الرياض وأنقرة تخلقان مناخا إقليميا مريحا .. والبداية من أردوغان

صدقت كل التحليلات السياسية عن تقارب تركي -سعودي مع تسلم الملك سلمان بن عبدالعزيز زمام الحكم في المملكة العربية السعودية، بل أن وتيرة العلاقات تجاوزت المحللين إلى أبعد من ذلك، فالرئيس التركي في أقل من شهر على تولي الملك سلمان الحكم سيقوم بزيارة إلى الرياض في الأيام القريبة المقبلة، فيما سيقوم الملك سلمان بدوره بزيارة أنقرة في أكتوبر (تشرين الأول)، إذ يمثل المملكة في قمة العشرين، فيما تشير المعلومات إلى زيارة قريبة إلى أنقرة قد تكون نيسان (أبريل) المقبل.
*ملء الفراغ
هذا التقارب السريع، مرشح لأن يكون محورا استراتيجيا في ظل الفراغ السياسي الإقليمي في المنطقة، بينما تسعي إيران إلى ملء الفراغ والامتداد في دول المنطقة مستفيدة من تنامي الصراعات بأدواتها الطائفية، سواء في سوريا أو في اليمن.
ويزيد من أهمية هذا التقارب وإمكانية نشوء تكتل إقليمي يعوض عن التراجع الأمريكي بالاهتمام بشؤون المنطقة، يزيد من زخمه دخول دولة قطر على خطه.
وقد جاءت زيارة أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى السعودية الأسبوع الماضي ولقائه الملك سلمان لتعزز فرضية التقارب الثلاثي (تركيا – قطر- السعودية)، لإغلاق الباب على إيران التي تسعى للوقوف ضد أي تقارب من هذا النوع.
ثمة مؤشرين مفصلين وقعا الأسبوع الماضي، الأول تصريح سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي بأن المملكة ليس لديها مشكلة مع جماعة الإخوان المسلمين برمتها، وإنما مع فئة محدودة منها وهي تلك التي بايعت مرشد الجماعة، مضيفا أن المملكة تتعامل بصدق مع خصومها ومع أصدقائها.
*إشارة الإخوان
بإسقاط التفاصيل، التي يعشقها الشيطان، فإن هذا التصريح موجه بالدرجة الأولى إلى القيادة التركية، التي باتت "قبلة" الإخوان المسلمين.. وبالفعل لم يمض أسبوع على هذا التصريح حتى استضافت المملكة العربية السعودية أحد أكبر قيادات الإخوان فضيلة الشيخ على القرداغي في إطار مؤتمر مكة لمواجهة التطرف والإرهاب الفكري.. ليكمل كل مؤشر النصف الآخر من قصة التقارب التركي السعودية.
إن قرون الاستشعار المصرية، هي أول من تنبأت بالتقارب التركي -السعودي، وعلى قاعدة "كاد المريب أن يقول خذوني"، بدأت بشكل غير مباشر بعض وسائل الإعلام المصرية المحسوبة على أجهزة المخابرات المصرية استقبال حكم الملك سلمان بالتشاؤم، وجاءت الطامة الكبرى بتسريبات الرئيس المصري الشهيرة التي تحدث عن أموال الخليج الوفيرة "زي الرز"، لتمنح السعوديين القناعة بأن الشيك المفتوح السابق للسيسي لم يكن في محله، ليسارع السيسي وفي اليوم التالي على الفور بمحاولة توضيح الأمر للملك سلمان باتصال هاتفي، الذي أكد له الملك أن الموقف من مصر ثابت ولم يتغير، لكن تعودنا في السياسسة أن تكون المواقف غير المعلنة هي الأكثر صدقا.
*غياب الشرطي الأمريكي
إن حجم التغيير الضخم الذي أحدثه الملك سلمان في بيئة الحكم، يشير إلى طريقة نوعية وكم هائل من القدرة على تغيير المواقف، وبكل تأكيد فإن الغمز الصريح بين الرياض وأنقرة سيقود إلى ما هو أكثر من تطابق مواقف حيال قضايا المنطقة.
والكل يعلم أن الملك سلمان تربطه علاقات جيدة مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، فهو الذي عمق العلاقة في أيار 2013 باتفاقيات مهمة، إذ وقع آنذاك (ولي العهد) اتفاقية للتعاون الصناعي -الدفاعي بين البلدين.
نحن أمام تحول في منظومة العلاقات الإقليمية، فلم تعد المنطقة محروسة من الشرطي الأمريكي وتركت في الوقت ذاته للطموحات الإيرانية، ولا بد من حاجز تركي سعودي يعيد التوازنات إلى طبيعتها ويضبط إيقاع المنطقة.
*سوريا اليمن والعراق
إن حجم الاضطرابات في سوريا والعراق وحده، يكفي ليتقارب هذان البلدان، فتصور أن طول الحدود السعودية مع العراق هي ذاتها بطول الحدود التركية مع سوريا التي تبلغ 800 كيلو متر، وكذلك حجم الارتدادات الصادرة من تنظيم "الدولة" في العراق تجاه السعودية، تعادل تلك الارتدادات على تركيا من التنظيم في سوريا، أما في اليمن التي طالما كانت أنقرة تسعى أن تتموضع في هذا البلد المطل على باب المندب، فالسعودية الأن في ترقب وحذر من تنامي صعود الحوثي وتغلغل النفوذ الإيراني على طريقة "جنوب لبنان".. سوريا والعراق واليمن تكفي لتحالف حديدي .. وربما سيكون ذلك أسرع مما نتصور.
عبدالله رجا - مسؤول الملف الخارجي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية