المستشار مؤتمن والمنافق خطر ... بلال حسن التل


لأننا نحب بلدنا حباً ينبع أولاً من ديننا الحنيف الذي جعل حب الوطن من الايمان ، والدفاع عنه تكليفاً شرعياً . والموت في سبيله شهادة يجزي الله بها الشهيد دون وطنه أعلى المراتب . وينبع ثانياً من جذورنا الضاربة فيه أرضاً وتاريخاً. ففي اعماق تراب هذا الوطن يرقد الأب والجد وجد الجد وهؤلاء وابناؤهم واخوانهم وابناء عمومتهم شيدوا في هذا الوطن. وشاركوا في صناعة تاريخه الحضاري بكل مكوناته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية . فصار حب هذا الوطن، والدفاع عنه، وعن انجازاته، والانتماء إليه جزءاً من النسيج الشخصي لكل واحد منا. لأنه انتماء للأسرة ودفاع عن التاريخ والانجاز الشخصي لكل منا. فنحن شركاء أساسيون في هذا الوطن. الذي نحبه أيضاً لأن مصالحنا الشخصية ،وهي كثيرة ومتعددة مرتبطة به . كذلك علاقتنا الانسانية وهي أيضاً متعددة ومتشعبة. تشمل جغرافية هذا الوطن كلها.
ولأننا نحب وطننا لهذه الاعتبارات منفردة ومجتمعة ، فإننا نصر على أن نكاشفه بالحقيقة ، والحقيقة كلها دون مواربة أو تجميل. فأهم أدوات الطبيب لتشخيص الداء ووصف العلاج أن يصارحه المريض بالأعراض الحقيقية التي يشعر بها كما هي . وبدون هذه المصارحة قد يخطئ الطبيب التشخيص ، ومن ثم يخطئ العلاج ، فتكون النتيجة كارثية. والذين لا يصارحون أوطانهم بالحقيقة هم خطر حقيقي على هذه الأوطان . فهؤلاء هم المنافقون الذين يظهرون غير ما يبطنون. ويقولون بالسر غير الذي يقولونه بالعلن . وهم أخطر من يمكن ان يبتلى بهم مجتمع ، وينكب بهم وطن. لذلك لعنهم القرآن الكريم وحذر منهم. بل لعل التحذير من المنافقين والحديث عن صفاتهم ومخاطرهم ،استغرق في بعض السور القرآنية أكثر مما استغرق الحديث عن المشركين والتحذير منهم. فالمشرك عدو ظاهر مقدور عليه ومحذور منه. أما المنافق فقد يكون محل ثقة. لأنه عدو مستتر فيه من السرطان خبثه وخطره القاتل ، ومن الجبان غدره ، حمى الله بلدنا من خبث المنافقين وخطرهم، الذي يأخذ احياناً طعم العسل ولكنه يفعل فعل السم . ومن مخاطر المنافقين على بلدنا أنهم يميلون حيث تميل الريح . خاصة ريح الحكومات المتعاقبة فتراهم يطبلون ويزمرون للحكومات حتى عندما تتخذ هذه الحكومات قرارات وإجراءات تكون هي نفسها غير مقتنعة بها . وعالمة بمخاطرها على النسيج الاجتماعي للوطن واستقراره . ومع ذلك ينبري المنافقون لترويج هذه القرارات والإجراءات التي يتبرأ منها أصحابها . وقد زاد من عوامل تفشي وباء النفاق في بلدنا أنه صار تجارة مربحة. فالمنافقون في بلدنا صاروا يكافأون بالمال أحيانا وبالمناصب أحيانا أõخرى . ولدى الناس في بلدنا عشرات الحالات من الذين اثروا بسبب نفاقهم وهم يؤجرون أقلامهم ، وحناجرهم لمن يدفع . بل إن الناس يؤشرون الى معدمين صاروا اليوم من الأثرياء بفضل أقلامهم وحناجرهم المعروضة للإيجار لكل من يدفع. تماماً مثلما تفعل بعض بائعات الهوى اللاتي يثرين من التجارة بأجسادهن . ثم يحاولن أن يظهرن بمظهر سيدات المجتمع لكنهن في اعماقهن لا يحترمن انفسهن . تماماً مثلما أن لا أحد من محيطهن يحترمهن حتى و إن رحب بهن ظاهرياً.
واذا كانت مكافأة المنافق بالمال خطأ ، فإن مكافأته بالمنصب خطيئة. يتحدث الناس عن وقوعها كثيراً في بلدنا.الذي صارت من رزاياه انعدام مبدأ تكافؤ الفرص. وغياب قاعدة الرجل المناسب في المكان المناسب . فقد انتهت أيام كنا نفاخر بها بتميز الادارة الأردنية ، ونزاهتها ،وبنظافة كف وفرج جل الذين يسند إليهم تولي مواقعها القيادية وحتى الدنيا منها. وصار النفاق والتزلف طريقاً لذلك.
مناسبة حديثنا عن النفاق والمنافقين وخطرهم أن بعض هؤلاء صار صوتهم عالياً . ولم يعودوا يكتفون بالترويج للأخطاء والخطايا . بل صاروا يهاجمون من يحاول التأشير إلى بعض مواطن الخلل في مسيرة الوطن . مع أنه من الطبيعي أن تقع الأخطاء ، لكن من غير الطبيعي أن ندافع عن هذه الأخطاء ونهاجم من يؤشر عليها. فتكون النتيجة تفاقمها وتراكمها مما يحولها الى خطر حقيقي يهدد الوطن وعندها يكون المنافقون أول من يتخلى عنه، عندما يجد الجد ويحين الحين ويتكشف المستور. وتبدأ نتائج هذه الاخطاء بالظهور، بصورة لا يستطيع أحد أن ينكرها أو يدافع عنها. تماماً مثلما لايستطيع أحد أن ينكرأن بلدنا يعيش حالة من حالات الاحتقان ، التي يتم التعبير عنها بصور مختلفة من العنف الذي نأمل ان لا يتطور الى ما هو أسوأ وفي هذا السياق ننظر الى العنف الجامعي الذي كانت أحداث جامعة الطفيلة آخر تجلياتها بالاضافة إلى مايقع من اعتداء على الأطباء والممرضين وغير ذلك من مظاهر العنف، على أنها صورة من صور التعبير عن حالة الاحتقان التي يعيشها بلدنا وتحتاج إلى علاج جذري ، لا يمكن الوصول إليه عبر تشجيع المنافقين على التمادي بغيهم وتعظيم مكاسبهم على حساب الوطن وكفاءاته ، ورفع صوتهم أكثر للتغطية على صوت الحقيقة. مثلما لا يتم الوصول إلى العلاج لمشكلاتنا عبر صم الآذان عن سماع الصوت الاخر، واقصاء أصحابه الذين هم أشد إخلاصاً للوطن من المنافقين ، فأصحاب الصوت الآخر هم الذين اختاروا الطريق الأصعب متحملين مخاطره . ذلك أن الحقيقة تكون في غالب الأحيان مرة لكنها كالدواء وسيلة للشفاء رغم مرارته.
وحتى نصل إلى الحقيقة التي تخدم بلدنا لابد لنا جميعاً من المصارحة، والمكاشفة حول قضايا الوطن وهمومه ومشكلاته . على أن تكون هذه المصارحة والمكاشفة مبنية على أساس المعلومات الدقيقة، والحقائق الواضحة التي لا لبس فيها. وتوفير المعلومات الدقيقة ، وكشف الحقائق التي لا لبس فيها ، هي مسؤولية الحكومة. أي حكومة . إذا أرادت إنقاذ مواطنيها من أن يكونوا ضحايا الإشاعات وحماية مسيرة الوطن . وهو حوار ندعو إلى قيامه بين جميع أبناء الوطن ممثلين بالكفاءات الحقيقية وبالممثلين الحقيقين لإرادتهم. على أن يدخل هذا الحوار في التفاصيل ، بل وتفاصيل التفاصيل ، على ضوء المعلومات الحقيقية التي يجب أن تتوفر للمشاركين بهذا الحوار، الذي نريد له أن يقوم على احترام كل الآراء والاجتهادات حتى يصل الى نتائج حقيقية، تتحول إلى خطط وبرامج من شأنها النهوض بالوطن. وهو ما لم يتم في مرات سابقة كنا ندعي فيها أننا نتحاور بينما الحقيقة اننا كنا فريقين أحدهما يتحدث ويقول مالديه. والآخر غير مسموح له إلا بالاستماع. أو كان بعضنا يجامل بعضنا الآخر على حساب الحقائق الوطنية مما قاد إلى حالة من فقدان الثقة بأي دعوة للحوار تنطلق في وطننا الذي يستحق منا الكثير الكثير. وأول ذلك أن نلتف حوله لننقذه ولنحميه ولننهض به عبر الإخلاص له وعبر تقديم المشورة الصادقة لولي الأمر فالمستشار مؤتمن

(121)    هل أعجبتك المقالة (111)

سعد

2008-07-10

ما شاء اللة بدعت استاذ بلال المقال مقنع وممتع.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي