"الولادة من الخاصرة" هكذا يبدو واقع حال المئات من النساء السوريات الحوامل اللواتي يفتقرن إلى أدنى مستوى من الإهتمام بحملهن وولادتهن في لبنان، وأظهرت دراسة أجراها باحثون من جامعة «ييل» الأميركية في شهر فبراير من العام الماضي 2014 أنه "بين حالات الحمل لدى اللاجئات السوريات 23.7 في المئة منها كانت ولادة مبكرة، وأربعة تم الإجهاض فيها وان 10.5 في المئة كانت حالات إجهاض عمدي، و 36.8 في المئة عانين بعد الولادة من مضاعفات أكثرها شيوعاً كان النزيف الحاد، ومشاكل وهن وضعف مناعة وتعب وآلام شديدة بالبطن وحمى، حيث لم يتلقين أي رعاية مسبقة للولادة منذ وصولهن للبنان.
كان اللاجىء السوري "عمر الشامي" يمنّي النفس بولادة أول طفل له، ويرسم في ذاكرته صورة زاهية لمولوده القادم، قبل أن تتحطم آماله على صخرة واقع اللجوء بكل ما يرمز إليه من انكسار وفقر وتهميش وفقدان للأمل، في ظل أوضاع إنسانية لا تسر الخاطر بالنسبة للاجئين السوريين في لبنان عموماً.
دأبت زوجة عمر على مراجعة طبيبتها اللبنانية من الشهر الخامس حتى الشهر السابع وبعد أن دخلت شهرها المحدد للولادة ذهب بها إلى الطبيبة فقالت له إن زوجته وبسبب تجاوز موعد الولادة المفترض أصبحت بحاجة إلى عملية قيصرية.
يقول عمر:"تم اعطاء زوجتي محرضاً في الساعة الخامسة عصر اليوم الذي سبق الحادثة، وفي الساعة التاسعة والنصف بدأ مفعول المحرض يعمل" ويضيف: "اتصلت بالطبيبة المذكورة حوالي الساعة الحادية عشرة مساءً وقلت لها إن زوجتي مرهقة جداً فقالت لي بكل برودة عليكم بالإنتظار ويضيف محدثنا :" اتصلت بخالي الدكتور فقال مستحيل ان لا تكون هناك ولادة وطلب منا اخذها الى المشفى وباعتبار ان المشفى يبعد عن بيتي حوالي الساعة ونصف وهو مشفى تابع للامم المتحدة مشفى كترمايا المركزي".
لدى وصول زوج الحامل إلى المشفى المذكور حوالي الساعة الثانية عشرة والنصف لم يجد أحداً من الكادر الطبي، سوى بعض الممرضين في قسم الطوارىء، وفحصت إحدى الممرضات زوجته، فقالت له:"لم يحن موعد الولادة بعد" يقول الشامي: "طلبت منهم أن تبات زوجتي في المشفى إلى اليوم التالي فقالوا لي إن الليلة تكلف 300 ألف ليرة لبنانية، مضيفين أنه "لا علاقة لهم برعايتها" وحينها عاد الزوج مع زوجته –كما يقول-إلى المنزل في منطقة "عرمون" وقبل أن يصلا الى المنزل أصيبت الزوجة بنزيف شديد فعاد بها إلى مشفى كترمايا" ويردف الزوج الشامي سارداً تفاصيل ما حصل: "ما إن نزلت زوجتي ودخلت باب المشفى حتى سقطت الجنين تحت قدميها على الأرض، ولم نجد كرسياً أو عربة تحملهما إلى الداخل، ويستطرد الزوج قائلاً: "حملت زوجتي وطفلتي الوليدة إلى غرفة العناية المشددة".
وهناك كان "عمر الشامي" مع فصل جديد من الإهمال واللامبالاة، يقول:"عندما أدخلت زوجتي إلى غرفة العناية المشددة مضت دقائق عدة دون أن يراها أحد أو يقدم لها الاسعافات الاولية المطلوبة في حالة الإنجاب عادة" ويتابع الزوج : "بعد دقائق عدة جاءت بعض الممرضات وبدأن الإهتمام نوعاً ما بالطفلة التي كانت بحالة خطرة جداً، وتركوا زوجتي في السرير دون أن تحضر الطبيبة التي كنت قد أبلغتها أننا في الطريق إلى المشفى" ويضيف الشامي: "بعد أكثر من نصف ساعة جاءت الطبيبة فأدخلت زوجتي إلى غرفة المخاض، وبعد خروجها من عند زوجتي– كما يقول- سألتها عن وضعها الصحي، فقالت لي وضعها جيد وأنها أخاطتها قطبتين خارجيتين فقط، واكتشفت بعد ذلك أن هناك 12 قطبة داخل جسدها وسبع قطب خارجية، أما الطفلة فلم يُسمح لنا برؤيتها إلا في اليوم التالي".
ورغم مرور أكثر من شهرين على الحادثة الأليمة لازالت زوجة "عمر الشامي" كما يؤكد- تعاني من تبعات ما جرى من إهمال مضيفاً أن "القطب الخارجية التي اُخيطت بها لم تسقط إلا بعد مرور اسابيع عدة، أما القطب الداخلية فذابت مع الجلد الداخلي بدل أن يزيلوها، ولازالت طفلته تعاني من ضيق في التنفس واليرقان.
ورغم الأذى النفسي والمادي الذي طال اللاجىء الشامي إلا أنه لم يقدم شكوى لمفوضية اللاجئين التي تغطي نفقات معالجة اللاجئين السوريين ولا لغيرها لقناعته بلاجدوى ذلك-كما قال–مضيفاً أن "المستشفيات التابعة لمفوضية اللاجئين ايضاً تتعامل مع السوريين بعد الإهتمام واللامبالاة لأنها مستشفيات مجانية، وليس هناك من رقيب أو حسيب عليها–كما يؤكد– ويردف أن "المشفى الوطني في حمص الذي كان يُضرب به المثل في الإهمال وتدني الرعاية الصحية والطبية يُعد مشفى بدرجة عشر نجوم مقارنة بمستشفيات مفوضية اللاجئين السوريين المنتشرة في أنحاء مختلفة من لبنان".
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية