يبدو أن دمشق مهتمة بما يصدر من عاصمة القرار الأميركي من تقارير سياسية, وتتابع بشغف كبير ردة فعل الإدارة البوشية ومدى تعاطيها مع هذه التقارير, لجهة الانفتاح والانخراط المشروط مع دمشق في بعض المواضيع الاقليمية الساخنة التي تشكل طهران طرفاً أساسياً فيها.
فالتقرير الذي وضعه مجلس العلاقات الخارجية الأميركي, واضح من عنوانه »البحث عن عودة أفضل للعلاقات السورية - الأميركية« لأن ما تحتاجه دمشق من ديناميكية اقتصادية وشرعية سياسية, لا يمكن بأي حال من الأحوال, أن تقوم طهران بتأمينه على المستوى الذي تريده دمشق باستمرار.
وسواء أخذت الإدارة بهذا التقرير أم لا, فإن التوجهات الأوروبية التي يرعاها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي, كافية لإقناع واشنطن بضرورة الانفتاح على دمشق بالحد الأدنى, بعد أن لمس ساركوزي المرونة السورية ودورها الفاعل في الدفع باتجاه حل الأزمة اللبنانية على صعيد انتخابات الرئاسة الأولى.
ومن دون أن ننسى التزامن العجيب بين حلحلة العقد في لبنان واستئناف محادثات السلام غير المباشرة مع إسرائيل في تركيا, فالتفاؤل الذي أبداه الرئيس السوري بشار الأسد بمستقبل الشرق الأوسط والمنطقة, يرتبط جوهرياً بهذين الحدثين, أي لبنان وإسرائيل.
لكن الانفتاح الأميركي الذي تبتغيه دمشق, يبتعد عن موضوعي لبنان وإسرائيل اللذين هما أساس الانفتاح الأوروبي على دمشق, بينما تقترب شروط الانفتاح الأميركي, بقيام سورية في تهدئة ما تشيعه حليفتها إيران من اضطرابات وقلاقل في الساحتين العراقية والفلسطينية, والملاحظ أن في المواضيع الأربعة (لبنان, إسرائيل, العراق, فلسطين) لإيران تأثير لا يستهان به.
قد يؤدي سحب سورية وفق التصور الأميركي من الموضوع اللبناني الذي تفوح منه رائحة الصفقات, التي تزكم الأنف السوري, وكذلك إيقاف المفاوضات العبثية مع إسرائيل, التي تضرب - وفقا لرأي واشنطن - بالعمق على المسار الفلسطيني, لمصلحة إسرائيلية داخلية, ورغبة سورية تقتضيها لحظة انسداد الأفق السياسي, وعليه, فإن زج دمشق ودفعها لتأدية دور إيجابي حيث تتعاظم السلبية الإيرانية على الساحتين العراقية والفلسطينية, قد يؤدي إلى تعكير صفو الزواج الكاثوليكي المقدس بين دمشق وطهران, ويجعل دمشق تفكر ملياً بلحظة الطلاق السري عن إيران, عندما توقن أن جزرة الغرب أنفع من الفجل الإيراني المحاط بحقل من الألغام.
وبالنظر إلى الانفتاحين الأميركي والأوروبي, ثمة تباين على صعيد أولوية الخوض في المواضيع الإقليمية, فأميركا تفضل لعباً سورياً يصطدم بقوة مع اللعب الإيراني في معلب العراق, أما أوروبا, فإنها تفضل اللعب السوري في كل الملاعب, مع إدراكها باستحالة الطلاق مع إيران.
فبالوقت الذي بدأت تباشير الانفتاح الغربي تلوح في الأفق السوري, لا زال الإحجام العربي عن دمشق له أسبابه الكثيرة التي تفهمها جيداً, فهل بدأت سورية تغير جلدها السياسي دفعة واحدة من خلال الإسهام البناء في اتفاق الدوحة والمفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل والتهدئة في غزة وحوار الفصائل الفلسطينية, إلى جانب الانخراط في المشروع المتوسطي واستقبال مفتشي وكالة الطاقة الذرية بصدر رحب, ألا يعني كل هذا التغير أن طلاقاً سرياً قد حصل مع إيران وبالتراضي?.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية