أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

معتقلة سابقة تروي لـ "زمان الوصل" رحلة الموت في الفرع 227 وكيف قتلت رحاب علاوي

كانت المعتقلة تُجبر على خلع ثيابها وتقف أمام المحقق عارية - الصورة: تعبيرية

"لم أمت ولكني رأيت الذين ماتوا قبلي" بهذه العبارة المؤثرة لخصت معتقلة سابقة تجربة اعتقالها المريرة في عدد من فروع المخابرات التي زارتها ومنها " 227" و215" و"219" بتهمة جاهزة لطالما دأب نظام الاسد على الصاقها بمن يعارضه وهي "الإرهاب". وروت "سحر" وهو الاسم المستعار الذي اختارته لـ" زمان الوصل" تفاصيل مؤلمة من تجربة اعتقالها، وأساليب التعذيب التي مورست عليها ولقائها بالشهيدة "رحاب العلاوي"وعالمة الفيزياء النووية الدكتورة "فاتن رجب".

تقول سحر:"عام 2012 كنت أعمل ناشطة في مجالات كثيرة في العام 2012 ولكنني كنت أخفي هذه النشاطات عن أهلي خوفاً من منعهم لي وبتاريخ /5/10 /2012 كنت مع مجموعة من الركاب داخل سرفيس متوجه إلى منطقة سكني، وعند أحد الحواجز القريبة من منزلي أوقف السرفيس عناصر الحاجز، وكنت أحمل ورقة تحمل بيان استشهاد شاب من خيرة شباب المنطقة استشهد أمامي بقذيفة هاون، وعندما حاولت أن أخفي الورقة لاحظ العسكري ذلك فأمرني بالنزول وهنا– كما تقول "عرفت أني ودعت الحياة" وتردف سحر:"بعد أن قرأ ضابط الحاجز الورقة لطمني على وجه بقوة، ونزع حجابي عن رأسي قبل أن يسحبني على الأرض ليدخلني إلى غرفة الحرس، وما أضحكني أكثر وأنا موجوعة–كما تقول– أن عسكرياً " كان يضربني وهو يصرخ في وجهي "يا خاينة الوطن" وتضيف:" صرت بيني وبين نفسي أتساءل من الخاين أنا". 

"

"
بعد ساعتين من الاحتجاز تم اقتياد سحر إلى الفرع 227 لتبدأ رحلة اعتقالها التي استمرت ثلاثة شهور كانت من أقسى مراحل حياتها، ولعل الصورة الأكثر بشاعة والتي لا يمكن نسياها بالنسبة للمعتقلات في الفرع 227 -كما تقول- هو "شرشبيل" ضابط المخابرات السابق الذيت تم تعيينه مديراً لسجن المنفردات ومكتب تسجيل دخول أي معتقل أو معتقلة، ورغم أن عمره تجاوز الستين إلا أنه-كما تؤكد- "كان يفتش المعتقلات بطريقة مهينة وبعيدة عن كل الأعراف الإنسانية ولا تجرؤ اليوم أي معتقلة على تذكر ما كان يقوم به هذا السجان حتى ولو بين أنفسنا". 

أجساد مشوّهة !
وتضيف محدثتنا: "كانت المعتقلة تُجبر على خلع كل ثيابها وتقف أمامه عارية بالكامل دون أي قطعة لباس على جسمها، علماً أغلب المعتقلات كن من محافظات غير دمشق ومتحولات للفرع 215 وكان شبيحة المعتقل يعصبون أعين المعتقلات لكي تتشوش أفكارهن، ويمتد الرعب إلى قلبهن من ناحية، ومن ناحية أخرى كي لا يتعرفن على هوية المحقق والضابط والجلاد". 

وتصف "سحر" طريقة تعذيبها قائلة:"تعرضت لصعق كهربائي على قدمي وتم كسر يدي اليمنى حتى اُغمي علي من الوجع والخوف الذي عشته" وتضيف: "كنت أقف أمام المحقق، وعندما يلاحظ رجفان جسدي من البرد كان يجبرني على الذهاب إلى الحمامات ليغرقني بالماء البارد، ويرميني أمام المنفردة في حالة من الغياب عن الوعي، حتى تأتي رفيقاتي في الزنزانة ويقمن بتنشيف جسدي وثيابي، وهذا الكلام في شهر كانون أيام الثلج". 

كانت الزنزانة التي أُودعت فيها سحر عبارة عن منفردة صغيرة المساحة لا تكاد تتسع لشخصين رغم أنها -كما تقول– "كانت تضم حوالي ثمانية فتيات من مختلف الأعمار، ومن بينهن نساء حوامل ونساء تجاوزن الستين من أعمارهن وبعضهن مصابات بمرض السكري والقلب والضغط" وتضيف سحر:"كنا نشم رائحة جثث الرجال التي مضى على وفاتها أكثر من 10 أيام، وكانت زنزانة النساء مقابل زنزانة الرجال، وغالباً ما يتم تعذيب الشبان أمام أعين المعتقلات ليمتن قهراً، وكنا نسمع صرخات الألم واستعطاف المعذبين بين يدي المحققين والجلادين مما يؤثر على معنوياتنا ويشعرنا باليأس والخوف وخصوصاً عندما نرى عشرات الجثث ملفوفة بحرامات عسكرية، ويتم حملها إلى خارج الفرع، وكانت أجساد الكثير منهم مشوّهة تنزف منها الدماء على الأرض".

ومن أصعب المواقف بعض المعتقلات كن أقارب لبعض هؤلاء المعذبين كما تقول المعتقلة السابقة مضيفة :"كانت المرأة تسمع صرخات ابنها أو زوجها أو أخوها" وتردف:"كنا نسترق النظر ونسمع أصوات هؤلاء المعذبين من فتحة في باب الزنزانة لأنه لم يكن مسموحاً أن يُفتح باب الزنزانة إلا من قبل مدير السجن، وحتى أسماءنا – كما تضيف- "كان من الممنوع أن تُذكر".

أسيرات حرب لا معتقلات !
وتسرد المعتقلة السابقة أن "العشرات من الشبان كانوا يخضعون للتحقيق بالدور من قبل المحقق ذاته، وربما ظل بعض الشبان شهوراً طويلة دون تحقيق، بل يتم تعذيبهم بشكل يومي دون تهمة محددة بل لمجرد أن التقرير المرفوع فيهم يذكر يشير إلى أنهم من أقارب مسلحين أو يسكنون في منطقة محررة". 
وكانت المحكمة-بحسب وصف سحر- أشبه بفرع أمني ولكن بشكل علني، من المحقق إلى تعامل السجانين، إلى حرمان المساجين من أصغر حقوقهم، وهو الدفاع عن أنفسهم أمام القاضي، وكان هذا القاضي عبارة عن محقق لا يقضي إلا بسلطة وتشريع بشار الاسد وليس تشريع الجمهورية العربية السورية".

بعد توقيف القاضي الأول للمعتقلة سحر لمدة ثلاثة أشهر بتهمة الأعمال الإرهابية تم تحويلها إلى محكمة الجنايات، بتهمة التعامل مع المسلحين وتمويل الإرهاب بالمال وترويج تهريب الأسلحة– كما توضح- مضيفة أن "التهمة الأخيرة مفبركة من الفرع" وتلمح محدثتنا:"كنت ورقة رابحة في يد النظام، لم يكن يريد محاكمتي ولا إخلاء سبيلي، وهذا – كما تؤكد "حال الكثير من النساء المعتقلات اللواتي كنّ بمثابة أسيرات الحرب وأوراق ضغط يستغلها النظام لتنفيذ مآربه في المبادلات أو فيما يسميها "المصالحات الوطنية".

قيصر ثان
سحر التي كانت إحدى ضحايا التعذيب كانت ايضاً شاهدة على قصص تعذيب أخرى ومنها عائلة كاملة تتألف من 17 شخصاً عُذب أطفالها أمام الكبار بتهمة أنهم يسكنون في منطقة محررة "وهناك– كما تقول– "طفل لم يتجاوز الثالثة عشرة من عمره أُوقف في سجن عدرا بتهمة تهريب أسلحة مع اخته وابن خالتهم الذي أُخلي سبيله بعد أن تم استجوابه بوسيلة الضرب المبرح الذي ترك علامات في كل أنحاء جسده" ومن قصص التعذيب– كما تروي محدثتنا- قصة امرأة في العقد الرابع من عمرها من دوما تعرضت لتعذيب شديد، حيث أجلسوها على كرسي كهربائي، وأدى تعذيبها إلى كسر ظهرها لتعترف على شيء لم تقم به". 

وكشفت المعتقلة السابقة أن"هناك قيصر ثان سيسرّب صوراً جديدة، فالكثير من نساء المعتقلات لا يُعرف مصيرهن، وكما كشف قيصر آلاف الصور لمعتقلين من بينها صورة "رحاب العلاوي" ستُكشف صور جديدة عن نساء مجهولات المصير.. - زمان الوصل - تعد بالمزيد للكشف عن مصير المعتقلين.. 

لعل أبرزهن – كما تقول- "أمل الصالح" والدكتورة "فاتن رجب" مضيفة أن:"أغلب المعتقلات اللواتي كن معي مضى على غيابهن أكثر من سنة ونصف، ولو كن على قيد الحياة لعُرف مصيرهن أو أين هن". 


رحاب علاوي
وتكشف سحر أن الضحية "رحاب العلاوي" كانت معتقلة معها في الزنزانة ذاتها وقبل تصفيتها جاء الشبيحة إلى المعتقل حوالي الساعة الحادية عشر وطلبوا منها أن تلبس وتجهز نفسها لأنها ستخرج إلى البيت، لكي لا يعرف أحد إلى أين هي ذاهبة" فليس من المعتاد– كما تؤكد محدثتنا أن تخرج المعتقلات في مثل هذا الوقت، وتضيف نقلاً عن شهود:"تم اقتيادها الى فرعها الأساسي 291 وأخذوا منها كل المعلومات التي يريدونها وبقيت فترة في منفردة ليتم اعدامها فيما بعد " مضيفة أن "هناك أكثر من احتمال عن طريقة تصفيتها، فربما تكون ماتت خنقاً كما يتضح من شفاهها المزرقة، والشال الملفوف على رقبتها، أو ربما تم قتلها بواسطة إبرة تبدو آثارها على ساعدها الأيمن". 

وحول إخلاء سبيلها فيما بعد ختمت المعتقلة السابقة :"لم يخل سبيلي من محكمة الجنايات، بل كان الإخلاء أمنياً من خلال عقد معاهدة بين النظام والثوار يضمن اطلاق سراحي مقابل وقف اطلاق النار من قبل الثوار وتسليم الأسلحة الثقيلة وتستدرك : "كنت أتمنى لو بقيت معتقلة ولم تجر مثل هذه المساومة لهول ما رأيت من إجرام النظام ووحشيته التي لا توصف".

فارس الرفاعي - زمان الوصل - خاص
(280)    هل أعجبتك المقالة (278)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي