روى طبيب جراحة يعمل داخل الغوطة الشرقية قصة واقعية عن عملية لإنقاذ فتى من الموت وترميم فكه السلفي الذي أذهبه القصف، لم تكلل بالنجاح، ولكنها أيضا حملت موقفا مثيرا للدهشة، فرضه واقع الحصار المرير.
يقول الدكتور "د. أبو خليل" في خاطرة له بعنوان "بعد المجزرة": "عند المجازر يفزع الجميع إلى الملاجئ ليحضنوا أطفالهم، إلا الأطباء يفزعون إلى غرف العمليات ليضمدوا جراح المصابين يخففوا من آلامهم ويحملونها عنهم، وكحال كل مجزرة، يؤتى بالمصابين من مكان الموت، يطلب الأطباء، يسارع الطبيب حاملاً حقيبة أدواته النفيسة المقترنة به لا تكاد تراه دونها، فهي كنزه العزيز الذي لا يقدر بثمن لاسيما في ظل الحصار".
ويتابع الطبيب الجراح: "يصل المرضى، يصل الأطباء، يستعدون لعملية لا تقل عادة عن عشر ساعات فيتم الاتفاق على جمع الصلاة تقديما أو تأخيرا.. غرفة العمليات جاهزة.. شمر الأطباء عن سواعدهم، ومن بين المصابين هذه المرة فتى في مقتبل العمر أذهب القصف فكه السفلي كاملا.. يبدأ العمل، ساعات متواصلة لمحاولة إعادة ما تبقى من وجه الفتى قطعتها نظرات معبرة من الممرض.. لا أشعر بالنبض.. توقف العمل.. بحث عن نبض.. الحدقة متسعة... ظنٌ تحاول قطعه باستدعاء من حولك، لغة العيون هي السائدة تحيل الظن يقيناً.. أمل يدرس، قوة تتلاشى، خطوات عفوية إلى الوراء، مدافعة لدمعة تهدد القناع، صمت مطبق يشقه سؤال".
ويباغت الدكتور "أبو خليل" من يقرؤون منشوره بالسؤال المؤلم الذي تردد في غرفة العمليات أمام جسد الفتى الشهيد: "هل نفتح الجرح لنستخرج الصفيحة التي وضعت في العملية لينتفع بها غيره؟! فالحصار شديد والموارد شحيحة.. أجاب الصمت المستمر".
نعم! لقد قال الحصار كلمته، وعاود الأطباء فتح الجرح الذي حاولوا من قبل خياطته، في موقف يرويه الطبيب قائلا: "كما بدأت العملية تعاد، فُتح الجرح، نزعت الصفيحة النادرة الثمينة، تقدم الطبيب الهادئ، ضمد جراح الشهيد كأنه يجهزه لعروسه في الجنان، صاح المنشد كأنه يؤرخ لهذه اللحظة.. سوف نبقى هنا.. كي يزول الألم".
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية