عن عمر ناهز 85 عاماً فقدت مدينة حمص صباح أمس الخميس الكاتب والمؤرخ "محمد فيصل شيخاني" الذي رحل تاركاً إرثاً موسوعياً تمثل في العديد من المؤلفات في مجالات التاريخ والتربية والتراث، إضافة إلى كتاباته في عدد من الصحف المحلية والعربية.
وهو عضو في جمعيات تاريخية عدة ومنها جمعية العاديات ورابطة الخريجين واتحاد الصحفيين وجمعية أصدقاء حمص.
ولد الباحث "محمد فيصل شيخاني" عام 1930 لوالدين كبيرين في السن، وبمساعي طيبة من المربي الأستاذ "راغب الجمالي" دخل الشيخاني كمستمع في مدرسة "منبع العرفان" في شارع الدبلان، ثم تعلم في كتّاب الشيخ "عبد السلام الشيخ عثمان"، ثم في مدرسة الأموية عند الأستاذ الجمالي، كما تعلم في المدرسة الوليدية، بعد ما نال شهادة "السرتفيكا".
ولم يتمكن من متابعة الدراسة لخطأ في التسجيل وقلة في المال، فقد عاش عيشة الكفاف في بداياته وعايش تلك الظروف وأفاد منها وأرّخ لها.
عام 1941 حدث أن قصفت الطائرات الإنكليزية قوات حكومة فيشي الفرنسية في محطة القطار بمدينة حمص، وحصل على الشهادة الابتدائية بمساعدة والدته تلك السنة.
وفي عام 1945 وبعد عناء كبير عمل مدرسا لمادة الحساب والهندسة على أساس الشهادة الابتدائية التي كان يحملها آنذاك براتب 20 ليرة سورية.
في عام 1947 عمل مراقباً في الإنتاج الزراعي وتابع استعداده للتقدم لامتحان الإعدادية، عام 1950 وبموجب الشهادة الإعدادية عيّن معلماً، وانتدبته وزارة المعارف للتعليم في مدرسة الأرمن الكاثوليك، ثم في مدرسة الأرمن الأرثوذكس في مدينة الحسكة، وعاد إلى حمص عام 1951 ليدرّس في قرية البريج القريبة من القلمون، وحصل شيخاني في عام 1952 على شهادة الثانوية العامة الفرع الأدبي.
وفي عام 1956 حصل على أهلية التعليم الابتدائي -دراسة حرة ونال المرتبة الأولى على مستوى حمص ليتسلم بعدها إدارة مدرسة "ضرار بن الازور" الابتدائية.
عام 1958 دخل ميدان العمل النقابي ليدافعَ عن المعلمين، وينادي بحقوقهم بما فيها حقه في الترفيع بعد ما نال أهلية التعليم، وثابر شيخاني على العمل في ميادين العمل الجماعي في المجالات التعاونية السكنية والاستهلاكية ..حيث أسس مشروعاً يقدم للمعلمين خدمات صحية واجتماعية كبيرة من طبابة مجانية، وأدوية رخيصة وركوب الباصات، ودخول درو السينما وغير ذلك بأسعار بسيطة مناسبة لدخلهم الضئيل آنذاك، كما تم طبع هويات نقابية خاصة بالمعلمين وأخرى للطلاب استفادوا منها كثيراً.
وكان الراحل شيخاني يفخر بين معارفه وأصدقائه –ومنهم كاتب هذه السطور- بأنه كان وراء إحداث جامعة البعث في حمص عام 1960 التي تحوّل اسمها بعد الثورة إلى جامعة "خالد بن الوليد" حينما كتب مقالاً في جريدة الأيام مطالباً فيه بإحداث جامعة في محافظة حمص، وقد أحدثت بالفعل جامعة في حمص فيما بعد.
وشارك الراحل شيخاني في العام نفسه بفعالية في أعمال مؤتمر المعلمين العرب الأول الذي عقد في بيروت، وصدرعن المؤتمر نتائج هامة منها إقرار مشروع التكافل الاجتماعي والصحي للمعلمين في سوريا , وصندوق التكافل الاجتماعي, ونقابة موحدة للمعلمين في المرحلتين الابتدائية والثانوية.
في عام 1964 دخل جامعة دمشق وتخرج منها حاملاً إجازة في التاريخ.
زار شيخاني من خلال جمعية "رواد السياحة" في حمص معظم البلاد الأوربية والعربية في جولات اطلاعية، وكتب مشاهداته في أدب الرحلات، كما تولى إدارة "متحف الآثار الإسلامية" في جامع "خالد بن الوليد" وترأسَ "جمعية حمص للسياحة والثقافة" التي كان لها دور بارز في دعم وتشجيع هذين المجالين.
الصحفي المهتم بتاريخ حمص "مأمون أبو محمد" الذي كان أحد تلامذة المؤرخ والباحث الراحل شيخاني قال لـ"زمان الوصل": "إذا كان للمكان دائماً أصدقاؤه، فإن لحمصنا الحبيبة صديق وفي ومخلص اسمه "فيصل شيخاني"، الذي أحب حمص أيما حب، وعشقها أيما عشق ودوّن تاريخها أيما تدوين".
وأكد أبو محمد أنه تعلم من الراحل منذ أن كان شاباً يافعاً ألف باء التاريخ". وأضاف:"من خبرته وثقافته واطلاعه الواسع عرفت الكثير الكثير مما كان ينبغي أن أعرفه عن تاريخ مدينتي حمص".
ويتذكر الصحفي "مأمون أبو محمد" أن شيخاني كان يصطحبه مع زملائه التلاميذ في رحلات تثقيفية إلى متاحف حمص وأحياء حمص القديمة حيث القصور والبيوت التاريخية والحمامات والأسواق تتجلى في أسمى معانيها. مضيفاً :"تلك الصور والذكريات تركت أثراً في نفسي وفي ميلي للكتابة والتأريخ وجعلتني أنكبُّ على العمل في مجال البحث التاريخي وخاصة تاريخ مدينته حمص".
وللراحل العديد من المؤلفات المطبوعة والمخطوطة ومنها "مغامرات الأرنب ماهر في الجرائر"، وهي قصص تربوية للأطفال، شارك بها في مسابقة لقصص الأطفال في مصر، وكتاب هام بعنوان "الأمثال الشامية في منطوقها الحمصي، الذي جمع ووثق فيه مئات الأمثال الشعبية في حمص، وكتاب"المربي راغب الجمالي -سيرة حياة" و"حمص درة مدن الشام". بالاشتراك مع الباحث د."منذر الحايك". و"معالم وأعلام من حمص الشام" بالاشتراك مع الكيميائي "طارق كاخيا". و"خالد بن الوليد بطل ومسجد" و"القيم والتربية والأعراف الأخلاقية في الحضارة العربية الإسلامية".
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية