الدور الأميركي في أزمة لبنان إعداد: محمد جمول

بمناسبة اقتراب ذكرى الحرب الإسرائيلية على جنوب لبنان من المفيد أن نتعرف على:
الدور الأميركي في أزمة لبنان
سياسة بوش تعيد الدور الذي لعبه أمراء أوروبا قديما مع اليهود كأدوات لخدمة مصالح الآخرين
بقلم : ستيفن زونس
إعداد: محمد جمول


يستمر رئيس وزراء إسرائيل في مقاومة الضغوط الداعية لاستقالته إثر نشر التقرير المؤقت الذي أعدته لجنة إسرائيلية خاصة حول الحرب التي شنتها إسرائيل على لبنان الصيف الماضي. ويأتي هذا بعدما كان رئيس الأركان دان حالوتس قد أجبر على الاستقالة من قبل، بينما أعلن وزير الدفاع عامير بيريتس أنه سوف يستقيل قريبا.
يقول تقرير فينوغراد " لم يكن قرار الرد بضربة عسكرية فورية وشديدة قائما على خطة عسكرية مدروسة وشاملة ومجازة ."ولدى اتخاذ القرار بشن الحرب على لبنان، لم تأخذ الحكومة الإسرائيلية بالحسبان " مجموعة الخيارات المتاحة ، بما في ذلك متابعة سياسة الاحتواء."
خلافا للجان الإسرائيلية السابقة التي حققت في أخطاء حكومية سابقة، وكانت تعين من قبل المحكمة الإسرائيلية العليا، تم تعيين لجنة فينوغراد من قبل حكومة أولمرت ذاتها، مما يجعل انتقاداتها القاسية أكثر إثارة للاستغراب. وهذا مؤشر على كيف أنه على الرغم من سنوات من الاحتلال وجرائم الحرب ضد جيرانها على أيدي حكوماتها المتعاقبة ، إضافة إلى التمييز المنهجي ضد الأقلية العربية الموجودة في البلاد، تظل الديمقراطية الإسرائيلية قوية بما يكفي لإجراء تحقيق قوي يتناول قرار القادة شن حرب غير ضرورية مع ما حملته لهم من هزيمة .إنه شيء يفوق ما يمكن قوله للولايات المتحدة.
خلال القتال الذي استمر خمسة أسابيع، قتل 119 جنديا إسرائيليا و43 مدنيا. وقتل أكثر من 1100 لبناني، غالبيتهم من المدنيين. لقد فشلت اللجنة في معالجة حقيقة أن الحكومة الإسرائيلية ذهبت أبعد مما يمكن اعتباره دفاعا مشروعا عن الذات عند ردها على هجوم حزب الله الاستفزازي على مركز حدودي إسرائيلي واختطاف جنديين إسرائيليين عندما استهدفت أجزاء رئيسية من البنية التحتية المدنية اللبنانية التي لا صلة لها بالميليشيا الراديكالية. كما فشل التقرير أيضا في معالجة جرائم الحرب التي ارتكبت على مدى واسع من قبل القوات الإسرائيلية خلال هجماتها على السكان المدنيين .
الضغط الذي مارسته إدارة بوش

لم تتعرض اللجنة بشكل مباشر أيضا للسبب الذي جعل إسرائيل، حسب نص التقرير، تقرر " شن حملة عسكرية وتتخلى عن سياسة الاحتواء. " جزء كبير من الجواب موجود في الضغط الذي تعرض له أولمرت من قبل إدارة بوش التي كانت تعمل منذ أمد بعيد لدفع الإسرائيليين لشن حرب على لبنان تدمر حزب الله المعادي لأميركا وحليف إيران.
قبل سبعة أسابيع من بداية الحرب ، أي خلال لقائه مع أولمرت في 23 مايو، عمل بوش بقوة على تشجيع رئيس الوزراء الإسرائيلي على شن هجوم على لبنان خلال وقت قصير، مع تقديم الدعم الأميركي الكامل لهذه العملية العسكرية الواسعة. وبعد ثلاثة أيام فقط،قام عملاء إسرائيليون باغتيال اثنين من المسلحين الإسلاميين في صيدا ، مما أدى إلى سلسلة من عمليات الاغتيال والخطف المتبادلة أدت في النهاية إلى قيام حزب الله بأسر الجنديين الإسرائيليين في 12 يوليو. وهو ما اعتبر حجة لحرب وضعت خططها قبل شهور عدة. ينقل
الصحفي سيمور هيرش المشهور بتحقيقاته الصحفية عن أحد مستشاري وزارة الدفاع الأميركية قوله بعد بداية الحرب مباشرة أن إدارة بوش " ظلت لبعض الوقت تسعى بكل قوتها لإيجاد سبب كي توجه ضربة استباقية ضد حزب الله " وأضاف " لقد كان هدفنا القضاء على حزب الله ، والآن وجدنا الطرف الآخر الذي يقوم بهذا العمل ."
خطط الحرب موضوعة مسبقا
خلافا لما يقال عن الرد الإسرائيلي العفوي على هجوم حزب الله في 12 يوليو على الحدود الإسرائيلية الشمالية، كما تصفه إدارة بوش وقادة الكونغرس من الحزبين، كانت إسرائيل والإدارة الأميركية تخطط لهذه الحرب منذ 2004 على الأقل. وكان القادة الإسرائيليون زودوا المسؤولين الأميركيين بتفاصيل عن خططهم، ومن بينها تقديم عروض عملية بواسطة برنامج Power Point الكمبيوتري، وهو ما وصفته صحيفة سان فرنسيسكو كرونيكل بأنه " تفاصيل مهمة "
مع أن لجنة فينوغراد تتحدث عن ضعف التخطيط اللوجستي ، ينسب لأستاذ العلوم السياسية في جامعة بار إيلان جيرالد شتاينبرغ قوله " من بين جميع حروب إسرائيل منذ 1948، كانت هذه الحرب هي التي حظيت بالقدر الأكبر من الاستعداد. وبمعنى من المعاني بدأ الاستعداد في مايو 2000، بعد الانسحاب الإسرائيلي مباشرة..." إضافة إلى ذلك، يذكر هيرش كيف أن " عددا من المسؤولين الإسرائيليين زاروا واشنطن فرديا " للحصول على الضوء الأخضر لعملية القصف ومعرفة كم ستكون مساهمة الولايات المتحدة ". وخلال وقت قصير تم الحصول على موافقة نائب الرئيس ديك تشيني ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس ثم موافقة الرئيس بوش لاحقا.
بعض التقارير ذكرت أن وزير الدفاع دونالد رمسفيلد كان أقل حماسا فيما يتعلق بالهجوم الإسرائيلي المقترح، وكان يرى أن على إسرائيل أن تقلل من الاعتماد على القصف الجوي لصالح العمليات البرية على الرغم من توقع إصابات بشرية عالية. ومع ذلك ينقل هيرش عن مسؤول كبير في الاستخبارات قول رمسفيلد إنه كان " سعيدا لأن إسرائيل تقوم بدور الدريئة التي نختبئ خلفها." والواقع أن هناك أكثر من طرف رأى في تلك الحرب هدفا أميركيا تحققه إسرائيل. زيئيف شيف ، كبير المراسلين العسكريين الإسرائيليين قال " رايس هي التي تقود إستراتيجية تغيير الوضع في لبنان، وليس إيهود أولمرت أو عامير بيريتس." وفي مقابلة مع صحيفة هآرتس يقول مارتن إنديك السفير الأميركي السابق في إسرائيل ليس لأميركا تأثير على حزب الله إلا من خلال "استخدام إسرائيل للقوة."
أميركا شريك كامل
مع دخول القتال أسبوعه الثالث وزيادة عد الإصابات بين المدنيين وتزايد الضغط العالمي والداخلي على إسرائيل لوقف إطلاق النار، توجهت كوندوليزا رايس إلى إسرائيل للضغط على الحكومة من أجل الاستمرار في الحرب. يقول الصحفي الإسرائيلي يوري أفنيري " كانت رايس تذهب وتعود لتحدد متى نبدأ ومتى نتوقف وماذا نفعل. لقد كانت أميركا شريكة في كل شيء..."
مع الأسبوع الأول من أغسطس، كان الضغط الداخلي قادرا على إجبار الإسرائيليين على إعادة النظر في متابعة الحرب إلى مالا نهاية. ويقال إن بوش الذي كان يخشى قبول الإسرائيليين بوقف النار قال لهم " لا يمكنكم التوقف الآن. إنكم تعملون من أجلنا جميعا." ومع الأسبوع الثاني من أغسطس، كان واضحا للمسؤولين الأميركيين أن الإسرائيليين باتوا مستائين من الدور الذي أوكل إليهم. وقد نسب لأحد كبار مسؤولي الإدارة الأميركية قوله " بدا واضحا أن إسرائيل لن تكون قادرة على تحقيق النصر العسكري، وتلك هي الحقيقة التي جعلت أميركا تقف وراء وقف لإطلاق النار."
إن الضرر الذي ألحقته هذه الحرب بالمصالح الإستراتيجية والسياسية الإسرائيلية يشير بوضوح إلى أنها هدفت بشكل أساسي لتحقيق أهداف الهيمنة الأميركية في الشرق الأوسط أكثر من الدفاع عن مصالح إسرائيل الأمنية المشروعة .
حرب غير ضرورية
في السنوات التي سبقت غارات إسرائيل الجوية على المدن اللبنانية في 12 يوليو والتي استدعت رد حزب الله بقصف المدن الإسرائيلية، لم يكن مقاتلو الحزب يمثلون تهديدا كبيرا. فعلى مدى أكثر من عشر سنوات لم يقتل أي مدني إسرائيلي من قبل حزب الله، كما لم يقم بمهاجمة أية أهداف مدنية إسرائيلية منذ الانسحاب الإسرائيلي في مايو 2000.
عمليا اقتصرت عمليات حزب الله ضد إسرائيل بين مايو 2000 ويوليو2006 على قوات الاحتلال في مزارع شبعا أو للرد على الهجمات الإسرائيلية على قياداته السياسية أو المدنيين اللبنانيين. وقبل الهجوم الإسرائيلي كانت قوة حزب الله مقتصرة على ال500 مقاتل الذين يشكلون قوته الدائمة. وكما تشير لجنة فينوغراد، لم يكن الحزب يشكل تهديد كبيرا يستدعي مثل هذا الهجوم الكبير ضده.
الحرب زادت من دعم حزب الله
غالبية اللبنانيين كانوا يعارضون أجندة حزب الله الاجتماعية الأصولية الرجعية وإصراره على الاحتفاظ بسلاحه رغم اعتراض الحكومة المنتخبة. ولكن بفضل الهجوم الإسرائيلي المدعوم أميركيا على البنية التحتية الإسرائيلية، ازداد الدعم لحزب الله إلى أكثر من 80% حتى بين السنة والمسيحيين، كما تبين الاستطلاعات. يقول ريتشارد أرميتاج ،معاون وزير الخارجية في إدارة بوش الأولى وأحد الصقور البارزين " الشيء الوحيد الذي حققه القصف حتى الآن هو توحيد الشعب ضد الإسرائيليين. "
ومع تزايد إدراك الإسرائيليين للأذى الذي ألحقته هذه الحرب بمصالحهم الأمنية ، ازداد وعيهم للدور الأميركي في توريطهم في هذه المشكلة. فلم يمض وقت طويل على بداية الحرب حتى بدأت التقارير تتحدث عن استياء عدد كبير من القادة الإسرائيليين، وبينهم عسكريون، من قيام بوش بدفع أولمرت لشن هذه الحرب. وقد وصفت هآرتس المظاهرة التي خرجت ضد الحرب في 22 يوليو بأنها " احتجاج واضح على أميركا "، وهي المظاهرة التي ترددت فيها هتافات مثل " لن نموت ولن نمارس القتل من أجل الولايات المتحدة."
الكونغرس لا يزال يدعم الحرب
وقد تصبح إسرائيل ضحية المصالح الأميركية

على الرغم من هتافات الإسرائيليين التي تقول إنهم لا يردون أن يموتوا خدمة للولايات المتحدة، دعمت غالبية النواب الأميركيين من الحزبين مجموعة من القرارات التي تقدم دعما غير مشروط لموقف الرئيس بوش المساند للحرب، بل إن توم لانتوس رئيس لجنة العلاقات الخارجية أثنى على حرص إسرائيل على تقليص الإصابات بين المدنيين وذهب أبعد من ذلك ليقول إن الهجمات نفذت " بموجب القانون الدولي" مع أن هناك إجماعا في الرأي القانوني الدولي يقول العكس. أما هيلاري كلينتون ، فقد دافعت عن دور إسرائيل كوكيل أميركي وامتدحت جهودها لتوجيه رسالة لكل من حماس وحزب الله وسوريا وإيران.
إذا ما أخذنا بالاعتبار اعتماد إسرائيل القوي على الدعم الأميركي عسكريا واقتصاديا ودبلوماسيا، لا يمكن تصور قيامها بشن هذه الحرب من دون ضوء أخضر من واشنطن . وفي حين يعاني اللبنانيون مما أصاب بنيتهم التحتية وبيئتهم من هذه السياسة الأميركية اللا أخلاقية والخاطئة ، يمكن القول إن إسرائيل ضحية أيضا. فكما استخدمت بعض النخب الحاكمة الأوربية في القرون الوسطى أفرادا من الجالية اليهودية كجباة ضرائب وممولين لهم للحفاظ على سلطاتهم، وبالتالي حولوا تلك الأقلية إلى أكباش فداء، فإن الولايات المتحدة تستخدم الدولة اليهودية الوحيدة في العالم بالطريقة ذاتها لتعزيز أجندة هيمنتها في الشرق الأوسط. وبذلك تساهم بقوة في زيادة حدة المشاعر المناهضة لإسرائيل واليهود في العالم الإسلامي.

مايو 2007
(سبق أن نشر الموضوع في صحيفة الوسط الكويتية)

المصدر : فورين بوليسي إن فوكس
(110)    هل أعجبتك المقالة (108)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي