أسنانه مصفرة من أثر التبغ وتعاطي الحشيش , طرقه الدائم على خشبة البار القذرة ,تلك الرقبة الغليظة والخرقة الوسخة , أبخرة الكحول متمازجة متماسكة , بقايا المشروبات أسفل الكؤوس .
روائح الجنس والغريزة تملأ المكان , نساء بوجوه رمادية وصفراء يختلط عرقهن بروائح المكان ورمادية الجدران والقليل من النور المتسلل.
- الدفع سلفا .
قالها " البارمان " وهو يرمي الفوطة القذرة على كتفه باسطا كفه الغليظ على الطاولة
قابعا في الزاوية رأيته , ينظر بعينيه التائهتين في المكان , جافلا أحيانا من ضحكة تنطلق بغنج لتحول عصير الكروم في رأسك لماءِ نارٍ يغلي .
رميت النقود على الطاولة وتوجهت نحوه ....
- أنت جديد هنا ....
سحبت الكرسي وجلست دون استئذان
- لم أرك هنا من قبل ؟ .. أنت جديد ؟
سحب الزجاجة , قربها من كأسه , احتضنها بيده . خرج صوته لاهثا خدرا مشبعا بالكحول الرخيص .
- كل يوم أنا هنا , أنت لا تراني ... أراك كل يوم تقريبا .
عاد للنظر إلى الطاولة , أشعل سيجارة من أخرى كانت تلفظ أنفاسها
ازدحم المكان بالسكارى وبنات الليل اختلطت الهمسات واختلطت الأجساد بمزيج جهنمي لاهب .
لفت نظري حذاءه اللامع وربطة العنق الغالية الثمن التي يرتديها والتي تتناقض مع القميص الأزرق الرخيص , الملطخ ببقع لم أستطع اكتشافها .
صفار يحيط قبة القميص والجيب المنتفخ الفارغ إلا من علبة سجائره التي يصرّ أن يرجعها لمكانها كلما أشعل واحدة
أتامل زوار المكان وتلك الوجوه التي اعتدتها , باحثا عمن أعرفه منهم
- أنا بالنسبة لك محطة أو ربما شخصية على طبق الورق الأنيق خاصتك .
أخرجتني كلماته من تأملاتي نظرت إليه مستغربا.
- لا تستغرب .... أعرفك, الكل هنا يعرفك . تأتي لتجالس السكارى وبنات الليل , تشارك الكفار كفرهم لتستعيذ بعدها بالشيطان وتحظى ببعض كلمات تنقشها من ذهب كما يقولون عنك .
كلماتك معجونة بصلف المتفرج ودمائنا المراقة على موائد أصدقائك لننتهي ربما حكاية أو تشويحة يد أو ربما شفة مقلوبة امتعاضا .
تعيش فينا ومن خلالنا لأن روحك عاجزة وخيالك مشلول
- وأنت ...؟
ضحك بهستيرية وقذف ما تبقى في الزجاجة داخل جوفه .
- لن أسمح لك أن تسجنني في حكاياتك وتقفل علي بنقطة تضعها آخر السطر , تستبيحنا كالأجساد التي حولك تغلف أرواحنا المتعبة كالعفن .
وقف راميا قطع النقود على الطاولة ,سار باتجاه الباب تتبعني وتتبعه عيون الموجودين الغاضبة ليضيع وسط زحام الشارع وطرقات البارمان التي لم تتوقف .
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية