أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

غزالي.. أكبر من قصة عراك، أبعد من قصة موت

كان غزالي "المفوض السامي" في لبنان، الذي يخوله منصبه التدخل في كل صغيرة وكبيرة - زمان الوصل

قد يكون من المفارقات الفاقعة أو "نكد الدنيا على الحر" أن تنطلق الشرارة الأعظم لمقاومة الاحتلال الإيراني لسوريا ولنفوذ مليشياها الطائفية "حزب الله".. أن تنطلق هذه الشرارة من طرف "رستم غزالي"، الرجل الذي رسم في مخيلة السوريين صورة يقصر عنها الشرح، بل ويُضر بها إن حاولناه.

طبعا، كان لـ"غزالي" دوافعه الذاتية في مقاومة احتلال إيران ونفوذ مليشيا "نصر الله"، أو هكذا يبدو على الأقل من استعراض سريع لتاريخ الرجل، ومن مقارنة أسرع برجل رافقه فترة طويلة وسبقه إلى "الانتحار"، إذ ليس خافيا أن "غزالي" كان أحد الحاكمين بأمر نظام الأسد في لبنان، ثم أصبح الحاكم الوحيد بأمر هذا النظام بعد عزل "غازي كنعان" وإعادته إلى "حضن الوطن" في دمشق، وبمعنى آخر فإن "أبو عبدو" كان في مرحلة من المراحل الحاكم الفعلي للبنان، حتى حدث الانسحاب المذل لقوات النظام عام 2005، على خلفية قضية اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري.

"غزالي" كان أحد أشد المتضررين والمتألمين من الانسحاب، إن لم يكن المتضرر الأول، فحجم النفوذ والامتيازات والسلطات التي حظي بها في لبنان لا يمكن ولن يعوضه أي منصب في سوريا، وهذا ما أثبته له سلفه "كنعان" عمليا عندما نُقل من لبنان إلى دمشق، ليتولى منصب رئيس شعبة الأمن السياسي ثم وزارة الداخلية.

إنها 3 سنوات تقريبا تلك التي قضاها "غزالي" في حكم لبنان، لكنها تزيد في نظره عن 50 سنة يمكن أن يقضيها رئيسا لفرع مخابراتي في سوريا، فهناك في "عنجر" الكل ملزم بالمرور على مكتب "العميد" والتنسيق معه في جميع الشؤون، سواء تلك "الداخلية" أو المرتبطة بسوريا، وسواء كان الأمر يتعلق بقانون او انتخابات أو تكتلات، أو زيارة لبشار، أو السماح باستخدام "الخط العسكري"، أو حتى سماع وشاية بشأن فريق أو شخص لنقلها إلى دمشق.

باختصار كان غزالي "المفوض السامي" في لبنان، الذي يخوله منصبه التدخل في كل صغيرة وكبيرة، وتوزيع الأوامر والتعليمات على مختلف الفرقاء والأحزاب والمسؤولين المرتبطين بنظام الأسد في لبنان، وما أكثرهم!

وضمن هذا السياق، بات من البديهي أن يكون "أبو عبدو" على تواصل دائم بـ"حزب الله" وتنسيق مستمر مع قياداته، فترسخت في ذهن الرجل فكرة مفادها أنه صاحب الحل والعقد في ملف هذا "الحزب"، دون أن ينتبه كثيرا إلى التحول التدريجي للعلاقة المباشرة وغير المسبوقة التي باتت تربط "الحزب" بالنظام من يوم وصول بشار إلى الحكم، خلفا لأبيه.

ألحق اغتيال "الحريري" رستم غزالي بسلفه "كنعان" إلى دمشق، ونقله من منصبه كملك غير متوج للبنان إلى وظيفة "عادية" في دمشق، وعندما نقول "عادية" فإنها بالفعل عادية مقارنة بما كان عليه في لبنان، ولازلت أذكر توصيفا دقيقا جدا لأحد الصحافيين عن حال "غازي كنعان" عندما كان وزيرا للداخلية، حيث يقول ذلك الصحافي إنه التقى "كنعان" وتعجب منه كونه الشخص الوحيد بين المسؤولين العرب ممن لم يسعده ولم يملأ عينه منصب يطير الكثيرون شوقا لتوليه، ويقصد به منصب وزير الداخلية، والسبب معروف طبعا، فـ"كنعان" كان دائم المقارنة بين "أيام العز" في لبنان، وما تلاها من أيام في دمشق، لذا لم يكن غريبا أن "ينتحر" الرجل تعبيرا عن بالغ تذمره، أو "ينحر" جزاء له على هذا التذمر!
إذن فقد عاد "غزالي" إلى سوريا ليعيد سيناريو "كنعان" الذي كان يحاذر من وقوعه، ويستميت في سبيل عدم تكراره، واضعا ثقته في حس مخابراتي لا يخيب، ودروس تعلمها من "كيس" غيره، ولكن الحياة أبت -كعادتها- إلا أن تعلمه من "كيسه".

واختصارا، فإن بداية نهاية "غزالي" وقعت في اللحظة التي أعطت فيها طهران أمرا لمليشيا "حزب الله" بالدخول إلى سوريا ومساندة بشار الأسد، وظن كلا الطرفين (طهران ومليشياها) أن هذا التدخل سيكون سريعا وحاسما ومؤقتا، وستعود أمور النظام إلى نصابها، ولما خاب ظنهما كان لا بد من توسيع دائرة التدخل وتعزيزه وتعميقه وتحريره من أي هيمنة "سورية" عليه، وهكذا باتت المليشيا صاحبة "الكلمة العليا" في إعطاء الأوامر، بعدما أصبحت صاحبة الفصل في الميدان، وغدت الفرصة مواتية لترد بعض "الدين" إلى "غزالي"، الذي كان مستعدا لهذا الأمر ويراقبه بمنتهى الحذر، خوفا من أن يصبح "المأمور" بعدما كان "الآمر"، وقد وقع ما توجس منه، فكان لابد من الصدام، الذي أنهى "غزالي" معنويا ثم فيزيولوجيا.

أما قصة التعارك مع رئيس المخابرات العسكرية "رفيق شحادة"، فلا تبدو إلا مجرد غطاء، أو في أحسن الأحوال "تخريجة" أو فخاً للتخلص من الرجل الذي أزعج إيران وممثليها في سوريا، وحاول عرقلة خططهم من باب حرصه على امتيازات ونفوذ كان يراه يضمحل يوما وراء يوم، كلما كان نفوذ إيران و"الحزب" يقوى يوما بعد يوم.

وإذ ما يزال الإيرانيون بارعين في حياكة الدسائس كبراعتهم في حياكة السجاد، فإن "غزالي" لن يكون آخر الضحايا، بل ربما لن يكون أكبرهم، بعدما أصبحت سوريا بحكم محافظة إيرانية، الكبير فيها صغير مقارنة بالمرشد، تماما كما كان لبنان يوما من الأيام محافظة سورية، الكبير فيها صغير مقارنة بحافظ ومن بعده بشار.

إيثار عبدالحق-زمان الوصل - نائب رئيس التحرير
(110)    هل أعجبتك المقالة (100)

أحمد الشامي

2015-03-21

هو احتلال فارسي بغيض لم يعد هناك نظام ولم يعد هناك معارضة أو موالاة بل شعب سوري واحد يقاوم هذا الاحتلال المجرم.


فتوش

2015-03-22

غزالي لم يتعلم من الحياة أن الدنيا مثل الجزرة و اليوم كان يوم الجزرة و مبروكة عليك .ويوما ما سيتذوقها معلمك بشار ..


التعليقات (2)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي