يصادف اليوم مرور الذكرى السنوية السادسة لافتتاح سوق دمشق للأوراق المالية، غير أن هذه الذكرى تمر دون أن يتذكرها أحد، وخاصة وسائل إعلام النظام ورجالاته الاقتصاديين الذين كانوا قد طبلوا كثيرا لهذا الحلم الاقتصادي المنشود.. والسبب هو فشل هذا الحلم، الذي أريد منه أن يكون مخططا لتدمير الاقتصاد السوري وتفتيته وحصره بيد فئة متنفذة قريبة من النظام.
إلا أن قدوم الثورة السورية أفشل هذا المخطط، وانقلب السحر على الساحر، وأصبحت البورصة شاهدا ومؤشرا يوميا على انكسارات هذا النظام الاقتصادية. منذ اللحظات الأولى التي بدأ فيها المسؤولون الاقتصاديون بالحديث عن حاجة السوق السورية لبورصة، في نهاية العام 2007، كانت شركة الخليوي "سيريتل" لصاحبها رامي مخلوف، هي الوحيدة التي سبقت هذا التاريخ وطرحت أسهمها للبيع، ما يعني أنها كانت الشركة السورية الوحيدة التي يحق لها الدخول للبورصة.
ومع توالي الأحداث ودخول بعض البنوك الخاصة للسوق السورية، ازدات وتيرة العمل لإطلاق هذه السوق وعلى عجل.. وتم يومها إجبار رجل الأعمال السوري موفق القداح على التبرع ببناء هذه السوق بتكلفة 750 مليون ليرة سورية، مقابل تسيير باقي أعماله ومشاريعه العقارية التي كان قد اطلقها في ريف دمشق وبالذات مشروع البوابة الثامنة الذي نفذه بالتعاون مع شركة إعمار العقارية الإماراتية. إلا أن المفاجأة الكبيرة كانت لدى افتتاح بورصة دمشق في عام 2009، عندما لم يتم إدراج أسهم سيريتل وشركة إم تي إن فيها، بحجة أنهما غير جاهزتين للدخول للبورصة.. وكان مخططا أن يتم إدراجهما في العام 2011، إلا أنهما رفضتا الدخول... إذا لمن تم افتتاح بورصة دمشق..؟! لعلها القصة الأكثر إثارة في تاريخ هذه البورصة، وهي الفكرة التي لم تكن تخطر على بال أحد..لم يكن الهدف من افتتاح بورصة دمشق، هو تحرير الاقتصاد السوري وجذب المستثمرين إليه كمان أشاع بذلك المسؤولون الاقتصاديون في ذلك الوقت.. وإنما كان الهدف هو تحقيق أمرين يخدمان مصالحة الطبقة الاقتصادية المحيطة بالنظام..
وهما: الأول، هو إزاحة كل الزعامات التقليدية للاقتصاد السوري، المتمثلة بالشركات العائلية الكبيرة، والتي قامت عليها الصناعة السورية برمتها.. لقد شكلت هذه الشركات، في فترة من الفترات، خطرا حقيقيا على النظام السياسي، عندما استطاع اثنان من رجال الأعمال الشوام ومن أهم المالكين لهذه الشركات العائلية، وهما رياض سيف ومحمد مأمون الحمصي، أن يصلا إلى مجلس الشعب وأن يشكلا رأيا عاما حولهما.. بالإضافة إلى أن هذه الشركات كانت منافسا حقيقيا لرامي مخلوف ولطبقة رجال الأعمال الجدد الذين أنتجهم النظام، كونها كانت قوية بإنتاجها الذي استطاع أن يغزو الأسواق الداخلية والخارجية.. ومن هنا اتخذ القرار بتصفية هذه الشركات وتفتيت ملكيتها بكل الوسائل، حتى لا تتكرر تجربة رياض سيف ومأمون الحمصي. لذلك لم يكن أمام بورصة دمشق من هدف، سوى تحويل هذه الشركات إلى مساهمة..
أما الأمر الثاني، فهو خصخصة القطاع العام بحجة الدخول للبورصة، وبالذات قطاع المصارف العامة والخدمات، كالكهرباء والمياه والهاتف.. ووقتها بدأت حملة مسعورة من رجالات النظام الاقتصاديين للحديث عن أهمية أن تتحول هذه القطاعات إلى مساهمة وأن يمتلك الناس جزءا من أسهمها وبالتالي أن يكونوا أصحاب مصلحة في ربحها... لكن كل هذه المخططات فشلت وفيما بعد أخذ النظام البلد كلها إلى الجحيم ...إذا ما الذي تبقى اليوم من تجربة بورصة دمشق...؟
المتابع اليوم لتداولات بورصة دمشق، والتي لا تتجاوز المليوني ليرة سورية في أحسن الحالات، ضمن الأسعار الحالية لليرة أمام الدولار، سوف يكتشف مدى التخريب الذي مارسه هذا النظام بحق اقتصاد البلد وبحق مواطنيه.. وهو تخريب كان من الأسباب الحقيقية لقيام الثورة السورية.. ولو تأخرت الثورة أكثر من ذلك، فلن يكون حال البلد أحسن مما هي عليه الآن...في جميع الحالات كان النظام ينوي خصخصة البلد وتحويل ملكيتها لرجال الأعمال المحيطين به..
باختصار، النظام كان بارعا بتحويل أكثر الأفكار جمالا إلى أفكار شيطانية، كما فعل مع البورصة، التي هي اليوم في حالة سبات سريري وبحاجة لمن يعلن وفاتها، لهذا لم يحتفلوا بذكرى ميلادها.
اقتصاد- أحد مشروعات زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية