني بطالة أي كل أسباب منع التنمية والتطور وكل أسباب تكريس التخلف.

تكريس
إنَ مجموعة التحديات التي أشرنا إليها فيما سلف هي التي يسعى أعداء هذه المنطقة إلى تكريسها. لمنع شعوبها من التعاون على أساس الجوامع المشتركة التي أشرنا اليها أعلاه . ومن اجل ذلك استخدموا العديد من الوسائل واولها استحضار الخلافات التاريخية التي نشبت بين أبناء المنطقة سواء كانت هذه الخلافات مذهبية نرى الان تجلياتها بوضوح عبر سعى أعداء الأمة إلى الباس الخلافات السياسية في المنطقة لبوسا مذهبيا كما هو الحال في العراق ولبنان والجهود المبذولة للتخويف من ايران باعتبارها دولة شيعية ومن الغريب العجيب أن هذا التحريض المذهبي يجري في الوقت الذي تتم فيه الدعوة للحوار بين الأديان بما فيها اليهودية التي يحتل اتباعها. مقدسات المسلمين . فهل يعقل أن يتم الحوار بين المسلمين واليهود ثم يجري تحريض المسلمين بعضهم على بعض على أساس اختلاف المذاهب القائمة على تنوع الاجتهاد الفقهي أحد أهم علامات عظمة الإسلام الذي يجمع اتباع كل مذاهبه ايمان بالله الواحد وبرسول واحد، وبالكتاب الواحد والحج لبيت واحد ، وصيام شهر واحد والصلاة لقبلة واحدة ، لكنه منطق المستعمر الذي يؤمن بقاعدة فرق تسد ، ولذلك فإنه لا يترك بابا من الأبواب التي يعتقد أنها تفرق أبناء هذه المنطقة إلا ولجه ، فمثلما يحاول أن يثير الفتنة المذهبية بين اتباع الدين الواحد من أبناء المنطقة، فإنه يسعى لإثارة الفتنة الطائفية بين أتباع الديانات المختلفة من شركاء الوطن كما يحدث في لبنان والعراق عندما يحاول الظهور وكأنه حام للمسيحيين من المسلمين شركائهم في الوطن ولعلنا جميعا نذكر كيف صار المستعمر يتدخل في شؤوننا الداخلية من باب حماية الاقليات غير الإسلامية ، وهي الحماية التي صارت تعرف فيما بعد بالامتيازات الأجنبية .
ومثلما سعى المستعمر إلى إبقاء واقع التجزئة في منطقتنا عبر بوابة الفتن الطائفية والمذهبية ، حاول كذلك الدخول من مدخل الاقليات العرقية والدينية، ولعل مشكلة الأكراد التي يلوح بها المستعمر في وجه كل من إيران وتركيا وسوريا والعراق خير مثال على هذا الجهد الدؤوب للمستعمر لابقاء واقع التجزئة من خلال مدخل الاقليات العرقية والدينية.

حروب
لقد أشرنا فيما تقدم من سطور إلى استحضار العدو للخلافات التاريخية في المنطقة على صعيد المذهب والطائفة والعرق ، ولكن هذا الاستحضار يمتد ليمثل محاولة استحضار الحروب التي وقعت في مرحلة تاريخية سابقة من تاريخ هذه المنطقة ، كحرب الصفويين والعثمانيين لتبقى روح العداء مسيطرة على أبناء هذه المنطقة ، فينشغلون بها عن التفكير بعوامل التعاون وبناء فضاء مشترك بينهم يحررهم ويحرر أوطانهم وثرواتهم من واقع التخلف الذي يعيشون فيه .
أن هذه التحديات التي تواجه منطقتنا تفرض على أبنائها الوقوف لحظة صدق مع النفس لتلمس طريق الخلاص من هذا الواقع واستبداله بما هو افضل لمصلحتهم . وعندها سيكتشفون أن المقاومة الشاملة أهم أدواتهم للانتصار على هذه التحديات وللخروج من واقعهم المتخلف والمهزوم .

(95)    هل أعجبتك المقالة (102)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي