يصعب الحصول على الرقم الدقيق لأعداد النساء السوريات اللواتي تعرضن للاغتصاب إبان الثورة، إلا أن الإحصائيات التي أوردتها المنظمات الحقوقية تشير إلى أن أعداد المغتصبات في سوريا تتجاوز 5 آلاف.
وبسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية المحيطة بالمغتصبات فإن 99٪ منهن بحاجة إلى دعم وإرشاد نفسي، قد يساعدهن على تخطي التجربة الصعبة التي تعرضن لها، ويؤهلهن لاستعادة موقعهن في المجتمع.
"زمان الوصل" التقت المرشدة النفسية فرح -ن، التي تعمل في عدة مراكز لإعادة التأهيل في مخيمات اللاجئين السوريين في تركيا حالياً، وكانت تعمل في إعادة تأهيل المغتصبات في معهد التربية الاجتماعية للفتيات الاحداث في دمشق سابقاً.
*كيف تشعر المغتصبة؟
طلبنا من فرح مساعدتنا على فهم نفسية المغتصبة، فأجابت:
تتعرض المغتصبة لعنف جسدي وجنسي من شخص أو أكثر، وتكون فاقدة للقدرة على المواجهة، وربما يتم تهديدها بسلاح أو تكميم فمها أو تقييد أطرافها، وربما تُهدد بالقتل، أو تقتل فعلا، فالمغتصبة واجهت لحظات رعب زلزلت كيانها النفسي، وأحدثت تهتكات وشروخا نفسية هائلة، وواجهت الموت، وانتهكت كرامتها وطبعا في مجتمعنا الشرقي تلاحقها وصمة الشرف وكأنها هي التي تريد ذلك، وكأن شرف العائلة متوقف على بكارتها، ما يزيد من حالتها النفسية سوءا، فهي -زيادة على ذلك- خائفة أيضا من قتل الأهل ونظرة المجتمع، لذلك حين نراها بعد الجريمة مباشرة تكون في حالة من التشوش والشرود والذهول والخوف الشديد ويساورها شعور بالخجل والعار والإهانة والقلق.
وتشير المرشدة النفسية، إلى أن أصعب ما يمر على المغتصبة، هو تعرضها للتهديد بالقتل من قبل أهلها وذويها بعد الاغتصاب، خاصة أن بعض الفتيات يتشردن خشيةً من ذويهم.
وتقول فرح: في هذه الحالة تعاني المغتصبة من فقدان تام للشعور بالأمان، وبتعذيب نفسي يصعب وصفه.
وتضيف: أحيانا تنفجر المغتصبة غاضبة ثم تهدأ وأحيانا تدخل في نوبات من البكاء، وربما تحاول الانتحار، وهي تنظر إلى من حولها بشك وتوجس، وحين تعود لرشدها تشعر بالذنب وتلوم نفسها على أنها تسببت في حدوث ما حدث، ونتيجة لهذه الاضطرابات الانفعالية العديدة تكون الفتاة في حالة إعياء شديد، وأرق وتفقد شهيتها للطعام، وتعاني من عدم التركيز.
كما تطرقت المرشدة النفسية إلى حالة المغتصبة على المدى الطويلة قائلة:
على المدى الطويل تصاب المغتصبة بما يسمى باضطراب "كرب ما بعد الصدمة" حيث تتكون لديها ذاكرة مَرَضية للحدث تؤثر في حياتها النفسية، إذ تعاودها صورة الحدث في أحلام اليقظة وفي أحلام النوم بشكل متكرر، وكلما رأت أو سمعت أوعايشت أي شيء يذكرها بالحدث فإنها تصاب بحالة من القلق الشديد والخوف وتسارع ضربات القلب والعرق، ولذلك فهي تحاول تفادي أي مؤثرات تذكرها بالحدث أو تمت له بصلة، وقد يكون من تداعيات هذه الحالة ومضاعفاتها نوع من الاكتئاب المتوسط أو الشديد مصحوبا بأعراض قلق ووساوس، وهذا قد يعوق المريضة عن ممارسة حياتها بشكل طبيعي.
وتتابع المرشدة فرح إن حادث الاغتصاب أوحتى التحرش يؤثر على رؤية المغتصبة للجنس الآخر، فقد ترى الرجل على أنه حيوان يريد افتراس جسدها وترى العلاقة الجنسية على أنها علاقة حيوانية عدوانية قذرة، لذا فإن قرارالأهل في تزويجها قرار خاطئ جدا في الفترة الأولى من الحادثة، فمن الخطأ أن يفكر الأهل بالعار وبشرف العائلة بالدرجة الأولى، ولايفكرون بحالة ابنتهم النفسية والجسدية والعاطفية، لذا برأيهم يكون لديهم حلان، أما القتل أو التزويج السريع وذلك للستر على العار.
*تزويج المغتصبة
وتنصح المرشدة بعدم تزويج المغتصبة بشكل سريع، عازية ذلك إلى أن المغتصبة تعاني من الصدمة والخوف والشعور بانتهاك الكرامة وزلزلة أمانها النفسي، إضافة إلى أنها تعرضت لعنف شديد من الجنس الآخر، الأمر الذي يجعلها غير قادرة على تقبل أي رجل خاصة في الفترة الأولى لتعرضها للاغتصاب، لذلك فإن تزويجها يزيد من تأزم حالتها النفسية، خاصة أنها تشعر بأنها ضعيفة الإرادة وهكذا قرار يزيد من كرهها لنفسها ويسلبها حقها في حرية اختيار الشريك المناسب، بل إنها تشعر بأن الاغتصاب جر عليها نتائج لاحقة لتعرضها لها، وهي الزواج من شخص غريب.
وتتساءل المرشدة النفسية: كيف سيكون مستقبل فتاة كانت ضحية للاغتصاب وأجبرت على الزواج من أحدهم دون تلقي أي رعاية أو علاج، هل ستستطيع بناء أسرة صحيحة نفسيا وتربويا وعاطفيا!؟
إجابة المرشدة، جرتنا إلى سؤالها إن كان هناك متوسط زمني، للشفاء من آثار الاغتصاب، فقالت إنه إذا تلقت المغتصبة دعما كافيا، فإنها قد تتعافي بشكل شبه كامل خلال عام من الحدث وتعود لحياتها الطبيعية كأي امرأة بما يتضمن حياة جنسية سوية مستقبلا.
وأضافت: في بعض الحالات قد يكون هناك خوف مؤقت من العلاقة الجنسية (قد يصل إلى درجة الرهاب)، وقد يكون هناك بعض المشاكل الجنسية، وهذه الأشياء يمكن علاجها في حينها، ولكن من الأفضل أن نعالج المغتصبة مبكرا حتى نجنبها كل تلك التداعيات.
كما تشير المرشدة إلى أن مسار الحالة يعتمد على شخصية المغتصبة قبل الاغتصاب، وعلى درجة وخطورة التهديد والعنف الذي واجهته أثناء الاغتصاب، وعلى مدى مقاومتها لفعل الاغتصاب، وعلى الرعاية التي قدمت لها بعد الحادث، فقد وُجد أن كثيرا من الآثار السلبية للاغتصاب يمكن تلافيها بتقديم الرعاية النفسية والاجتماعية المناسبة والسريعة للمغتصبة، وتشجيع الضحية على أن تنفس عما بداخلها لأحد أقاربها المحبين والمتفهمين، وتقديم الخدمة النفسية بواسطة فريق طبي نفسي متعاطف، وتقديم المساعدة القانونية بواسطة محامٍ أو مركز استشارات قانونية مثابر يساعد المغتصبة على نيل حقوقها.
*عقاب المُغتصب
ماذا تنصحين أهل المغتصبة والمقربين إليها، وكيف يتعاملون معها؟
تؤكد المرشدة، على أنه يجب عدم توجيه اللوم والعار لها، وذلك لأنها ضحية عمل عنيف، وطبعا تقبلها وحمايتها وليس تهديدها بالقتل، بل يجب احتضانها واحترام مشاعرها، مساعدتها على التفريغ والتكلم إن رغبت عن الحادثة، وعدم إجبارها على التحدث والرد على الأسئلة، ومساعدتها في اللجوء إلى العلاج النفسي من قبل أخصائي مؤهل ويمتلك الخبرة الكافية، وهناك جهات تعمل على الإتجار بقضايا المغتصبات والتشغيل وهؤلاء يجب على الأهل حماية الفتاة منهم حتى لا تكون عرضة لأي من هذه التداعيات..
وتضيف المرشدة: في معظم الحالات تتجنب العائلة أو الفتاة الإبلاغ عن المعتدي خوفا من القضاء غير العادل أو لعدم معرفتهم بالقوانين والحقوق أو تجنبا للفضائح، وهنا تكمن الجدلية والصراع ما بين أخذ الحق الذي سوف يسبب المشاكل والفضائح وبين التكتم الذي يرافقه الشعور بالذل والإهانة والقهر.
وفي حالات الحرب والتشرد واللجوء يصعب مقاضاة الجاني وقصاصه، مما يزيد من صعوبة العلاج.
وفي الختام أشارت المرشدة النفسية، إلى أن النساء والأطفال أكثر الفئات تضررا في الحروب، فالنساء ترملت، خُطفت، عُنفت، اُغتصبت، هُجرت، قُتل أولادها، بالاضافة لحالات الحمل من جراء الاغتصاب الذي يؤدي بالطفل إما بسبب رميه أو وضعه في دار الأيتام بسبب هروب والدته أو انتحارها.
وتذكر المرشدة فرح بأن حالات الاغتصاب كثيرة داخل سوريا وخارجها، وهي غالباً تبقى طي جدران الأسرة، ناصحة المغتصبات بأن يبحثن بأنفسهن على العلاج النفسي والطبي المتوفر في منظمات المجتمع المدني المعروفة والجمعيات الانسانية، لأنه السبيل الوحيد لتخليصهن من الكابوس الذي يأسرهن.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية