دكتوراه في الإعلام - فرنسا
في الخبر، فإن المحكمة الجنائية الدولية تسعى لإصدار مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني عمر حسن البشير. ولم يأت الخبر عن طريق المحكمة الجنائية مباشرة، بل عن طريق وزارة الخارجية الأمريكية، حيث أكدت أن المدعي العام للمحكمة" لويس مورينو أوكامبو" سيطلب مذكرة التوقيف بحق عمر البشير.
لقد أصبحت أمتنا مستباحة في كل شيء، وأصبح باستطاعة الخارجية الأمريكية أن تفعل ما تشاء بأي قطر عربي، بل وبأي رئيس عربي. والحق أن هذه الاستباحة ما نجمت عن قوة أمريكا أو جبروتها، فأنتم تعلمون ما حل بها وبجيشها في العراق العظيم، إذ حولت المقاومة العراقية هناك قوات "المارينز" إلى دجاج أصابه الهلع، فأصبحت كحمر مستنفرة فرت من قسورة. وإنما الذل الذي لحق بنا جاء نتيجة لضعفنا نحن وعدم تمسكنا بديننا ومبادئنا وبعنفوان آبائنا وأجدادنا، حتى استطاع الصهاينة أن يقتلوا الرئيس ياسر عرفات جهاراً نهاراً وأمام أعين هذه الأمة وما نبسنا ببنت شفة، بينما توقف شجاعنا عند الاستنكار والشجب.
أما أمريكا فقد أعدمت رئيساً عربياً شرعياً أمام أعين الأمة الإسلامية جمعاء ويوم العيد، دون أن يحرك العرب والمسلمون ساكناً في سابقة تاريخية لا مثيل لها.
فالأمة التي تركت الشهيدين عرفات وصدام حسين، يواجهان الموت و الاغتيال دون تعليق، لا بد وأن تترك السودان والرئيس عمر البشير ليواجه المحكمة الجنائية وحده.
هذه أمة مستباحة في كل شيء. أ فرأيتم ما فعله بوش بأطفال العراق ونسائه وشيوخه؟ وما فعلته الصهيونية بأرض فلسطين وأهل فلسطين؟ أ فرأيتم إلى كل هذا وذاك؟ فماذا فعلت الأمة العربية والإسلامية للرد عليه أو على الأقل للوقوف ضده؟؟. أ لم يستقبل بوش استقبال الأبطال في الدول العربية؟ بل ورقص بالسيف العربي وتمتع بالرقص التقليدي، ونال الأوسمة الرفيعة والهدايا الثمينة.
هل حدث مثل هذا في أمة أخرى؟ لو قتل أوروبي على سبيل المثال في دولة عربية، لقامت الدنيا وما قعدت ولقطعت أوروبا كلها علاقاتها مع تلك الدولة وسحبت سفراءها، وربما هددت بالقوة العسكرية، فكيف أطاق العرب والمسلمون استقبال رجل ألقى من القنابل على بلد مسلم أضعاف أضعاف القنبلة النووية التي ألقيت على "هيروشيما"؟
أ ما اهتزت مشاعرهم لمقتل أطفال بعمر الورد في العراق؟، أ ما شعروا بالأسى لما يحدث كل يوم لأطفال فلسطين من الرضع والذين لم يبلغوا الحلم.
وليت أن العرب استقبلوا مجرم الحرب هذا وكفى بل ويذهبون إليه يتوسلون رضاه، واسألوا الجامعة العربية المغدورة كم من أعضائها ذهب إلى واشنطن توسلاً وطاعة.
ليس فحسب، فإذا ادعت بعض الدول العربية زوراً، أن واشنطن حليفة لها، فما بالكم بزيارة الصهاينة مصدر الإرهاب وملهمه، إلى دول عربية عديدة وعقد المشاورات واللقاءات، ثم التآمر على المقاومة في كل مكان، حتى أعطي الغاز للصهاينة ومنع عن أبناء فلسطين، وهدد أهل غزة بكسر أرجلهم لو دخلوا أرض مصر، بينما يدخل الصهاينة معززين ويعقدون الاجتماعات ويطلبوا ويطالبون ويأمرون فيُطاعون.
إرهابيو الصهاينة يتجولون في الدول العربية ويلتقون حكامها ومسئوليها ولم تتكلم دولة عربية واحدة عن إرهاب هؤلاء، من قطر إلى مصر، والأردن، إلى اللقاءات مع وزير الخارجية العماني، إلى العناق والمصافحات مع بيادق المنطقة الخضراء. وما تذكر هؤلاء ولن يتذكروا ما يحدث لأطفال العراق وفلسطين. فكيف يمكن أن تقف هذه الحكومات مع الرئيس عمر البشير أو تدافع عن السودان.
إنها القصة نفسها التي حدثت وستحدث أيضاً مع دول عربية أخرى ما لم يستيقظ هؤلاء القوم من رقادهم ويضعوا أصابعهم على الزناد من جديد.
لقد تجرأت الدانمارك عل سب رسول الله ومن ورائها الدول الأوربية كلها، فماذا فعلت الأمة الإسلامية أو العربية لوقف الاستهزاء بسيد المرسلين عليه ألف صلاة وسلام. فمن لم يغضب لرسول الله ولا لاستباحة حرمات بلاد المسلمين فكيف يغضب للسودان أو لرئيس السودان.
لن يحترمنا أحد إلا إذا احترمنا أنفسنا وعدنا إلى مبادئنا وديننا، حتى روسيا والصين اتخذتا اليوم 11/7/2008 حق النقض الفيتو ضد مشروع قرار أمريكي لفرض عقوبات على زيمبابوي ولكنهما لا يفعلان ذلك لو تعلق الأمر بالدول العربية، لأن المشكلة فينا نحن، ونحن الذين لم نستطع أن نفرض احترامنا على العالم مع كل ما نملكه من ثروات وقدرات بشرية ومادية وعقائدية.
أ ليس عجباً ألا تطلب المجموعة العربية أو منظمة المؤتمر الإسلامي محاكمة بوش وشارون وإيهود باراك كمجرمي حرب أمام المحكمة الجنائية الدولية كما يفعلون هم مع القادة العرب والمسلمين.
ادعت المحكمة الجنائية أن عمر البشير مسؤول عن إبادات جماعية بحق المدنيين في إقليم دارفور، هل يشك عاقل أو حتى أحمق، أن أمريكا أبادت ثلاثة ملايين طفل عراقي بأسلحة فتاكة ومحظورة، فلماذا لا يطالب العرب بمحاكمة بوش؟. أ لم يدمر شارون وباراك وشامير وكل مجرمي الصهاينة أجزاءً من فلسطين فوق رؤوس أهلها، فلماذا لا يحاكمونهم أمام تلك المحكمة، بل لماذا يتمتع هؤلاء المجرمين بطيب المَلقى في بلاد عربية عديدة.
حتى أن توني بلير الذي تلطخت يداه بدماء الأبرياء في العراق وشرد شعباً آمناً اصبح اليوم مبعوث سلام وحمل وديع ويجتمع بالقادة العرب من أجل تحقيق المصالحة والسلام مع العدو.
ما هذه المحكمة الدولية التي لا تتجرأ إلا علينا حتى أصبح سفك دمائنا أهون على العدو من سحق حشرة، وأين عزة المسلم وكبريائه، لقد ضاعت كرامتنا حتى أصبحت كلمة مسلم أو عربي تهمة بحد ذاتها، وحكامنا عن هذا غافلون، ولاهون بكراسيهم والتآمر على شعوبهم أو على بعضهم بعضاً.
لم يبق أمام السودان إلا توحيد الصف والاتجاه نحو الداخل وتقوية الروابط بين أطياف الشعب، والاستعداد لمواجهة التحديات أياً كانت.
فالحكومة التي تحترم شعبها ولا تضيق عليه ستجد هذا الشعب وقد وقف معها في أزمتها وناصرها. أما ما فعلته الحكومة السودانية من مخاطبة الجامعة العربية لشرح موقفها من المحكمة الجنائية فإنه لا يسمن ولا يغني من جوع، بل قد يأتي بنتائج عكسية، فما حشرت الجامعة المغدروة أنفها في شيء إلا وأتت بهلاك الحرث والنسل، وماذا فعلت الجامعة لليمن الذي يكاد يتمزق أو للصومال المحتل ولفلسطين السليبة أو للعراق الأشم.
وأذكر حكومة الخرطوم بقوله تعالى" وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين".
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية